لعله ليس جديدا القول بأهمية بيروت تاريخيا، لا سيما عبر مدّها الحياة الثقافية والفكرية والفنية والاقتصادية في العالم العربي بنماذج مضيئة كان لها الأثر البارز في مجالات مختلفة ومتعددة.
لكن اللافت ان هذه المدينة في الثلاثين سنة الماضية رغم تعرضها لأبشع الحروب، وقد مر عليها حرب الاخوة والاصدقاء والاعداء.. كانت تمارس دورها الحضاري دون تعب أو يأس، فنشطت الحياة المسرحية والسينمائية وان بشكل خجول، واصدارات الكتب والمجلات والأمسيات الفكرية والشعرية والقصصية ومعارض الرسم والكتب والمهرجانات الفنية.
وخلال الأيام التي تلت العدوان الاسرائيلي على لبنان، تعرضت بيروت لعملية قتل ممنهج من خلال فئة من اللبنانيين، حيث احتلوا قلبها بهدف منعها عن النبض والحياة، فنجحوا في ذلك خلال الاسابيع الأولى من فعلتهم هذه، غير ان المدينة التي تحاكي الأسطورة الفينيقية القديمة تعود من رمادها، وكأن موتها الوجه الآخر للحياة والاستمرار.
صحيح هناك مؤسسات اقفلت وحركة اقتصادية متعثرة لكن بذور الأمل تمزق هذا السواد بشكل تدريجي، فها هي فيروز غنت بعيدا عن المعتصمين بنحو عشرات الامتار، وفي المكان نفسه أقيم معرض بيروت الدولي للكاتب الذي تأجل عن موعده الأساسي خمسة أشهر، وها هي كتب الشعراء وعشرات المسرحيات المنتشرة في المناطق في حركة لا تهدأ فضلا عن صالات السينما التي تترصد دائما عرض الجديد والمثير.
هي بيروت التي وصفها محمود درويش بالتفاحة، وست الدنيا مع نزار قباني، وصوت فيروز على الحان عاصي الرحباني، وهي جارة بعلبك وصديقة البحر،
مدينة لا تشبه سوى نفسها..
ولا تؤذي الا نفسـهـا ايـضـا.
مدينة لا زالت تتمسك بالحلم رغم الكوابيس الجاثمة على صدرها.
تتمسك بالفرح رغم العويل الذي يمزق حنجرتها، تتمسك بالأمل رغم القنوط المتفشي في مزاجها.
بيروت.. هل هي مدينة حقا؟
عكاظ ( الأحد 04/04/1428هـ ) 22/ أبريل/2007 العدد : 2135
عكاظ ( الأحد 04/04/1428هـ ) 22/ أبريل/2007 العدد : 2135
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم