بحث

29 يناير 2009

انفلونزا السلام


يبدو ان اجواءنا العربية مصابة بانفلونزا الطيور منذ اكثر من 50 سنة، والدليل على ذلك هذا النفوق المستمر لحمامات السلام.

ويمكن تسجيل اول حالة نفوق سنة 48 عندما سقطت فلسطين ، وتلتها معارك متفرقة راح ضحيتها آلاف الابرياء, ولم تتمكن حمامة سلام من التحليق حتى الم بها الفيروس القاتل فوقعت سنة67 على مصر والبلاد العربية جمعاء, واصيبت اخرى اضافة الى المرض بالتهاب مزمن سنة 82 عندما اجتاحت غربان اسرائيل اول عاصمة عربية.

وسجل في ذاك الوقت نفوق مستمر للحمام طوال 15 سنة في لبنان تداخل فيها امراض العالم العربي كله.

ولا ينسى المتابع بطبيعة الحال النفوق المزمن لحمام السلام في فلسطين.

وفي السنوات الاخيرة برز فيروس خطير اجتمعت فيه خصال الامراض الوبائية كلها فحصد الارواح البريئة في كل مكان قاتلاً كل امل باكتشاف علاج لمواجهته والحد منه ولعل آخرها اجتياحه لعرس في العاصمة الاردنية عمان.

السؤال الاخير الذي يطرح بعد هذا:

هل الانفلونزا في الطيور ام البشر؟.


التاريخ : 19/10/1426 هــ الموافق : 21/11/2005 م العـدد : 1618 آفاق ثقافية الرأي الثقافي

من أنا / مسودة ثانية


أذكر جيدا ذاك الطفل الممدد على الأرض هو واخوته يقرأون القصص العالمية التي كان يشتريها الوالد لأطفاله.
أذكر جيدا تلك الرؤى التي كانت ترتسم أمامي كلما انتهيت من قراءة قصة ما. وقد غرمت مبكرا بسندريلا ورابينزل ذات الشعر الطويل والقط ابو جزمة .. وفرحت لأعاجيب القدر الذي يفيض بالمهلبية.
القراءة كانت تتواصل مع القصص الدينية، فتعرفت على القصص الدينية المصورة التي كانت تطبعها المطبعة الكاثوليكية، فحزنت مع آدم، وتألمت لموت هابيل، وفرحت بنجاة نوح من الطوفان، وتساءلت مع إبراهيم عن وجود الخالق، وصرخت مع المسيح عندما غرزت المسامير يديه وقدميه، وقلت: إلهي .. الهي.. لمَ تركتني؟ أحبّ المسيح وأخاف من محمد.. لا اعرف لماذا. سؤال حاولت ان اجد له جوابًا.. إلا انني في كل مرة أصمت .. هكذا انا لا اعرف لماذا احب.. ولماذا اكره.. أدع نفسي لمساحات من التأويل لا تنتهي.
كنت أدخل القصة مع كل نبي جديد.. حتى خلت نفسي ذات يوم ان الوحي يناديني من الجدار.. فوقفت قبالته أتنصت بإمعان ورجفة ما تشل جسدي.. وكم ضحكت من نفسي عندما علمت ان مصدر الصوت كان بيت الجيران.
عندما كان يسألني الأستاذ ماذا تحب ان تكون في المستقبل يا كامل: كنت أسارع للقول: مهندس كهرباء. ولهذه الأمنية تطبيقات كانت كارثية في البيت وفي بيوت الجيران. إذ أحرقت اكثر من مرة جهاز التلفزيون بسبب محاولاتي لاكتشف ما فيه، ومرة احترقت لمبات جارتنا بسبب دمج لوصلة كهربائية خاطئة.. وتتطور الأمر معي عندما دخلت المهنية لأدرس الكهرباء ، ففي السنة الثانية وفيما استعد لتقديم مشروعي شبكت الخطوط ببعضها وما ان طلب مني المشرف اشغال الكهرباء حتى احترق المشروع بأكمله ونلت عقابي اللازم من المشرف مع علامة سيئة جدا.
لم أيأس وسجلت في الجامعة هندسة كهربائية وذاك الوقت تأكدت انني لن اصبح مهندسا كهربائيا، والسبب بكل بساطة هو انني بدلا من متابعة المحاضرات كنت اكتب القصائد وارسم بعض الأشكال الهلامية وما ان مرت شهور على وجودي في الجامعة حتى أخذت قراري الحاسم وانتقلت بكامل قواي العقلية الى الأدب.. وسجلت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم لغة عربية وآدابها.. ولا تتخيلوا معاناتي في ذلك، بسبب صعوبة التوجه من المواد العلمية الى المواد الأدبية.

لكن قبل هذا الوقت بسنوات، أذكر كتاباتي الأولى التي بدأت ترى النور مع تقدم الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. كنا لا مدرسة ولا تعليم، فجلسنا بالبيت ننتظر والدا ربما يعود وربما لا، وننتظر الأخبار وتفاعل الأحداث، وكنت صغيرا أمام هذه الأحداث المصيرية، فوجدت نفسي انهمك بقراءة المسرح العالمي، واذكر أن في شهرين تقريبا قرأت نحو عشر مسرحيات، لم اعد اذكر منها شيئا اليوم.. هذا التوجه في القراءة دفعني بشكل لا شعوري لكتابة مسرحية، فكتبت مسرحيتين لم اعد اعلم مصيرهما اليوم. الأولى تحدثت فيها عن حالة حب تقع بين شاب وفتاة من طائفتين مختلفتين لكن عائلة كل منهما تعارض هذا الارتباط، المهم في النهاية يقرران الهرب معا غير أن قذيفة تصيبهما فينزفان حتى الموت. أما موضوع المسرحية الثانية فبطلاها طفلان يقبعان في ملجأ خوفا من الحرب وتمر الأيام وهما في الملجأ وعندما يقرران الخروج يصابان بالعمى .. ويموتان.
محاولة الكتابة المسرحية رافقتها محاولات أخرى لكتابة نصوص أو بمعنى أصح خواطر مليئة بالأخطاء والثرثرة والمواضيع المكررة المملة.. أقرأها اليوم وابتسم .. ولم اجرؤ على تمزيقها.

ربما يتبع 2

28 يناير 2009

من أنا/ مسودة أولى



سألني أحد الأصدقاء: من أنت؟
لم أشأ التسرع في الإجابة، لسبب بسيط انني للآن لم أحاول رصد سيرتي.
ربما هي عادية، وربما تهم أحدًا.. وربما تكون مشروع كتابة يتواصل أو ينقطع.
لأحاول أن أبدأ بتجرد ووضوح بلغة ليست كالشعر وليست كالسرد، لغة بوح وثرثرة وتفاصيل.
أفتح سراديب الذاكرة من السرداب الأخير، من مكان غربتي، بعيدًا عن ناسي أشيائي حميميتي بالمكان الأول.
الغربة مفتاح لأبواب كثيرة لا تحصى.. لكن منّا من يزرع العمر كله بحثًا عن الباب المناسب. ومنّا من يجد الباب أمامه خاضعًا للوطء. أما بالنسبة لي فالغربة كانت امتحانًا للصبر وكانت امتحانًا للكتابة والحنين وقسوة الهامش.
الغربة اتصال: اشتقت إليك يا أمي.
أو.. اشتقت إليك يا أبي.
أو..

25 يناير 2009

عبده خال في "الطين" : من قرأ " روايات " في رواية


الدخول إلى عالم " الطين" كالدخول إلى بيت الإنسان حيث تختلف المساحات وألوان الجدران والغايات والاستعمالات، فـ"الطين" مادة أولية للوجود ، ومنه اتخذت الأرض حركتها ولونها ومزاجها .

وبقدر ما للطين من وجوه وتضاريس بقدر ما تمكن الزميل والروائي عبده خال أن يمعن في تشكلها بصورة أخرى معكراً انسيابها التاريخي ويضعها أمام إطارها الجديد / القديم . لا يمكن تحديد بطل أوحد في رواية عبده خال الصادرة عن دار الساقي بعنوان "الطين"، فالأبطال كثر والحكايات لا تنتهي فثمة ثقب كبير في الذاكرة يدلق كل ما فيها وجاهد عبده للسيطرة عليها وتنسيقها وترتيبها كي لا تلوث لب المحور أو لنقل المحاور.

هل قرأتم "روايات " في " راوية " ؟ نعم فطين عبده خال ليست رواية واحدة بل روايات وليست بطلاً محورياً بل أبطال ويمكن بشيء من الثقة القول إن كل صفحة فيها تشكل قصة وتشكل حدثاُ غير أنها لا شك متعبة ومضنية وتجعلك منساقاً خلفها كطفل سحره صوت زخات المطر على زجاج منزله .

الرواية تمتد بين عالمين يتصلان بالذاكرة ورغبة المعرفة تمتد بين الخرافة والتقاليد والعادات من جهة والعلم والبحث والمعرفة الأكاديمية من جهة أخرى بين الشعوذة واليقين .. بين القهر وتنفس الحرية المطلقة . من الممكن أن نكون بلا ظل لكن من المستحيل أن نكون بلا ماض ، بلا تشكيلات أولى بلا "طين" .

رواية عبده صراع بين " طين " يريد ان يبسط سيطرته و" ظل " لا يريد ان يلحق أحدا أو أن يخضع لرغبة حركة الشمس .. رواية يختزن فيها زمن شاسع بأيام معدودات ويختزن فيها حدث واحد بآلاف الزوايا . كيف يمكننا إيجاز "الطين" بأسطر؟ ماذا يمكن أن نقول أو أن نصف ؟ هل لنا وصف أنفسنا تناقضاتنا .. صراعاتنا .. أوجاعنا .. عشقنا كرهنا هل لنا ذلك ؟ لعبة مميتة أراد عبده خال أن يعلمنا إياها غير انه هو بدوره قرر قبل ختام " طينه" أن يسلم قيادة سرده إلى علماء نفس واجتماع وتاريخ وفيزياء وشعراء وسحرة ودجالين .. هل خاف من " ظله الضائع حقاً " فارتمى على أحضان خفة الواقع / العلم هرباً من سحر جنونه ؟ عبده خال الذي وصل إلى صفحاته الأخيرة غير مبلل بما اقترف خياله .. التفت خلفه ليجد عوالم مسحوقة وأبطالا يسقطون تدريجياً بلا رحمة .

وقف عبده على مشارف " طينه " يحاول أن ينفض يديه ولغته وذاكرته من كل شيء ، من كل هذه الكوابيس التي لا مستها الأحلام ومضت .

هي رواية ، هي " ظل " هي " طين " هي " بطل وأبطال " هي كل هذا وقليل من القلق وكثير من متعة القراءة .

24 يناير 2009

الملائكة والسياب والشعر الانكليزي


سعى الشعر الحديث، الذي يمكن تحديد بداياته في أربعينيات القرن العشرين، إلى خرق النظام الشعري المتوارث، ولعل عدم الدخول في من بدأ بهذا «الخرق» هو تأكيدٌ لبحث في أهمية الحدث لا أهمية «المحدث»، بمعنى، إذا تم إحالة التجديد الشعري إلى بدر شاكر السياب أو نازك الملائكة، فهما معًا كانا حصيلة تأثيرات ثقافية عامة دفعتهما إلى ولوج هذا الباب الشعري الجديد. ولعل كلام يوسف الخال في هذا الإطار يؤكد هذا الاتجاه، وذلك عندما يقرّ في كتابه بتأثير دراسة الشعر الإنكليزي في نشوء حركة الشعر الحر في العالم العربي، وذلك عندما يسأل:

هل اكتشفته نازك الملائكة أم اكتشفه بدر شاكر السياب؟

وإذ يستبعد الخال حلاً لمعرفة المكتشف الأول، يطرح المسألة من ناحية أخرى، فيقول:

أم لا هذا ولا ذاك؟ بل وقوع كلا الشاعرين الناشئين معًا، في طليعة من وقعوا من شعراء جيلهما الناشئ تحت تأثير دراسة الشعر الإنكليزي المعاصر في كلية الآداب ببغداد من جهة، وقراءة الترجمات التي أخذت تنتشر لشعراء شيوعيين كناظم حكمت ونيرودا ولوركا أو لشعراء معاصرين آخرين كـ . ت.س. إليوت، وعزرا باوند وأدث ستويل؟.

وتقول الناقدة خالدة سعيد في هذا الموضوع: «قيل كلام كثير حول التجديد في العروض، ونسبة هذا التجديد إلى نازك الملائكة أو بدر السياب. كما أن الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي تقصت في أطروحتها حول التيارات والحركات في الشعر العربي المعاصر (جامعة لندن)، بوادر هذا التجديد العروضي عند كثيرين قبل السياب والملائكة».

وتخلص سعيد للقول: «في رأيي أن أهمية هذا التجديد تكمن خاصة، وفي الدرجة الأولى، في كونه وجهًا من وجوه التململ العربي، فإذا «جدد شاعر ما عروضيًّا و«حافظ»، على صعيد النظر والحساسية، بات تجديده مزيفًا ولا معنى له.

ولعل كلام السياب نفسه يندرج ضمن هذا السياق، إذ أدرك أن إلحاحه على تقرير الأسبقية لابتكار هذا الشكل لا يحفل بمجد كثير إذ تقرير «الأوائل» من الأمور العسيرة، لذا يقول: «ومهما يكن فإن كوني أنا أو نازك أو [علي أحمد] باكثير [شاعر يمني] أول من كتب الشعر الحر أو آخر من كتبه ليس بالأمر المهم؛ وإنما الأمر المهم هو أن يكتب الشاعر فيجيد فيما كتبه، ولن يشفع له – إن لم يجود – أنه كان أول من كتب على هذا الوزن أو تلك القافية». وعن الشعر الحر يقول: «إن الشعر الحر أكثر من اختلاف عدد التفعيلات المتشابهة بين بيت وآخر، إنه بناء فني جديد، واتجاه واقعي جديد، جاء ليسحق الميوعة الرومانتيكية وأدب الأبراج العالية وجمود الكلاسيكية، كما جاء ليسحق الشعر الخطابي الذي اعتاد السياسيون والاجتماعيون الكتابة به».

لذا، فالأهمية تكمن في حيثيات هذه الخطوة، بعيدًا عن الدخول فيمن قام بها أولاً، ولعل ما يؤكد هذا أن الفرق الزمني بين خطوة الاثنين لا يتخطى الشهر كحد أقصى.

ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة أتت نتيجة تضافر عوامل مختلفة، لعل من أهمها تململ الشعراء سأمًا من الشكل القديم، ومواصلة الوقوف على ثقافة الغرب، والتعمق في آداب كتّابه وشعرائه ومثقفيه، التي بدأها في بدايات القرن الشاعر خليل مطران الذي عدّ من أوائل دعاة التجديد في الشعر العربي الحديث، وقد اطلع على الشعر الفرنسي، وعلى المدرسة الرومانسية الإنكليزية ، غير أن دعوته اتسمت بالحفاظ على الخصوصية والهوية العربيتين، وهذا ما يتضح من مقالته «التجديد في الشعر»، حيث يقول: «أنْ يكون شعرنا مرآة صادقة لعصرنا في مختلف أنواع رقيّه.. وأن يتغير شعرنا مثلما تغير كل شيء في الدنيا مع بقائه شرقيًّا ومع بقائه عربيًّا»اذن، لعل السبب في تبني الشعراء العرب للشكل الشعري الجديد، يعود لعوامل عدة، منها ترجمة الشعر الأجنبي إلى العربية، حيث لمسوا أن هذا الشعر، الذي لم يكن في معظمه موزونًا أو مقفى، بقي محافظًا على أصالته وشعريته ومعانيه وصوره. كذلك وجدوا في هذا الشكل الشعري وسيلة جديدة، بين النثر والشعر، ذات عنصر درامي، ولهذا انتقلت بعض خواص النثر إليه.

يمكن إلى ذلك، إضافة عامل سياسي اجتماعي، تمثل بأن اتجاهات الرومانسية والرمزية في الشعر قد واكبت عملية تأسيس كيانات سايكس بيكو، فكان الابتعاد عن العمودية الشعرية العربية يتعمق بمقدار ما أخذ يتعمق الشعور الوطني عند كل كيان من كيانات العرب.

( الجمعة 07/06/1428هـ ) 22/ يونيو/2007 العدد : 2196

"المخش"... النزيف السريع

يبدأ يحيى سبعي الإمساك بقصصه المنشورة في الكتاب الذي صدر تحت عنوان ( المخش ) من الصفحة 71 أي من " مواجز قصصية لأمهات قرويات " إذ بدءاً من هنا يلج سبعي نحو لغة سردية هادئة بعيدة عن التشنج والبتر وعد التناسق بين المشاهد .
لا شك يلحظ القارئ بسرعة الإرباك الذي يرافق النصف الأول من مجموعة السبعي ، هذا الإرباك ناتج عن محاولة قوله كل شيء في نص واحد ، فنجده يسيل ذاكرته دون تمكنه من السيطرة على هذا السيلان عبر جمل سردية تستطيع حمل عبء هذا النزيف السريع ، من هنا غابت استراتيجية سبعي القصصية ، فضلاً عن عدد الصفحات التي تفاوتت بشكل كبير بين الواحدة والأخرى .
أما في القسم الثاني من المجموعة فيلاحظ القارئ أن ثمة هدوءاً ومقدرة على السيطرة في السرد ، وتركيزاً في المشهد ـ الحدث ، ووضوح للأشخاص اضافة إلى خيط تصاعدي للحدث يمكن لمسه والتفاعل معه ، لكن ما يجمع النصوصو العشرة في ( المخش ) هو توغل السبعي في لعبة الزمان ـ المكان من جهة ومن جهة أخرى الوقوف أمام ذاكرته محاولاً نشر ما فيها على الورق ، وكأنه يقف على حافة العمر ، فيلتقط كافة التفاصيل الصغيرة والكبيرة الراحلة والقادمة الصاعدة والهابطة .. من خلال حبكة درامية تقطعها مفاصل قاسية وأحيانا تائهة وهو القائل ( التفاصيل البسيطة هي الأروع ) .فضلا عن ذلك تتمتع بعض النصوص بلغة تلامس فضاء الشعر ، من خلال توسله للرمج والإيجاز وإقامة حالة من اللامعقول في موقف ما أو جملة ما فينكسر الكلام على مشهدية مفتوحة عبر فضاءات من الصور ، ولعل انطلاقا من هذا يمكن لسبعي أن ينشيء حالة خاصة به في الفن القصصي .
الكتاب وقع في 137 صفحة . من القطع الوسط لوحة الغلاف للأديب عادل الحوشان .

المثقف والسلطة: السقوط معا


لا شك ان الموقفين اللذين اتخذهما الكاتب المغربي أحمد بوزفور - تجاه عدم قبوله بتسلم ارفع جائزة ثقافية تمنح في المغرب للكتاب " المغرب للإبداع الأدبي" التي تشرف عليها وزارة الثقافة - والروائي المصري صنع الله إبراهيم من قبل، يشكلان خطوة جريئة يتخذها المثقف العربي بوجه السلطة ( ويجب ان نفرق هنا بين مفهومي السلطة والدولة).
غير ان - البعض- لا يجد حماسا لافتا لتأييد مثل هذه المواقف.
والسبب في رأيهم، هو ان السلطة عند منحها جائزة ما لمثقف هو اعتراف ضمني من قبلها بقيمة هذا المثقف إبداعيا وفكريا وعطاء، أي بمعنى آخر هي لا تمنح جائزة لمادحها ومبجلها إنما للمختلف معها.
وهي خطوة تحسب لها لا عليها.
لست بوارد الدفاع عن هذا الرأي أو الوقوف ضده، أو الدفاع عن السلطات العربية، وفيها ما فيها من سيئات وانهزامية وتسلط وبطش وقمع للحريات ، إنما السؤال الجوهري الذي يجب ان يطرح بعد عقود من نشوء السلطات العربية:
من المسؤول عن هذا التردي والتخلف والانكسار؟ لنكن صريحين ونجاوب:

السلطة أم المجتمع الذي أنجب هكذا سلطات؟
اعتقد ان نقد الذات يبدأ من هنا- قبل ان نطلق الشعارات يمينا وشمالا ورمي تخلفنا على الآخر أيا يكن هذا الآخر: السلطة/ الغرب/ إسرائيل/ الدين / المناهج/ ......
ان المثقف العربي الذي شهد الواقع سقوط أفكاره وخطاباته بالتتابع وبشكل مدوٍّ أحيانًا، لم يعد هو المخول بالتغيير أو التطوير، وبالتالي نسج حضارة هذه الأمة. فدوره سقط بعد ان أضحت "الحضارة" العربية – إذا صح التعبير – مشهدية فسيفسائية، اللاعب فيها هو الآخر و"الماضي"؛ الآخر من خلال ثورته العلمية وتجلياته التقنية والعلمية والطبية والفكرية ، والماضي من خلال "الدين" والتقاليد والعادات واللغة.
ماذا قدم المثقف العربي في ظل هذه المشهدية؟ وبالتالي ماذا قدمت السلطة العربية لمجتمعاتها ولوضع إصبعها في بناء حضارة نقية ندية لا حضارة هجينة"؟
سؤالان مشروعان ، غير ان الإجابة تتعدد لتشمل مساحات أخرى من الأسئلة، أي بمعنى ان أي جواب يمكن الركون إليه هو بحد ذاته مولد لسؤال آخر لعله أكثر تشابكا من الأول.
المثقف والسلطة سقطا معا في البحث عن إثبات وجود والسعي للتأثير والهيمنة على الوعي الجماهيري. فلا السلطة تمكنت من رعاية مجتمعها بما يليق ويحافظ على إنسانيته ويسعى لتحقيق طموحاته وأحلامه ويشعر بالأمان والاستقرار، ولا المثقف العربي تمكن هو الآخر أن ينفخ في روح هذا المجتمع الوعي والتطور والتميز والاختلاف.
أين تكمن المشكلة؟
المشكلة كما يراه البعض هو في هذا التناقض القاتل الذي يتقاطع في الذات العربية، حيث من "الخارج" يتنعم بنعيم حضارة الآخر ومن "الداخل" يتوسد ثقافة الماضي في سلوكياته وعلاقاته وردات فعله.
هذا التجاور بين الأضداد في الذات العربية شلت حسب رأي البعض، قدرته على الحركة والتفاعل والخلق والتطور.
وأي تلامس بين الطرفين "الخارج" "الداخل" فان الكفة ترجح الى "الداخل" فورا، ودون أي إحساس ولو بالحد الأدنى بالتناقض.
أمام هذا على من يصح إطلاق "دونكشوت": المثقف أو السلطة؟
لنقل ان الاثنين معا، يحاربان طواحين الهواء والهواء نفسه.
ونتألم لقراراتهم .. "الكبيرة". فمصيبتنا ان قراراتنا في الأغلب تؤخذ بانفعال شديد .. ومزاجية عالية.
لماذا المثقف يبحث دائما عن سلطة ما لينتقدها؟
لماذا .. دائما يضرب أرجله بالأرض .. وكأن ما يشعر به ويفكر به ويكتبه هو الصح وما عدا ذلك خطأ ورجعي ومتخلف ومتآمر وانهزامي ودكتاتوري؟
لماذا – بالتالي- تسعى السلطة العربية الى قمع شعوبها واضطهاده وقهره وتأجيل حصوله على حقوقه فيما تطالبه دائما بواجباته؟
أسأل هذا ولا اقصد أحدا أو سلطة ما.. إنما هي أسئلة يمكن طرحها دائما وباستمرار.
ويبقى سؤال الـ "لماذا" يطرح؟
اذكر حكاية نسيت تفاصيلها إنما فحواها يقول: إن احدهم كان يحب صاحبه كثيرا ومرة رأى على وجهه ذبابة.. وبدل أن يلوح لها لكي تبتعد آثر أن يطلق عليها النار .. الذبابة طبعا لم تمت إنما الذي مات هو صاحبه.
لست بهذه الحكاية أريد ان أقيم إسقاطات او تأويلات... إنما لنتأمل بسلوكياتنا.
ونعيد التفكر بطريقة علاقتنا بالأشياء والأشخاص، نعيد التفكر بكيفية نهوض سلطة عادلة راعية لمجتمعها وحامية له، ومثقف يمكنه قراءة مستويات الوعي في المجتمع ويكون محركا فاعلا في بلورة وعيه وثقافته وحضارته.

البريد: kamelsaleh@hotmail.com

البدوي الصغير وثقافة المدن


لازال في ابعاد الروح العربية (بدوي صغير) ينبلج فجأة امام أي مشكلة تواجه الموروث والعقلية في تراكمها المعرفي والسلوكي.

غير ان هذا (البدوي) آخذ بالتمدن والغوص عميقاً في تجليات العصر وتمظهره المتعدد في وقت تشهد فيه الدول العربية خاصة منعطفات جذرية.

ومما لا شك فيه ان المدن وثقافتها هي المحرك واللاعب الاساسي في هذه المشهدية بعد ان تعرى الريف بارادتنا او دونها من نمطيته كمصدر على الدوام لخيرة ابنائه الى المدن.

هذا الكلام يأتي على خلفية مؤتمر شهدته الاسكندرية تحت عنوان: (المدينة في الأزمات).

واذ يهدف المؤتمر كما اوضح المسؤولون عنه الى جمع التراث اللفظي والشفوي للسكان الذين يعيشون في المدن المتوسطة سواء كانت ثقافية أو أسرية فانه بشكل غير مباشر يقدم طعنة ناعمة للريف, وهو الذي كان مؤتمناً على الدوام على هذا التراث.

من يقتل الريف..

ومن يحمي المدن?

سؤال بحاجة الى نظر.


التاريخ : 11/10/1426 هــ الموافق : 13/11/2005 م العـدد : 1610

قصائد فايزة سعيد.. «تمرد» يبحث عن لغته


تتخذ الشاعرة السعودية فايزة سعيد من الجسد الانساني حقلا لتغذية عالمها الشعري، ولا تجد حرجا في الغوص عميقا بالمحسوسات لتختار منها حيزا يعبر عن شخصيتها وارائها وقراءتها للمسارات الماضية والحاضرة والمستقبلية.

فايزة أصدرت للآن «4» دواوين شعرية منها: نشيد الرغبة وغدائر في مهب الريح في دمشق ونصف تفاحة وحليب جسدي عن دار الحداثة في بيروت. وقد خرجت هذه الاعمال الى النور خلال عامي 2005 و 2006م.

تقول فايزة في ديوانها «نصف تفاحة»:

في اناء ماء ساخن

على فوهة بركان

في ارض خضراء عاشقة

تفتح صدرها

في اتجاه الشمس

الاكثر قربا من السماء

لعل هذا المشهد يختصر بايجاز حركة التمرد التي تعلنها الشاعرة حيث تجتمع الافعال في دلالات واضحة نحو الحفر عميقا بحثا عن الضوء والحرية والانطلاق مستخدمة لذلك مفردات: الماء الساخن والبركان والارض والعشق والشمس والسماء، مشهدية تعكس حالة من الفسيفساء المتسقة مع أهدافها وطريقها.

وفي مقطع اخر تستعيد فايزة الروح النزارية نسبة للشاعر نزار قباني بقولها:

«الشرق اعتاد على قتل الفراشات وذبح العصافير في الفجر».

وتنطلق في مكان آخر للبحث عن المعنى في زمن انهيارات الأبعاد الانسانية فتقف قائلة:

«نهار المدينة مرسم

ولليل المدينة جرار كثيرة

تنكسر على صخرة المعنى»

هذه الثنائية الضوئية : النور والعتمة، تتقاطع مع صناعات الانسان البدائية وهي «الجرار» غير ان هذا الاحتواء المتماهي مع احتواء المرأة للحياة يتكسر في مساحات ليل المدينة الآخذة في التأويلات الكثيرة.

وبالانتقال الى ديوانها الصادر حديثا عن دار الحداثة لا تبتعد فايزة عن أجواء دواوينها السابقة فهي تواصل الحفر في اللغة بحثا عن عبارات تميزها وتشكل بالنسبة اليها ملاذا لثورة تواصل حضورها دون تعب أو كلل.

تقول في قصيدة «ظل الغريب»:

«تحت المطر عاشقان صغيران

وحيدان

يواجهان سادية الثلج

كلما أمطر

نام على بابهم ظل الغريب»

تجربة فايزة سعيد ثرية ضمن الحقل الذي اختارته، وينتظر القارئ منها الغوص في الحقول كافة التي بامكانها اعطاء الوان اخرى لكلماتها ومفردتها و «تمردها».

( الخميس 29/12/1427هـ ) 18/ يناير /2007 العدد : 2041 عكاظ

مدينة التفاح


لعله ليس جديدا القول بأهمية بيروت تاريخيا، لا سيما عبر مدّها الحياة الثقافية والفكرية والفنية والاقتصادية في العالم العربي بنماذج مضيئة كان لها الأثر البارز في مجالات مختلفة ومتعددة.
لكن اللافت ان هذه المدينة في الثلاثين سنة الماضية رغم تعرضها لأبشع الحروب، وقد مر عليها حرب الاخوة والاصدقاء والاعداء.. كانت تمارس دورها الحضاري دون تعب أو يأس، فنشطت الحياة المسرحية والسينمائية وان بشكل خجول، واصدارات الكتب والمجلات والأمسيات الفكرية والشعرية والقصصية ومعارض الرسم والكتب والمهرجانات الفنية.
وخلال الأيام التي تلت العدوان الاسرائيلي على لبنان، تعرضت بيروت لعملية قتل ممنهج من خلال فئة من اللبنانيين، حيث احتلوا قلبها بهدف منعها عن النبض والحياة، فنجحوا في ذلك خلال الاسابيع الأولى من فعلتهم هذه، غير ان المدينة التي تحاكي الأسطورة الفينيقية القديمة تعود من رمادها، وكأن موتها الوجه الآخر للحياة والاستمرار.
صحيح هناك مؤسسات اقفلت وحركة اقتصادية متعثرة لكن بذور الأمل تمزق هذا السواد بشكل تدريجي، فها هي فيروز غنت بعيدا عن المعتصمين بنحو عشرات الامتار، وفي المكان نفسه أقيم معرض بيروت الدولي للكاتب الذي تأجل عن موعده الأساسي خمسة أشهر، وها هي كتب الشعراء وعشرات المسرحيات المنتشرة في المناطق في حركة لا تهدأ فضلا عن صالات السينما التي تترصد دائما عرض الجديد والمثير.
هي بيروت التي وصفها محمود درويش بالتفاحة، وست الدنيا مع نزار قباني، وصوت فيروز على الحان عاصي الرحباني، وهي جارة بعلبك وصديقة البحر،
مدينة لا تشبه سوى نفسها..
ولا تؤذي الا نفسـهـا ايـضـا.
مدينة لا زالت تتمسك بالحلم رغم الكوابيس الجاثمة على صدرها.
تتمسك بالفرح رغم العويل الذي يمزق حنجرتها، تتمسك بالأمل رغم القنوط المتفشي في مزاجها.
بيروت.. هل هي مدينة حقا؟

عكاظ ( الأحد 04/04/1428هـ ) 22/ أبريل/2007 العدد : 2135

23 يناير 2009

خذي عمري ودلليني



كم من روح تحوم حولي

وكم أنتظركِ

خذي عمري ودلليني

أريد ماء يطلع من دخولي

نورا يسربل الأحجار في صدري

يا ضحكتي.. يرطبها صباحكِ

بيادر لا هزيمة تعبرها

تلال يسكنها هدهد وغزال

أريد شجرا أكبر مني

سجادة تعطرها صلاتي

نبيا يحبكِ ويبارك أحفادي

يا

ولهي

أخبريني عن ملامح وسادتكِ

هل ثمة حمامة على نافذتكِ؟

أنا من عنب وتفاح

ويداي ريش نعام

وقبلتي عسل

يمكنكِ أن تقطفيني

.. تخبئيني في جراركِ

...

الحروب كثيرة وكلها تقتلني

فنامي بروحي وغنّي

يا سلامي ارفعي الستائر

واحجبي كرومي

البراري تقتاتها المدن

ونعاجي بلا عشب وبئر

يا كوخي ..

موقدتي

يا شرشفي

زمليني ..

الله في عيني يبكي بلادي

زمليني..

يا بياضي في هذا الرماد

أريدك ِ.. أريدني.


2005- 6 - 9

22 يناير 2009

"براري الحمى" لإبراهيم نصر الله: المكان المريض


د. كامل فرحان صالح *

"يبدو أنك مبسوط هذه الليلة.. كأنك لم تمت"

هل يمكن اعتبار "براري الحمى" لإبراهيم نصر الله رواية؟
هل تصلح "براري الحمى" لمقاربة الواقع المتكئة عليه؟
هل ثمة امكانية للقول إن "براري الحمى" تستشف من الشعر أكثر من السرد؟
رواية أو هلوسة لغوية تتراكم فيها الكلمات والمشاهد وشخصيات تعبر دون أن يفهم وظيفتها؟ تطل شخصية وأخرى كظلال مبتورة ترمي كلمات قليلة ثم تغيب لتبقى في الواجهة شخصية الراوي الوحيدة، فتتحاور مع نفسها، تختلف، ثم تبحث عن "جثتها" الحاضرة الغائبة.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها بعد طوي الورقة الأخيرة من الرواية، حيث يجد القارئ أنه خرج من بؤر التأويلات والاشارات والتكرار والأماكن الطوطمية والرؤى المشبعة بشعرية مكثفة دون أن يتمتع بالخروج من دوائر سعى الراوي لرسمها ثم تركها دون أن يقفلها.
ما هو ثابت أن الرواية صدرت سنة 1985 عن دار الشروق، وأعيد نشرها في ثلاث طبعات عربية فيما صدرت حديثا بترجمة دانماركية عن دار أندرسكوفن ترجمتها ماريان مادلونغ، وكانت صدرت بترجمة انكليزية عن دار انترلينك في نيويورك وترجمة ايطاليه أصدرتها دار ايليسو.
تدور أحداث "براري الحمى" في

بدرية البشر..الوعي في مواجهة بقعة الزيت


د. كامل فرحان صالح


يبرز في كتابات الروائية والقاصة والكاتبة الدكتورة بدرية البشر خيطٌ رهيفٌ تنتظم فيه هواجس امرأة مسكونة بالوعي والأسئلة والقلق، تطلّ على مجتمعها بعينٍ دامعة أحيانا، وأحيانا ساخرة أو ناقدة أو متأملة.

تمورُ في ابداعات بدرية تموجات مجتمع لا يتواصل أبيضُه مع أسوده إلا في أمكنة خارج الحياة، عالمان تسعى هي من خلال كتاباتها، أن تمدّ بينهما جسورًا من التواصل والعلاقات الإنسانية الصحية والسلمية والعادية، غير أن الوقوعَ من الحلم يماثلُ الاستيقاظَ من كابوسٍ مرعب. وها هي تحفرُ في خطوطِ الطول والعرض منذ عملِها الأول "نهاية اللعبة" الصادر عام 1992، امتدادا لـ"مساء الأربعاء" عام 96 م، و"حبة الهال" عام 99، وهند والعسكر عام 2005. وصولا الى أبحاثها في: "معارك طاش، قراءة في ذهنية التحريم"، و"دولة الحريم" و"العولمة في مجتمعات الخليج العربي دراسة مقارنة بين دبي الرياض". فضلا عن مقالاتها الصحفية وأوراقِها البحثية التي قدمتها في عددٍ من المهرجانات والمؤتمرات والندوات المحلية والعربية والعالمية.

ومثلما بدرية البشر هي مبدعة فهي كاتبة تحسّ بروح المسؤولية لذلك تقول في حوار صحفي: "إنني أقصّ حكاياتٍ لا جديد فيها غير أنها لا تزال تحدث حتى يومنا هذا!".

هي هنا لا تعترف إلا لتبرزَ سوداوية القصص التي تكتبها، فالروتين التي تشير إليه بابٌ محوريٌّ لرؤيةِ بقعةِ الزيت التي تتسع في واقعٍ مأزوم يجيد الهروب من المواجهة.ورغم اختصاصِها بهموم النساء "المختبئات في كهوفهن" كما تقول، لا توجّه بدرية أصابعَ الاتهام إلى الرجل، وفي هذا السياق تقول: "حين كتبتُ قصصي الهائمة على وجهها في البحث والأسئلة لم أكن قد عرفت الإجابة بعد. كنت أظن أن الرجالَ أحرارٌ أكثر منا نحن النساء، لكنني اكتشفت اليوم أن الرجالَ مساكين مثلنا، هائمون على وجههم في فراغ آخر. فهم يجربون أكثر من النساء في البحث، لكن تجاربهم لا تملأ أرواحهم ولا أحلامهم بالرضا، انها فقط رغبات جسدية يعودون بعدها مثلنا، ظامئون يحنون لعلاقة إنسانية حقيقية في مجتمع طبيعي".

هذا الرأي الذي يعطي معنى حقيقيًا للأفقِ الذي تمارسُ فيه كتاباتِها، لا يأتي من فراغٍ ورؤية شخصية، بل من قراءةٍ عميقةٍ لواقعِها كما تراه، وكما تعايشه أيضا.

وترى في ظلِّ غياب تطور الحوار بين المرأة والرجل باتجاه بعضهم البعض، لن ينجحَ أيّ منهم في الخلاصِ من رحلةِ التيه هذه، مشيرة إلى وجودِ أوهامٍ يصنعُها كلّ منهم بعيدا عن الآخر بفعل بعض الترسبات الثقافية التي تجاوزها الزمن، وهي ما تزيد غربتهم عن بعض.

بدرية كتبت قصصا عن نساءٍ ضاعت أرواحهن في البحث عن الوجود والاعتراف بهن والحبّ، وفي معظمِ ما قدمته تركت النهايات معلقة، كأنها تنتظر تشكلات المشهد في أيام مستقبلية، علها تحمل ما يشفي الروح ويهدئ من دورانها وراء الإجابات المستحيلة في غالب الأوقات.

بدرية البشر لم تخرجْ من السردِ إلى الهمّ الأكاديمي إلا لتكتسبَ مهارةً فائضةً في نسجِ لغتها الخاصة، وخطابِها الإنساني العالي، ففي كتابِها "وقع العولمة في مجتمعات الخليج العربي: دبي والرياض أُنموذجان" وهي أطروحتها للدكتوراه، تسعى لرصد الموضوع من خلال 3 وسائل: الفضائيات والإنترنت والهاتف المحمول، تلك التي تعدّ من أبرز الابتكارات التي تنساب عبرها مفاهيمُ العولمة وثقافتها، وتسهم، كثيراً، بعمليات الاحتكاك الثقافي. وتلحظ في بحثها أن موقفَ الثقافة المحلية في مجتمعات الخليج اتصف بالاضطراب والقلق تجاه هذه الوسائط التكنولوجية الهائلة بإمكاناتها، إضافة إلى الالتباسِ الذي جلبته هذه الظاهرة الجديدة، وما تجلّى في تباين ردود الفعل تجاهها حتى في المنطقة الواحدة. وقد تقصّت ودرست الظاهرة، عبر البحث النظري والبحث التطبيقي، ومما لا شك فيه، ان دراستها هذه، تعدّ من البواكير الأولى التي تناولت وقع العولمة وتداعياتها في الخليج.أما في كتابها: طاش ما طاش، فتقدم قراءة في ذهنية التحريم، متناولة أبرز الحركات الإسلامية في المملكة. وترصد المسلسل في الصحافة عبر مفهوم النقد، وشعبيته، والمعارضين له، لا سيما من خلال معارك "المتدينين" عبر دعواتهم لتحريمه. وقد قدمت بدرية الكتاب بقولها: "عندما خطرت لي فكرة هذا الكتاب (أن أرصد ردود الفعل حول مسلسل: طاش ما طاش) كنت أتحركُ من منطلق أنني في المقام الأول باحثةٌ اجتماعية، وفي المقام الثاني كاتبةُ رأي في الصحافة السعودية، ولطالما كنت مشغولةً بهمومِ مجتمعي، ومهتمة برصد ظواهر الواقع الاجتماعي ومحاولة فهمها وتشريحها وعرضها للرأي العام. كنت أشعرُ على الدوام بمسؤوليتي الجادة، كمواطنة أولا وباحثة اجتماعية وكاتبة رأي ثانياً، أن أقدم وجهةَ نظري فيما يحدث، ومحاولة إثبات أن الواقعَ طالما احتمل وجهات نظر متعددة فإنه واقع صحي يقدم عدة خيارات لكل قارئ ومتأمل". لتخلص إلى القول: "إن من يدعي أن الحقيقة لها لونٌ واحدٌ ووجهةٌ واحدةٌ لا شك أنه صاحبُ فكرٍ مأزوم".

بدرية البشر هذه السيدة المثقفة في طرحِ أوجاعها وقلقها و"عولمتها" و"قهوتها"، فرغم أنها نقلت أحيانا الصورةَ المشروخة كما هي، إلا أنها تمكنت وستتمكن من مواصلة إضاءة دروب مجتمعاتنا بنور الوعي والإدراك والمحبة في مواجهة شرسة لعقول لا تزرع سوى العتمة والسواد والكره والارتياب من الآخر.

جريدة عكاظ ( الجمعة 30/11/1429هـ ) 28/ نوفمبر /2008 العدد : 2721

*ورقة مقدمة الى جماعة السرد في نادي جدة الأدبي، 25/11/2008م

عشية ميلس.. يا بلادي


GMT 16:15:00 2005 الخميس 20 أكتوبر

عشية صدور تقرير السيد ميليس أذكر أنه قبل أيام قليلة من 14 شباط/ فبراير الماضي، أي قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كنا زوجتي وأنا نتحاور حول آلية العودة إلى لبنان بشكل نهائي، وبدأنا نعدد الصعوبات التي من الممكن أن تواجهنا، وكيفية ترتيب العودة بحيث لا يتأثر طارق ونور أولادنا بها، وبحيث يمكننا أن نجد عملا يمكننا أن نعيش من خلاله بالحد الأدنى من الآمان. كنا نتحاور نيأس نتأمل.. نتابع الاتصال بالأهل والأصدقاء لمعرفة الأجواء، وتمهيدا للعودة النهائية بمجرد أن ينتهي الأطفال من المدرسة هنا في جدة.ماذا حدث يوم الاثنين 14 شباط / فبراير: فيما كنت منهمكا بانهاء متابعة الصفحات الخاصة بالانتخابات البلدية في المملكة، وبالهدية التي سأقدمها الى زوجتي بـ "يوم الحب"، سمعت من الزملاء في الجريدة أن انفجارا وقع في بيروت. لم أهتم كثيرا بالخبر حيث اعتدنا كلبنانيين على هكذا أخبار، وعاودت العمل كي أنتهي بالوقت المحدد لإرسال الصفحات إلى الطبع. تسارعت الأخبار العاجلة.. سمعت أن الانفجار استهدف موكب الرئيس الحريري. تابعت عملي بقلق وتوتر، فالوقت في الصحافة كالسيف ان لم تقطعه قطعك.. سمعت أن الحريري ربما مات... ذهبت إلى قسم التنفيذ لرسم الصفحات، والاستعداد لتبييت صفحات الأربعاء.عدت إلى مكتبي، خبر استشهاد الحريري بات مؤكدا. جلست على مكتبي أواصل عملي.. ثم وفي الساعة السادسة والنصف مساء اتصلت بزوجتي وأنا في طريقي إلى البيت لأعتذر لها عن عدم تمكني من شراء الهدية...وبدأت أبكي. هرعت الى التلفزيون لأعرف ما حدث... لأعود لبنانيا. هرعت إلى دمعي، وانخرطنا أنا وزوجتي في بكاء يومي استمر لأيام، فكلما انسابت دمعة من أحد ما على الشاشة كان ينساب دمعنا بالمقابل. لا أعرف... لماذا يحصل معنا هكذا؟ لماذا موتنا ممكن دائما؟ الآن... أصبح حلم العودة شبه مستحيل بل مشروعا انتحاريا. الآن... بلدي مفتوح على المجهول. الآن... كل واحد فينا يعد ضحاياها. الآن... باتت الغربة قفصا مطلقا وبات القفص يقتلني في كل لحظة. الآن... روحي مفتوحة على المجهول كبلادي...وأسأل لماذا كلما شرعت بالكتابة عن بلدي أشعر بعجز تام عن التعامل مع اللغة؟ لماذا كلما حاولت أن أكتب "لبنان" أحس بأني طفل لم يتعلم بعد الكلام؟ فعندما أمشي أراه يخرج من جسدي.. يفوح من روحي. وكلما أراه "تعبان" أفقد توازني وأذهب في البكاء كرجل شجاع... وأخاف عليه كأني أبوه وأمه.هو أنا... فنزيفه يلمع على مساماتي.هو أنا... فوجعه يلم روحي.هو أنا.. وأنا الآن واقف على حد الهواء.لا نسمة تعبر.. لا ريح تدك هذه الغابةلا أحد هنا سوى نحيب يبدأ باستمرار.........هل بات يفيد الإيمان؟هل الصلاة تعني شيئا لإنسان نسي الدعاء؟أفتقدني.. أفتقد بلادي وأشتاق إليها أكثر.وأقول... : يا رب.. بلادي.

د. كامل فرحان صالح
ايلاف في 20/ 10/ 2005

سوريا ولبنان يتحدان في وداع الرحباني



كامل صالح-جدة

توحدت مشاعر اللبنانين والسوريين حزنا على رحيل الفنان والموسيقار والشاعر منصور الرحباني، وبدا هذا بارزا من خلال قيادتي البلدين، فالرئيس السوري بشار الأسد أشاد من خلال برقية تعزية للرئيس اللبناني ميشال سليمان، «بما تركه منصور وشقيقه الراحل عاصي من إرث غنائي ومسرحي سيظل ماثلا في أذهان جميع محبيهما لأجيال عديدة». وكتب رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة كلمة رثاء في الراحل مما جاء فيها:«دأبت هذه الأسرة الكبيرة والعزيزة منذ أكثر من ستين عاما على بناء عمارة شامخة من الفن الراقي شعرا ونثرا ومسرحا». وقال القيادي في 14 آذار ورئيس أكبر كتلة نيابية سعد الحريري ان «لبنان والعالم العربي فقدا قامة عالية، قدمت أروع الأعمال الفنية والمسرحية التي شكلت صوتا مميزا للإبداع اللبناني والعربي الراقي، وجسدت بوضوح تأثير الحرية في وجه الطغيان، ومنارة للدفاع عن القضايا اللبنانية والعربية وفي مقدمها قضية فلسطين». ويودع لبنان بعد ظهر اليوم في مأتم رسمي وشعبي منصور الرحباني، الذي توفي الثلاثاء عن 84 عاما بعد صراع مع المرض. وتواصل عائلة الفقيد تقبل التعازي في انطلياس (شمال بيروت) مسقط رأس منصور وشقيقه عاصي الذي توفي العام 1986. .وفي كتابه «الأخوين رحباني طريق النحل» ينقل الشاعر اللبناني هنري زغيب عن منصور قوله «تشردنا في منازل البؤس كثيرا. سكنا بيوتا ليست ببيوت هذه هي طفولتنا». ولا زالت وسائل الإعلام اللبنانية والسورية تخصص مساحات واسعة للحديث عن مسيرة الأخوين الرحباني عاصي ومنصور والسيدة فيروز، وإسهاماتهم الإبداعية والرائدة في تطوير الأغنية العربية لا سيما من ناحية الكلمة واللحن الموسيقي.

جريدة عكاظ ( الجمعة 19/01/1430هـ ) 16/ يناير /2009 العدد : 2770

معرض القاهرة يجدد مأزق الكتاب في زمن المدونات

قراءة : كامل صالح

تتجدد إشكالية استمرار الكتاب الورقي في زمن الإنترنت والمدونات، مع كل معرض جديد للكتاب. وقد عادت الإشكالية لتطرح نفسها مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب اليوم، وبعد أسابيع قليلة في الرياض وأبو ظبي. ولا يخفى أن هذا الموضوع طرح للنقاش بشكل حاد ومثير للاهتمام في معرض فرانكفورت العالمي للكتاب في دورته الأخيرة، حيث انبرى كتاب وروائيون ومفكرون من دول أجنبية عدة للدفاع عن «حميمية الكتاب الورقي»، مقابل آخرين لم يخفوا خوضهم الجدي فيما يسمى «الكتاب الألكتروني»، وعلى رأسهم الروائي العالمي باولو كايلو صاحب الرواية الشهيرة «الخيميائي». وعربيا، دارت منذ بدء ثورة الإنترنت، نقاشات كثيرة حول هذه القضية، كما خصص لبحث ذلك عدد من الكتب والتحقيقات والمقالات يصعب حصرها. ولعل حدة المأزق تبرز أكثر ما تبرز في السلوكيات والعادات والتقاليد، إذ تلحظ الأزمة بشكل صارخ عند الجيل الذي عاصر الزمنين معا، أي زمن الكتاب الورقي والإنترنت، فيما تخف حدة هذا المأزق عند جيل الشباب، الذي يعد الشريحة الأكبر في استخدام الإنترنت. ولا يمكن ان ينسى في هذا السياق، معنى ومفهوم الكتاب في الذاكرة الجمعية العربية، فهو دينيا مرتبط بالقرآن الكريم (الكتاب)، وسلوكيا هو خير جليس، وللتواصل يطلق مسمى الكتاب على الرسائل (أرفع كتابي هذا ...)، وغيرها. وأمام هذا الحضور التاريخي للكتاب الورقي لا يقع المرء في أزمة «حنين» وحسب، بل يشعر نفسه أمام مأزق أخلاقي، بحيث يعتبر توجه القارئ نحو الكتابة على الإنترنت والمدونات، نوعا من التخلي عن جزء أساسي من «صديقه»و«أنيسه» و«حاضن همومه وهواجسه»و«مربيه»و«حافظ تاريخه وأدبه وحضارته». لكن الحياة تطور، والإنسان في طبيعته، تمكن ويتمكن باستمرار من التأقلم مع المتغيرات التي يحدثها هو نفسه او التي تفرض عليه، والشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ الإنساني، فبعد نحو عشرين سنة على الخروج الفعلي لثورة الإنترنت، ظل الكتاب حاضرا في الساحة، وهناك مئات بل آلاف الكتب التي تصدر سنويا، ولا زال الكثير من الناس يواظبون على قراءة الكتاب في السرير قبل النوم، ويهتمون بأن تتصدر بيوتهم مكتبة تضم ألوانا مختلفة ومتنوعة من الموضوعات. وفي الوقت نفسه، هناك آخرون كثر أيضا، يواظبون بشكل جدي وفعلي لمتابعة ما ينشر على الإنترنت، وإنشاء مواقع جديدة، وكتابة مدونات تعكس آراءهم وأفكارهم وهواجسهم، كذلك الانتشار الواسع للجرائد الألكترونية، والمواقع الثقافية والعلمية والدينية، ومنتديات التواصل. ولعل اللافت في الأمر هنا، ان ثمة جهات ومؤسسات عربية تطلق على الإنترنت بين الفترة والأخرى، مواقع تحتضن كما هائلا من الكتب والموسوعات الورقية، بحيث يمكن قراءتها او طباعتها من الإنترنت مباشرة. ومما لا شك فيه ، ان هذه التوجه تمكن الى حد ما، من عقد «صلح» «ومد جسر» للتواصل بين عالمي الورق والإنترنت.يبقى القول ان جمال الحياة في احتضانها للمتناقضات والاختلافات والمسارات المتعددة، ولم تنبذ المسيرة البشرية الا الذي لم يعد صالحا لها، وبالتالي فان الإنسان هو الحكم النهائي في هذه الإشكالية، فهل سيتمكن من الحفاظ على استمرارية الكتاب الورقي والألكتروني جنبا الى جنب أم سيسقط أحدا منها؟ سؤال يبقى في رسم أجيال المستقبل.
جريدة عكاظ ( الأربعاء 24/01/1430هـ ) 21/ يناير /2009 العدد : 2775

21 يناير 2009

كتاب الشعر والدين للدكتور كامل صالح.. ملامح البحث العلمي بطابع أدبي




من الكتب التي صدرت مؤخرا كتاب: «الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي» وبرغم أن هذا المنجز، قد أخذ ملامح البحث الأكاديمي حيث أن مؤلفه الدكتور كامل فرحان صالح، قد أنجزه لنيل شهادة الدكتوراه، إلا أن طابعة الأدبي كان واضحا، مما جعل لهذا المنجز شعبية الاحتفاء في الوسط الثقافي.. والدكتور كامل، اسم معروف ومتواجد على الساحة الأدبية العربية كشاعر، له قوة العبارة، ورقتها وعذوبة المعنى... في هذا المنجز العلمي الأدبي إذا صح التعبير، والصادر عن دار الحداثة للطباعة والنشر في بيروت. جاء في 416 صفحة من القطع الكبير، وضم ثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى فصول عدة: الباب الأول: ويضم فصلين. حيث قرأ الكاتب في هذا الباب فاعلية النص الديني في الشعر العربي في أبرز محطاتها. واستهل بمدخل بحث في العلاقة بين الدين والشعر. الفصل الأول: تناول الدين والشعر في المجتمع العربي القديم. أما الفصل الثاني فخصص للرموز الدينية في الشعر العربي ما قبل الحديث، من خلال حضور الرموز اليهودية، والنصرانية/ المسيحية، والإسلام. أما الباب الثاني فبحث في إرهاصات الهوية العربية في بدايات القرن العشرين، كذلك تناول المؤثرات الغربية في الشعر العربي، واشتمل على فصلين: الفصل الأول، بحث في صراعات الذات الثقافية العربية، وخصص جانبًا لقراءة النظرة السلفية للتجديد في الشعر العربي. الفصل الثاني بحث في المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي الحديث، ولا سيما من خلال تأثير «الأرض الخراب» The Waste Land لـ ت. س. إليوت. وركّز في هذا الإطار على تأثير إليوت في شعر بدر شاكر السياب ويوسف الخال وخليل حاوي.
وقد حاول الكتاب تقديم قراءة في دور مجلة شعر، لا سيما صراع الهوية وتفعيل حضور «الآخر» فيها. أما الباب الثالث والأخير فخصص لبحث فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي الحديث، وضمّ فصلين: الفصل الأول بحث في الأسطورة، والصوفية، والغرب. كذلك قرأ سعيَ الشعراء العرب المعاصرين لإيجاد صيغة جديدة للشعر، وعلاقة هؤلاء الشعراء بالتراث والمجتمع، والنظرة للغة العربية، ومحاولاتهم لاختراق النظام الشعري المتوارث. وتناول الفصل الثاني حضور التأثير الديني المقدس في الشعر العربي الحديث، ولا سيما من خلال فاعلية الحضور والتحول. واشتمل كذلك على تأثير الأسطورة في الشعر، والعلاقة الإشكالية بين المسيح وتموز وحضور هذا التشابك في الشعر.
موجز نشر بتاريخ 08-08-2007

الشعر والدين" لكامل صالح "النص" من الإلهي إلى الإنساني

فراديس تبارك للصديق الدكتور الشاعر كامل صالح على صدور كتاب الشعر والدين , والذي يبحث في النص إلى حد المصاحبة راكعا كمموه صامت , يركن مودته بين الإلهية التي تستشرفُ في اللمس واللفظ إلى الإنسانية المنشغلة بطعم الحياة .. الشاعر كامل صالح هنا يقدم للمكتبة العربية فصلا من الازدهار في معاينة النص والمكوث فيه.
"الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي" عنوان كتاب صدر حديثا للزميل الدكتور كامل فرحان صالح عن دار الحداثة للطباعة والنشر في بيروت.
الكتاب وقع في 416 صفحة من القطع الكبير، وضم ثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى فصول عدة:
الباب الأول ويضم فصلين: قرأ الكتاب في هذا الباب فاعلية النص الديني في الشعر العربي في أبرز محطاتها. واستهل بمدخل بحث في العلاقة بين الدين والشعر.
الفصل الأول تناول الدين والشعر في المجتمع العربي القديم، من خلال النصوص المتأثرة بالوثنية والحنيفية، كذلك عرض البحث الشعر في الكتاب المقدس، والعلاقة الإشكالية بين القرآن والشعر.
الفصل الثاني خصص للرموز الدينية في

الرمز الديني في الشعر العربي

بيروت: «الشرق الأوسط»

«الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي» عنوان كتاب صدر حديثا للدكتور كامل فرحان صالح عن دار الحداثة للطباعة والنشر في بيروت.
الكتاب وقع في 416 صفحة من القطع الكبير، وضم ثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى فصول عدة:
الباب الأول: ويضم فصلين. قرأ الكاتب في هذا الباب فاعلية النص الديني في الشعر العربي في أبرز محطاتها. واستهل بمدخل بحث في

الشعر والدين.. وحضور المقدّس شعرياً في كتاب جديد

صدر حديثا للدكتور كامل فرحان صالح عن دار الحداثة للطباعة والنشر في بيروت كتاب "الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي".
الكتاب وقع في 416 صفحة من القطع الكبير، وضم ثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى فصول عدة. الباب الأول قرأ الكاتب فيه فاعلية النص الديني في الشعر العربي في أبرز محطاتها. واستهل بمدخل بحث في العلاقة بين الدين والشعر.
الفصل الأول: تناول الدين والشعر في المجتمع العربي القديم. أما الفصل الثاني فخصص للرموز الدينية في الشعر العربي ما قبل الحديث، من خلال حضور الرموز اليهودية، والنصرانية/ المسيحية، والإسلام.
أما الباب الثاني فبحث في إرهاصات الهوية العربية في بدايات القرن العشرين، كذلك تناول المؤثرات الغربية في الشعر العربي، واشتمل على فصلين: الفصل الأول، بحث في صراعات الذات الثقافية العربية، وخصص جانبًا لقراءة النظرة السلفية للتجديد في الشعر العربي.
الفصل الثاني بحث في المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي الحديث، ولا سيما من خلال تأثير "الأرض الخراب" The Waste Land لـ ت. س. إليوت. وركّز في هذا الإطار على تأثير إليوت في شعر بدر شاكر السياب ويوسف الخال وخليل حاوي.
كذلك حاول الكتاب تقديم قراءة في دور مجلة شعر، ولا سيما صراع الهوية وتفعيل حضور "الآخر" فيها.
أما الباب الثالث والأخير فخصص لبحث فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي الحديث، وضمّ فصلين:
الفصل الأول بحث في الأسطورة، والصوفية، والغرب. كذلك قرأ سعيَ الشعراء العرب المعاصرين إلى إيجاد صيغة جديدة للشعر، وعلاقة هؤلاء الشعراء بالتراث والمجتمع، والنظرة للغة العربية، ومحاولاتهم لاختراق النظام الشعري المتوارث.
وتناول الفصل الثاني حضور التأثير الديني المقدس في الشعر العربي الحديث، ولا سيما من خلال فاعلية الحضور والتحول. واشتمل كذلك على تأثير الأسطورة في الشعر، والعلاقة الإشكالية بين المسيح وتموز وحضور هذا التشابك في الشعر.

كي ينام الطيبون


لو يتدلّى الصبر مني

لأسندت بيتي بنسمة وجبل

لو ترفعني السيدة إلى رحمتها

لأديت مناسك الطهارة

وعدت كما اللوح الأول

...

في الصباح

تنزع الحياة شعرة أخرى

يحرس الرجال البيض أولادهم بقبلة

والنساء الرشيقات يعجنّ طحين روحي بماء وعسل

يا

خلاصي الكبير

في أعلى الزيتونة سر المسيح

بقبضة نهر يعمّد المجنون نعمتي بالحنين

ومني يسيل عنبك

فأغرف حتى يهر الزبيب

يا

خرابي الكبير

من يحبّر هذا اليمين

يطعم أحفادي مشمش بعلبك

وتين مرجعيون

لو

يغادر الكلام حبيبي

لمددت حبرا من عشتار

كي ينام الطيبون

***********

24/ 3/ 2005

18 يناير 2009

الفتنة والكوسا باللبن

كامل فرحان صالح


"يا حلو شو بخاف اني ضيعك"
هكذا كانت تنساب الاغنية وهكذا كنت انساب معها
اتكئ على عمر فاض بي كالحليب
كنت مسترخيا والفتنة قربي نائمة، لم أشأ ان اتحرش بها، وهي القادرة على طرد الاحبة تباعا.
كنت مسترخيا وهي تتقلب على جمر النار.. غير انها نائمة.
مسدت شعرها الطويل الذي يهفهف على الخدود، ومشيت على رؤوس اصابعي ناحية المطبخ لاجهّز لها القهوة وطبخة الكوسا مع اللبن.
انتظرتها واصابني الملل، فعاودت مداعبة شعرها ثم اصابع قدميها.
لكن لا فائدة.
غنيت لها "يا فتونة يا حلوة".
لكن لا شيء ينفع معها.
ذهبت الى الشرفة بدأت اتأمل الناس.
وبعد وقت كثير عدت الى الفتنة، فوجدتها تغط في نوم عميق. وقفت فوق رأسها مباشرة، وبدأت اتمتم بأغنية:
"تبغى الصدق
أكذب عليك
هذا عذر
عشان اجيك
كل الحكاية اشتقتلك"
وما هي الا لحظات الا وكانت الفتنة تنط على السرير، والغضب يفز من عينيها،
وصرخت بوجهي عاليا:
"الفتنة نائمة
ولعن الله من ييقظها".
تأملتها وضحكت، ثم هرعت الى المطبخ لاعد لها الكوسا بلبن

ما لم يقله النفري عن الملل


ملل بعشرة أصابع وجسد
ويقال بإصبع واحد
وجسد أيضا
لكن الأحاديث المتواترة لم تنقل لي سوى ذلك
غير ان ثمة رواية ضعيفة عن كامل بن فرحان بن عثمان بن ديب بن صالح بن شبلي عن نفسه ان ثمة من رأى مللا بإصبعين ونصف
ولم يؤكد وجود الجسد.
ومهما يكن من أمر، لا سند دامغا لرواية "العشرين إصبع وجسد".
أو لرواية "العشرين إصبع فقط"
ربما من رأى هذا كان يضمر في بال نفسه المبالغة، أو ربما كان في حالة عياء وحرارة تشبه غليان البطاطا مع النعنع البلدي ويفضل ان لا يوضع معها البيض،
واذا رأيتك راغبا في ذلك، لن أصدّك..
والملل وجوه ..
مقبل ومدبر، والأعم هو الدحرجة، والأنسب هو – حسب مصدر رفض الكشف عن اسمه- الكآبة ممزوجة بملح مصنّع فاسد،
والبعض يفضلها بالسبعة بهارات دون مرقة، والألذ عكس ذلك، أي المرقة..
ويعود ذلك لأنه ولأني اشتهي انسيابها من باطن الكف نحو المعصم ثم يمكن التسلل إلى تجاويف القلب مصدر الأشياء كلها وحافظ أسرارها وباعث الروح في أصل الملل وجذوره.
ولم تثبت لطلوع الصبح نسب الملل للضجر فهما من والدين كريمين لكن عند جهينة الخبر اليقين ان الملل من نسل الرجل والضجر من نسل الأنثى، والإجماع هو انه من الآخرين كلهم.
وروي لي ذات ليلة ان جماعة زرعته في المفازة خلف كثبان بني زهقان وبعد ثلاثة وثلاثين عمرا وقت الحصاد خزّنوا في اهراءاتهم الخيبة وأختها الحسرة وابن خالتهما اليأس..
ومهما قيل إن الموت حشر أنفه فلا تصدقوه..
والبينة واضحة ان السيد الموت لا يحشر انفه البتة بل هو اصل الفعل حيث يحشر من يريد ومن يشاء دون احم ولا دستور..
وعن من لم اعد أذكر انه أمهله أياما وعند الموعد قال الموت لهذا المنتظر على مفرق الروح: اذهب.. وتأكد تأكد انني سأعود لأخذ روحك.
وعندما همّ بالمغادرة غزاه وقتله شرّ قتلة لم يبق منه سوى قطرات من الدم وبعض العروق ليست ذي أهمية فالتهمتها الغربان طائعة هانئة شاكرة.
الملل خيط لا يوصل إلا الى نفسه وبنفسه ولنفسه.
الملل وقوف في مرور الزمان.. الأشياء تترمد وهو متوهج أبدا.
الملل رائحة ذكية تيقظ ذئاب الوحشة وتهديهم الى فتنتها الحائرة.
الملل حب الحزن للمواصلة، ووله الدمع للانسكاب على خدود الأيام.
الملل هو الملل، هو أصله وغيمه وأرضه وفصله وصبحه، وربما ظهره.
الملل دخول وخروج في اللحظة نفسها
الملل نشفان الريق وجفاف الروح
الملل دين العشاق المنتظرين وهو كتابه
الملل وردة ذابلة وعطر أعرج وقبلة نازفة.
الملل حرف متكاسل وحبر أزعر وورق يابس
الملل سيد يعرف سر "كن .."
الملل أنا وأنا اياه جسد بعشرة أصابع أوعشرة أصابع وجسد

(2004)

الملل والحداثة


(رؤية سفسطائية)

الملل هو الروح المحرك للحداثة، في سياق حضور إنساني كان يهرب باستمرار من الروتين والرتابة إلى كشف يثير الأسئلة والقلق والدهشة.
فمن إنسان خاف من القمر فعبده إلى آخر خاف من الرعد فعبده إلى إنسان قدس الجسد الذي فدى العالم من خطيئته الأولى ومن خلاله لامس التجلي الإلهي وصولا إلى إنسان عرف الله بالعقل.
هذه الحركية التاريخية لعبادة الإنسان أمكن للمرء أن يطلق على كل مرحلة منها حداثة، بحيث هي حالة تنفي ما سبقها لتخلق حالتها الجديدة، وساعية في الوقت نفسه إلى استشراف مجهول تخاف منه وتسعى إلى فهمه بعد أن يدب فيها الملل مما هو سائد.
ولا شك هناك من يرى أن للملل هذه السطوة الظاهرية، مشيرا إلى أن الحضارة الإنسانية تبرهن ما هو عكس ذلك، بحيث روح المغامرة والاكتشاف وحب السيطرة والتحكم وفكرة أن نجعل الحياة أكثر سهولة، لها الدور الأبرز في تقدم الإنسانية المستمر .
بالمقابل، لعل الكثير من المثقفين اطلع على رواية ألبرتو مورافيا "السأم" التي يذكر فيها أن سبب خلق الأرض والإنسان والوجود كله يعود إلى سئم دب في مزاج الله، هذه الإشارة التي تنتمي إلى عالم سردي إبداعي ما هي إلا ملامسة دقيقة لخطورة السأم / الملل ومدى تأثيره في حركة الدنيا، ودفعها إلى المابعد بخطوات مترددة أحيانا وأحيانا بخطوات واثقة وثابتة.
الملل هو رد فعل وليس الفعل، وينتج عن ركود ما أو نسق دائري يمارس دوما الحركة نفسها، وبمعنى آخر إذا كان الملل ناتجا عن رتابة الدائرة فان الحداثة تأتي لتكسر هذه الدائرة وتحاول أن تجعلها خطا يصل إلى نقطة مختلفة، لم تُعبر من قبل، فهي بهذا المعنى، أرض بكر لها وهجها الخاص ومساحاتها التي بحاجة الى اكتشاف وفهم وإدراك، وساعتئذ تعود لتتخذ شكل الدائرة، فتأتي حداثة أخرى لتكسر هذا الطوق من جديد وتدفعه إلى الأمام.
هذه الحركة التي تشابه الحركة الميكانيكة شكلا، لا تتم بسهولة، بحيث كل مرحلة ينتج عنها مريدون، يستبسلون بالدفاع عنها، والحفاظ على نقاطها المحددة والمعروفة، إنما تختلف كل مرحلة بحجم القوة المدافعة عنها والأشخاص الرافعين لوائها لتبقى ضمن سياقها التي انطلقت منه وتراكمت فيه. إذ هؤلاء المريدون يحاولون باستمرار تبرير الإحساس بالملل بالتجربة والامتحان، وبالتالي يركز خطابهم دوما على الصبر والتحلي بالمقدرة على تراكم حركة الدائرة ليفوزوا بالوقوع/ الموت وهم ضمنها لا خارجها.

17 يناير 2009

حزنكِ



حزنكِ


ارتباك تلميذ نسي اعراب الماضي
فترنح ناحية الصلاة

ولم يكن ثمة كتاب
غرق في القلق .. حتى نسي أنه نام.
حزنكِ
خروج اللغة الى الصمت
والحرب الى السلام
حزنك
ِيربيني على الوداد وحب الانبياء
........
حزنكِ..
أجمل من ضحكة العنب
حزنكِ
ولد يبحث في روح أبيه عن حلوى ومطر
وحزنك
كخيطٍ أخير على المزاج
لا وردة سقطت
ولا عطر فاح
......
وحزني انه لا يشبه التفاح

على فرس رحل في المرايا
باحثا عن سؤال: ما الحياة
......
وكل ما فيّ حزنكِ
وكل ما فيكِ ايمان
.....
حزنكِ .....
حزنـــــ
كِ .... حروف مغمسة بماء المسيح
وصلاة النبي
وايقونات الجدات
وحزنك........
(كانون الثاني - 2009)

جماعة حوار ومواجهة «الغريزية»


- د. كامل فرحان صالح

-امتحان ثقافي وحضاري تمكن المشاركون والمشاركات فيه من تخطيه بوعي يطرح السياق الحواري والمعرفي هدفاً اساسياً بعيداً عن الحساسيات والانفعالات وردات الفعل الغريزية.
هذا الامتحان راهنت عليه جماعة حوار بنادي جدة الادبي في محورها لهذا العام وقد نجحت فيه لاشك، حيث كانت ثمة مخاوف ابداها عدد من اعضاء الجماعة من طرح محور: «حضور المجتمع المحلي في الرواية العربية» الذي خصص لقراءة 5روايات عربية هي: نجران تحت الصفر ليحيى يخلف، وبراري الحمى لابراهيم نصر الله، والبلدة الاخرى لإبراهيم عبدالمجيد، والطريق الى بلحارث لناجي جمال، ورواية مسك الغزال للروائية حنان الشيخ، واختتم المحور بقراءة في الخطاب الروائي قدمها الناقد علي الشدوي.
المخاوف تمحورت حول كيفية المعالجة ومقاربة الروايات بحيادية وكيفية امتصاص ردود فعل المشاركين والمشاركات في الجلسات امام الطروحات الموجهة والانتقادات غير البريئة والتركيز على سلبيات المجتمع المحلي في كثير من الروايات موضوع المحور. غير ان عملية التصويت التي جرت قبل اعتماد المحور رجّحت السير فيه مع اختيار دقيق لمن سيقرأ الروايات وتقديم اوراق نقدية مساندة مع الورقة الرئيسية .. وهكذا كان.
واختتمت جلسات المحور لهذا العام بملاحظة يمكن ايجازها بالقول: ان المواجهة مع الهواجس دليل وعي حضاري، حيث من ابجديات الحكمة الانصات للآخر ومعرفة كيف يراني ويقدّمني، وبالتالي بناء على ذلك، امكانية بناء جسور تواصل للتصحيح والتلاقي والحوار بعيداً عن الالغاء والاقصاء والهرب.
في المقابل كان الخروج من الروايات الخمس بسبع خلاصات ويمكن تعدادها وفق الآتي:طغيان النمطية على الشخصيات المحلية في الروايات، ابدت الروايات مواقف متضامنة في الاجمال مع المرأة محليا كما جسدت جميعها المرأة عبر شخصيات ثانوية او ضعيفة مغلوبة على امرها او رفعتها الى مصاف الرمز الاسطوري.
كذلك يمكن ملاحظة نمطية المكان حيث سيطرت الصحراء كمكان اوحد للبيئة المحلية وبالتالي لاشيء ينتج عن الصحراء سوى القهر واليأس والموت واللاحياة وهذا التصور كان بالامكان مقاربته في الروايات الخمس كلها... وثمة ملاحظة اخرى هي التماثل الى حدّ كبير في موقع الرؤية بين مؤلفي الروايات، وكان اللافت ان الروايات قدمت خلاصات متقاربة في نهاياتها من حيث التماهي مع اسطورة تموز او ادونيس التي كانت طاغية في زمن كتابة واحداث معظم الروايات.
وبدا ظاهراً السيطرة واضحة لاسماء اماكن محددة على عناوين الروايات او صفات تنتمي لدلالة الصحراء: نجران - براري - البلدة - بلحارث - والغزال.
اخيراً، برز في الروايات غياب المركز اي العاصمة الرياض كذلك المنطقة الشرقية، وجاء التركيز على الحجاز والجنوب والشمال.لاشك ان هذه الملاحظات يمكن اضافة العشرات غيرها لا سيما تلك التي برزت في القراءات النقدية او من خلال المداخلات الثرية من قبل الحاضرين والحاضرات طوال جلسات المحور.
( عكاظ- الثلاثاء 21/04/1428هـ ) 08/ مايو/2007 العدد : 2151

الدكتور كامل صالح: تعامل الشعر مع النصوص الدينية بحرية كاملة ولم يخضع لسياقها


الاتكاء على الإبداع الغربي دفع إلى بروز الرموز المسيحية في الشعر العربي

- جدة: حليمة مظفر
- صدر أخيراً للكاتب اللبناني الدكتور كامل فرحان صالح «الشعر والدين/ فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي»، عن دار الحداثة ببيروت، تناول فيه علاقة الشعر بالدين، التي وجدها شائكة ومتشابكة إلى حد بعيد بل ومتداخلة باعتبار وظائفها الاجتماعية. المتسلحة بنوع من قداسة الكلمة/الشعر.
هنا حوار معه على هامش الكتاب:
يرى مؤلف «الشعر والدين» أنه من خلال العودة إلى تاريخ المجتمعات البشرية في مراحل تكونها الأولى، يتمظهر مظهر التشابك بين الدين والشعر من خلال دور الساحر الذي مهد الطريق لظهور طبقة الكهنة
ويقول ان هذه الطبقة من الكهان، استناداً إلى أرنولد هاوزر في كتابه «الفن والمجتمع عبر التاريخ»، قد طورت من صلواتها وطقوسها لتشمل التمثيل والرقص والغناء ورسم اللوحات، ومن ثم أخذت تضيف إليها من التعقيدات ما يجعلها غير قابلة لفهم العامة تعميقا لسلطتها الاجتماعية. ويقول: «مع مرحلة التخصص التي يتطلبها المجتمع بحكم التطور، انفصلت الامكانات التي كان يجمعها شخص واحد إلى وظائف عدة، وهكذا بدأ الفن/الشعر ينفصل عن الدين مرة أخرى، بعد أن تعلم في حضنه السمو والتحليق».
ولكن هل هناك فاعلية في هذه العلاقة؟ يجيب عن ذلك بقوله: «فاعلية الارتباط الوثيق بين الدين والفن بشكل عام، والشعر بوجه خاص، ظلت تلازم تطور المجتمعات البشرية، وبالتالي تطورهما نفسيهما، في اتجاه الفصل بينهما، أو تمايز الفن والشعر عن الدين باعتباره نشاطا أو فاعلية مستقلة، ويمكن أن يظهر هذا واضحا في الأديان الكبرى، سماوية كانت أو غير سماوية».
ويستشهد المؤلف بوجود النصوص الدينية المقدسة التي بها العديد من المقاطع والأجزاء الشعرية، مثلما لاحظ ذلك في العهد القديم: أيوب، داود، سليمان، وأرميا صاحب المراثي، وهم ممن يجمعون بين النبوة والشعر، ويقول عنهم: «لقد تميزت أسفارهم في الكتاب المقدس بشعرية عالية الرقي الفني، ولكن قبلهم تم العثور على صلوات هي عبارة عن نصوص شعرية لاخناتون صاغها للشمس شعرا راقيا».
ويصل من خلال كتابه إلى استنتاج «ان الانفصال بين الدين والشعر العربي اتخذ المسار اليوناني عينه. ويبدو أن هناك آلية واحدة تكررت في المجتمعات والحضارات والثقافات كافة، طالما أن نشأة الفنون جميعها ارتبطت بالدين والممارسات الشعائرية».
ويضيف الدكتور كامل: «لقد استطاع الفن/ الشعر من خلال انفصاله عن الدين أن يستشرف آفاقا، أو يفتح أخرى أمامه، فأخذ الشاعر من الدين قدسية الكلمة وسحريتها، والاعتقاد في تأثيرها، كما أخذ معه من الدين بذرة الأسطورة، بما أن الأسطورة هي ذلك الجزء الناطق والممثل من الشعائر الطقوسية البدائية».
ومن خلال دراسته البحثية، أوضح تلك العلاقة التي ترتبط بين النص الديني المقدس وبين الشعر نفسه، خاصة فيما يتعلق بالقرآن الكريم «على عكس التوراة، التي كانت في أغلبها نصوصا شعرية، والإنجيل الذي لم يبد رأيا في الشعر، وإن جاءت أغلب قصصه، ومواقف المسيح عيسى عليه السلام، وحكمه، في قالب شعري».
ما هي طبيعة هذا العلاقة بالضبط؟
يقول: «تبدو علاقة القرآن بالشعر أكثر توترا وغموضا، وانعكس ذلك في الاجتهادات الفقهية، ليس تجاه الشعر وحده، بل وسائر الفنون، وقد تراجع الشعر مع الإسلام، الذي أبدى شيئا من التحفظ على الممارسة الشعرية، ووضع لها شروطا، وحدد لها حدودا، فسادت وسيطرت سلطة النص القرآني المقدس بصورة مطلقة على كل قول، واكتفى الشعر بهامش ترديد صدى التعاليم الإسلامية، أو لاذ بهامش الهرطقة والمجون ليعبر عن نفسه، إلا إن ذلك لم يحُل دون تأثير النص القرآني في الشعر العربي بشكل ايجابي فيما بعد وقد تبدى هذا التأثير متنوعا، متخذا أكثر من شكل».
ويجد كامل أن الشاعر باعتباره وريثا للرائي والعرّاف، يمنح لنفسه وللشعر سلطة التصرف في التاريخ والنصوص الدينية المقدسة، لأنه أصبح فاعلية اجتماعية موازية للدين، ليست أقل ولا أكثر منه، ولكنها فاعلية ذات آليات منفصلة وخاصة. فالشعر مثله في ذلك مثل كل الفنون الأدبية، يعالج التاريخ معالجة أسطورية، على نحو خاص، فلا ينظر إلى البطل التاريخي والأحداث في ضوء الحقائق التاريخية، والوثائق المعروفة، بل إن الرؤية الفنية للشاعر تتجاوز ذلك الإطار الواقعي، وتلك الدلالة المحدودة، إلى دائرة خيالية تتحرك فيها الحوادث والأبطال، كما تتحرك في عالم الأسطورة، لتتيح للشاعر أن يبث من خلال ذلك العالم ما يريده من غايات إنسانية دفينة، وأن يتخذ من الشخصية التاريخية قناعا لفكره، وبهذه النظرة الفنية ينظر الشاعر إلى الكتب المقدسة، وإلى ما جاء فيها من قصص.
وعن تعامل الشعر مع هذه النصوص الدينية، يقول المؤلف: «لقد اتسم بالحرية الكاملة، ولم يخضع لسياقها الديني بل قام بتوظيفها شعريا، بما يحقق التعبير عن الرؤية الخاصة للشاعر، في السياق الشعري الخاص به، بما يجعل النص الشعري، أحيانا، موازيا للنص الديني المقدس، وفي أحيان أخرى، معارضا لمضامينه، وأحيانا أخرى، مستشهدا به، وغيرها من الاستخدامات في التعامل»، لكنه على حد قوله في كل ذلك «يؤكد النص الشعري انفصاله التام عن النص الديني المقدس، واعتباره كيانا قائما بذاته».
وعن شعراء الحداثة الذين أوغلوا في النصوص المقدسة عميقا يقول: «لقد اتكأ شعر الحداثة على إشاراتها وقصصها ورموزها، مستعيدا ومعيدا صياغتها في سياق تعبيره عن أزمته الذاتية والموضوعية، لتجده حينًا يُسقط خيانة يهوذا على عصره، ويستخدم معجزة لعازر، ومشهد العشاء الأخير، وجسده كخبز للعالم، ورمزي الأم والماء، ومستحضرا الأمكنة والأنبياء، من النص التاريخي/ الديني إلى حاضره ويومه».
وأضاف: «لقد حاول الشاعر الحداثي إنتاج نصّ شعري بمحاذاة النص المقدس، وهو يفعل ذلك بالمحاذاةِ الشكلية أحيانًا، مستعيرًا أسماء أقسام النصوص الدينية ووظيفتها، مثل المزامير والأسفار والآيات، وأحيانا عن طريق محاذاة مضمون النصوص الدينية، حيث يعيد صياغة الآيات، سواء آيات قرآنية أو توراتية أو إنجيلية، لتخرج من حيزها التاريخي وقدسيتها الإلهية، وتعبر إلى اليومي، والحاضر، وتصبح رؤيا خاصة بالشاعر للعالم والإنسان والحياة كلها».
ويرى كامل ان استخدام الرموز الدينية في الشعر لا تعني أن هذا الشاعر ينطلق من تجربة دينية، أو أن القصيدة لديه تحولت إلى عظات وخطابات دينية، إنما اتكأت على ذلك، وأفادت منه بدلالاته المختلفة، لتقوم القصيدة على تفاعل هذه العناصر مع رؤية الشاعر وواقعه، لتفتح بالتالي أفقا جديدا قوامه النص العابق بالتساؤل واللاجواب.
ويقول عن ذلك: «معظم الرموز المستخدمة تنقل معاناة الشاعر الذهنية والجسدية، مجسدة حالته النفسية بأنه مضطهد وغريب في مجتمعه، وأن جهوده لإصلاح الوضع ضاعت سدى، ولهذا أخذت الرموز في مجملها طابعا مأساويا».
ومع ذلك يجد الدكتور كامل أن شعراء الحداثة الذين أوغلوا في استخداماتهم للرموز الدينية لم ينطلقوا في حركتهم التجديدية من خلال تراكم تاريخي ثقافي عربي خالص، وإنما على حد قوله: «تحت مظلة التأثير الشعري الغربي لا سيما عند الشعراء عزرا باوند وإليوت وسوزان برنار وبودلير ورامبو ولوتريامون واديث ستويل وغيرهم من شعراء الغرب ونقاده». وقد توالت اعترافات شعراء الحداثة بهذا التأثير بصراحة ووضوح، إضافة إلى أن الاتكاء على المساحة الإبداعية الغربية هي التي دفعت إلى بروزِ الرموز المسيحية في الشعر العربي المعاصر، ويعني هذا بالتالي، أن التأثر بنصوص الكتاب المقدس كانت هي بدورها، نتيجة التأثر بالآخر / الغرب، كما الصوفية».


- (الشرق الاوسط الاربعـاء 26 ذو الحجـة 1426 هـ 25 يناير 2006 العدد 9920)

فاعلية الرمز الديني في الشعر العربي

لشعر والدين: فاعلية الرمز الديني في الشعر العربي
عرض: صالح السهيمي - صحيفة اليوم*

صدر مؤخراً للدكتور كامل فرحان صالح عن دار الحداثة للطباعة والنشر في بيروت. كتاب الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني في الشعر العربي .
الكتاب يقع في 416 صفحة من القطع الكبير، ويضم ثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى فصول عدة:
الباب الأول ويضم فصلين: قرأ الكتاب فيه فاعلية النص الديني في الشعر العربي في أبرز محطاتها. واستهل بمدخل بحث في العلاقة بين الدين والشعر.
الفصل الأول تناول الدين والشعر في المجتمع العربي القديم، من خلال النصوص المتأثرة بالوثنية والحنيفية، الفصل الثاني خصص للرموز الدينية في الشعر العربي ما قبل الحديث،
أما الباب الثاني فبحث في إرهاصات الهوية العربية في بدايات القرن العشرين، كذلك تناول المؤثرات الغربية في الشعر العربي، واشتمل على فصلين:الفصل الأول، بحث في صراعات الذات الثقافية العربية، وخصص جانبًا لقراءة النظرة السلفية للتجديد في الشعر العربي.
الفصل الثاني بحث في المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي الحديث، ولاسيما من خلال تأثير الأرض الخراب The Waste Land لـ ت. س. إليوت. وركّز في هذا الإطار على تأثير إليوت في

لا تهزّ جذع النخلة


* إليّ في يوم ميلادي


....................


قال: يا أنت خذ مكانا قصيّا
ولا تهزّ جذع النخلة...
وامضِ في المفازات
لملم قصصا لذكرى وردة
داسها الشيطان
في اليدين الطاهرتين
تهشمت ألواح الأنبياء
وتحت الزيتون
هشّ القادر سرب الحمام
كأن غرف الأرض واسعة
الله لا يزور حراس النوايا
وهذه الرؤيا عيد أخير
البلح مرّ في طحيني
والزيت يقصّ سيرة الرغبة المشتهاة
من عليّة تتملى كرم الأزقة
كان القصب لزجا في وسادة عجوز
وقال:
لا تهز جذعي
نم في مسكي وعنبري
وعند طرف النهار أركلني ناحية الدنيا
وخذني في العبارة يا حبيبي الشفيف
لا تهزني....
فولهي أيائل الأولين
وأنا رجس فيحبوني
اغمرني بظل صوتك
اسأل عن خروجي في الحجاز
وفي دفاتر أخناتون
على عرق الفينيقيين في البحار
نقّني من غبار بابل
زند آشور أغرقني بالثكالى الخائنات
دع هذا الليل
واحرسني بالصوم
في الصبح طفل نسته النعجة
فوسّع روحي وتأوه الخلاص

تعبرني الخطوات وطريقي شمال
هي خزانة العسل واللبن
فلمَ صدري سعال؟

المرض يختار أروع الحكايا لنومي
ساعة وأشهر لميلادي سلالة الكفن،
السماء حجاب
والأرض صديقتي الخبيثة
في يومي أبحث عن يوم عتيق
النجوم تفارقني
وحرمون يرقي ابن الماء
هجرت ممالك الفاتنات
سكنت في رضوان المحال
بتمائم عرّاف دثّرت طهارة الصبيان
ولا يطوى هذا النهار إلا بحشري في الامتحان
يا حبيبي
امسح عتمتي بشرشف من تفاح
في اتساعي احصد قلقي
وضمني
جسدي شتاء
يا من ينثرني في عطر الصبايا العاشقات
ارفعني من حسد الساحرات
اسقني مزامير داوود
وعلمني لغة سليمان
يا من ...
انتشلني من صبر أيوب
ومسامير المسيح
ودس في يميني الكتاب
أهزّ ما تبقى من عمري
وأفتح لحبيبي حظائر المطر
...
ألج الخريف بفنجان مقلوب
وأقول:
لا نخلة هنا
وفي الولادة كان بلا لسان.
(في 19/ 12/ 2004. )

عندما أراد أن يبكي

عندما أراد أن يبكي
رمى السماء بدعاءوانتظر
...
انتظرإلى أن أصبح
غيمة
...
بحث عن كلامه بين الأيام
خرج إلى الهامش
ليتأمل موته القادر على الحنين
...
كان نقيّاً كوطنٍ
بلا هواجس
رسم عصفوراً ووردة
وقمراً من طحين
......
وحيداً رغب بالأصدقاء
فكان ظلالاً وماءً تبخّر
وأغنية من أنين
...
لا هدايا في الخاطر
لا عيد على ذاك الجبل
...
فرح أمام قبره الأبيض
قبل أن يقول للدنيا:
- صباح الخير- ...
(نشرت في النهار اللبنانية الأحد 03 شباط 2008 - السنة 74 - العدد 23256 )

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews