بحث

21 فبراير 2023

جريدة الشرق الأوسط : اللغة بالنسبة إلى الجيل الجديد أصبحت سلعة

د. كامل فرحان صالح -  Kamel Farhan Saleh


الصفحة الثقافية - الثلاثاء - 30 رجب 1444 هـ - 21 فبراير 2023 مـ رقم العدد [ 16156]


جريدة الشرق الأوسط | د. كامل فرحان صالح - (الرابط)


اللغة ليست هدفاً بحد ذاتها، هي أداة تواصل للأمة، للمجتمع... للحضارة التي تنطق بها، وحين تكون الأمة في حال تردٍ أو تراجع أو تقهقر، فمن طبيعة الأمور أن تتقهقر اللغة الناطقة بها. عبر التاريخ نلحظ أن اللغة ترتفع بارتفاع المنسوب الحضاري للأمة؛ عبر منتجاتها وعطائها وفكرها، وقياداتها الحكيمة، وتتقهقر مع تراجع هذه العوامل. اللغة عنصر أساسي من عناصر الهوية، وبالتالي حين يحدث الشرخ بالهوية، يصيب اللغة. ما أريد قوله إن المشكلة لا تكمن في الأستاذ أو في الطالب، أو في الدروس المعطاة. قديماً كان الطالب يقرأ في القرآن الكريم، ويصبح مفكراً، أو عالم لغة، أو أديباً، أو عالم اجتماع. لم تكن وسائل الإيضاح موجودة، ولا التطور التقني، ومع ذلك كان ثمة مستوى راقٍ من العطاء الفكري، والاهتمام باللغة وسلامتها. وبالتالي الكلام الكثير على تطوير المناهج أمر جيد بحد ذاته، لكن المناهج ليست هي العقدة، وإنما المشكلة في مكان آخر. حين تتطور الأمة وتعود إلى المشهد الحضاري عبر الإنتاج الفكري والصناعي والزراعي... وغيره؛ ترجع اللغة لتأخذ مسارها الطبيعي وتتقدم. نحن لا نتحدث لغة امرئ القيس أو المتنبي، اللغة تتغير وتجدد نفسها بنفسها.
المشكلة في إنسان هذه اللغة وحضارتها، بدليل أنه منذ انتشار العصر الرقمي، استطاعت العربية أن تثبت وجودها في هذا العالم، وفرضت نفسها. نلحظ ذلك من خلال الشركات الرقمية الكبرى، بحيث إنها تهتم بالعربية، وعملت على برمجة الكتيبات التي تنتجها باللغة العربية، وهذا ما ساهم في تعزيز العربية، وأصبحت موجودة بالعالم الرقمي.
المشكلة في الجوهر وأن اللغة بالنسبة للجيل الجديد لم تعد من عناصر الهوية، هي بالنسبة إليهم سلعة، بدليل الكتابة بـ«العربيزي»؛ أي بالحروف اللاتينية. هذا الجيل فقد إيمانه بأن الإنسان العربي قادر على العودة إلى المشهد الحضاري. لذلك يجب أن نعيد الثقة لهذا الجيل، وهذه مسؤولية القيادات، حتى المجامع اللغوية لا تستطيع أن تفعل شيئاً؛ لأنها جزء من المؤسسات الرسمية المتهرئة، لم تعد تقدم رؤىً وحلولاً، لم تعد تقدم خططاً للمستقبل.
من المحيط إلى الخليج؛ نحن شعوب مستهلكة ولا تنتج بشكل فاعل. مظاهر الحضارة ليست تلك التي نعيشها. الحضارة تتجلى في كيفية معالجة المشكلات، وفي الوقت نفسه تقديم رؤى للمستقبل ومواجهة التحديات. تدبّر كيفية تقديم العيش الكريم للشعب، لا أن تقع الدول في ديون مرهقة لشعوبها. الدخول في موضوع اللغة يدفعنا للخوض في مختلف العناصر الحضارية الأخرى. هي جزء من هذا المشهد العربي المليء بالثقوب. وبالتالي حين يكون المشهد العام مشوشاً بالضبابية؛ فمن الطبيعي أن تعكس اللغة هذا المشهد.

* شاعر وناقد وأكاديمي لبناني


جريدة الشرق الأوسط  - أجرت اللقاء الدكتورة سوسن الأبطح

Kamel Farhan Saleh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews