قراءة : كامل صالح
تتجدد إشكالية استمرار الكتاب الورقي في زمن الإنترنت والمدونات، مع كل معرض جديد للكتاب. وقد عادت الإشكالية لتطرح نفسها مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب اليوم، وبعد أسابيع قليلة في الرياض وأبو ظبي. ولا يخفى أن هذا الموضوع طرح للنقاش بشكل حاد ومثير للاهتمام في معرض فرانكفورت العالمي للكتاب في دورته الأخيرة، حيث انبرى كتاب وروائيون ومفكرون من دول أجنبية عدة للدفاع عن «حميمية الكتاب الورقي»، مقابل آخرين لم يخفوا خوضهم الجدي فيما يسمى «الكتاب الألكتروني»، وعلى رأسهم الروائي العالمي باولو كايلو صاحب الرواية الشهيرة «الخيميائي». وعربيا، دارت منذ بدء ثورة الإنترنت، نقاشات كثيرة حول هذه القضية، كما خصص لبحث ذلك عدد من الكتب والتحقيقات والمقالات يصعب حصرها. ولعل حدة المأزق تبرز أكثر ما تبرز في السلوكيات والعادات والتقاليد، إذ تلحظ الأزمة بشكل صارخ عند الجيل الذي عاصر الزمنين معا، أي زمن الكتاب الورقي والإنترنت، فيما تخف حدة هذا المأزق عند جيل الشباب، الذي يعد الشريحة الأكبر في استخدام الإنترنت. ولا يمكن ان ينسى في هذا السياق، معنى ومفهوم الكتاب في الذاكرة الجمعية العربية، فهو دينيا مرتبط بالقرآن الكريم (الكتاب)، وسلوكيا هو خير جليس، وللتواصل يطلق مسمى الكتاب على الرسائل (أرفع كتابي هذا ...)، وغيرها. وأمام هذا الحضور التاريخي للكتاب الورقي لا يقع المرء في أزمة «حنين» وحسب، بل يشعر نفسه أمام مأزق أخلاقي، بحيث يعتبر توجه القارئ نحو الكتابة على الإنترنت والمدونات، نوعا من التخلي عن جزء أساسي من «صديقه»و«أنيسه» و«حاضن همومه وهواجسه»و«مربيه»و«حافظ تاريخه وأدبه وحضارته». لكن الحياة تطور، والإنسان في طبيعته، تمكن ويتمكن باستمرار من التأقلم مع المتغيرات التي يحدثها هو نفسه او التي تفرض عليه، والشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ الإنساني، فبعد نحو عشرين سنة على الخروج الفعلي لثورة الإنترنت، ظل الكتاب حاضرا في الساحة، وهناك مئات بل آلاف الكتب التي تصدر سنويا، ولا زال الكثير من الناس يواظبون على قراءة الكتاب في السرير قبل النوم، ويهتمون بأن تتصدر بيوتهم مكتبة تضم ألوانا مختلفة ومتنوعة من الموضوعات. وفي الوقت نفسه، هناك آخرون كثر أيضا، يواظبون بشكل جدي وفعلي لمتابعة ما ينشر على الإنترنت، وإنشاء مواقع جديدة، وكتابة مدونات تعكس آراءهم وأفكارهم وهواجسهم، كذلك الانتشار الواسع للجرائد الألكترونية، والمواقع الثقافية والعلمية والدينية، ومنتديات التواصل. ولعل اللافت في الأمر هنا، ان ثمة جهات ومؤسسات عربية تطلق على الإنترنت بين الفترة والأخرى، مواقع تحتضن كما هائلا من الكتب والموسوعات الورقية، بحيث يمكن قراءتها او طباعتها من الإنترنت مباشرة. ومما لا شك فيه ، ان هذه التوجه تمكن الى حد ما، من عقد «صلح» «ومد جسر» للتواصل بين عالمي الورق والإنترنت.يبقى القول ان جمال الحياة في احتضانها للمتناقضات والاختلافات والمسارات المتعددة، ولم تنبذ المسيرة البشرية الا الذي لم يعد صالحا لها، وبالتالي فان الإنسان هو الحكم النهائي في هذه الإشكالية، فهل سيتمكن من الحفاظ على استمرارية الكتاب الورقي والألكتروني جنبا الى جنب أم سيسقط أحدا منها؟ سؤال يبقى في رسم أجيال المستقبل. جريدة عكاظ ( الأربعاء 24/01/1430هـ ) 21/ يناير /2009 العدد : 2775
تتجدد إشكالية استمرار الكتاب الورقي في زمن الإنترنت والمدونات، مع كل معرض جديد للكتاب. وقد عادت الإشكالية لتطرح نفسها مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب اليوم، وبعد أسابيع قليلة في الرياض وأبو ظبي. ولا يخفى أن هذا الموضوع طرح للنقاش بشكل حاد ومثير للاهتمام في معرض فرانكفورت العالمي للكتاب في دورته الأخيرة، حيث انبرى كتاب وروائيون ومفكرون من دول أجنبية عدة للدفاع عن «حميمية الكتاب الورقي»، مقابل آخرين لم يخفوا خوضهم الجدي فيما يسمى «الكتاب الألكتروني»، وعلى رأسهم الروائي العالمي باولو كايلو صاحب الرواية الشهيرة «الخيميائي». وعربيا، دارت منذ بدء ثورة الإنترنت، نقاشات كثيرة حول هذه القضية، كما خصص لبحث ذلك عدد من الكتب والتحقيقات والمقالات يصعب حصرها. ولعل حدة المأزق تبرز أكثر ما تبرز في السلوكيات والعادات والتقاليد، إذ تلحظ الأزمة بشكل صارخ عند الجيل الذي عاصر الزمنين معا، أي زمن الكتاب الورقي والإنترنت، فيما تخف حدة هذا المأزق عند جيل الشباب، الذي يعد الشريحة الأكبر في استخدام الإنترنت. ولا يمكن ان ينسى في هذا السياق، معنى ومفهوم الكتاب في الذاكرة الجمعية العربية، فهو دينيا مرتبط بالقرآن الكريم (الكتاب)، وسلوكيا هو خير جليس، وللتواصل يطلق مسمى الكتاب على الرسائل (أرفع كتابي هذا ...)، وغيرها. وأمام هذا الحضور التاريخي للكتاب الورقي لا يقع المرء في أزمة «حنين» وحسب، بل يشعر نفسه أمام مأزق أخلاقي، بحيث يعتبر توجه القارئ نحو الكتابة على الإنترنت والمدونات، نوعا من التخلي عن جزء أساسي من «صديقه»و«أنيسه» و«حاضن همومه وهواجسه»و«مربيه»و«حافظ تاريخه وأدبه وحضارته». لكن الحياة تطور، والإنسان في طبيعته، تمكن ويتمكن باستمرار من التأقلم مع المتغيرات التي يحدثها هو نفسه او التي تفرض عليه، والشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ الإنساني، فبعد نحو عشرين سنة على الخروج الفعلي لثورة الإنترنت، ظل الكتاب حاضرا في الساحة، وهناك مئات بل آلاف الكتب التي تصدر سنويا، ولا زال الكثير من الناس يواظبون على قراءة الكتاب في السرير قبل النوم، ويهتمون بأن تتصدر بيوتهم مكتبة تضم ألوانا مختلفة ومتنوعة من الموضوعات. وفي الوقت نفسه، هناك آخرون كثر أيضا، يواظبون بشكل جدي وفعلي لمتابعة ما ينشر على الإنترنت، وإنشاء مواقع جديدة، وكتابة مدونات تعكس آراءهم وأفكارهم وهواجسهم، كذلك الانتشار الواسع للجرائد الألكترونية، والمواقع الثقافية والعلمية والدينية، ومنتديات التواصل. ولعل اللافت في الأمر هنا، ان ثمة جهات ومؤسسات عربية تطلق على الإنترنت بين الفترة والأخرى، مواقع تحتضن كما هائلا من الكتب والموسوعات الورقية، بحيث يمكن قراءتها او طباعتها من الإنترنت مباشرة. ومما لا شك فيه ، ان هذه التوجه تمكن الى حد ما، من عقد «صلح» «ومد جسر» للتواصل بين عالمي الورق والإنترنت.يبقى القول ان جمال الحياة في احتضانها للمتناقضات والاختلافات والمسارات المتعددة، ولم تنبذ المسيرة البشرية الا الذي لم يعد صالحا لها، وبالتالي فان الإنسان هو الحكم النهائي في هذه الإشكالية، فهل سيتمكن من الحفاظ على استمرارية الكتاب الورقي والألكتروني جنبا الى جنب أم سيسقط أحدا منها؟ سؤال يبقى في رسم أجيال المستقبل. جريدة عكاظ ( الأربعاء 24/01/1430هـ ) 21/ يناير /2009 العدد : 2775
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم