بحث

29 يناير 2009

من أنا / مسودة ثانية


أذكر جيدا ذاك الطفل الممدد على الأرض هو واخوته يقرأون القصص العالمية التي كان يشتريها الوالد لأطفاله.
أذكر جيدا تلك الرؤى التي كانت ترتسم أمامي كلما انتهيت من قراءة قصة ما. وقد غرمت مبكرا بسندريلا ورابينزل ذات الشعر الطويل والقط ابو جزمة .. وفرحت لأعاجيب القدر الذي يفيض بالمهلبية.
القراءة كانت تتواصل مع القصص الدينية، فتعرفت على القصص الدينية المصورة التي كانت تطبعها المطبعة الكاثوليكية، فحزنت مع آدم، وتألمت لموت هابيل، وفرحت بنجاة نوح من الطوفان، وتساءلت مع إبراهيم عن وجود الخالق، وصرخت مع المسيح عندما غرزت المسامير يديه وقدميه، وقلت: إلهي .. الهي.. لمَ تركتني؟ أحبّ المسيح وأخاف من محمد.. لا اعرف لماذا. سؤال حاولت ان اجد له جوابًا.. إلا انني في كل مرة أصمت .. هكذا انا لا اعرف لماذا احب.. ولماذا اكره.. أدع نفسي لمساحات من التأويل لا تنتهي.
كنت أدخل القصة مع كل نبي جديد.. حتى خلت نفسي ذات يوم ان الوحي يناديني من الجدار.. فوقفت قبالته أتنصت بإمعان ورجفة ما تشل جسدي.. وكم ضحكت من نفسي عندما علمت ان مصدر الصوت كان بيت الجيران.
عندما كان يسألني الأستاذ ماذا تحب ان تكون في المستقبل يا كامل: كنت أسارع للقول: مهندس كهرباء. ولهذه الأمنية تطبيقات كانت كارثية في البيت وفي بيوت الجيران. إذ أحرقت اكثر من مرة جهاز التلفزيون بسبب محاولاتي لاكتشف ما فيه، ومرة احترقت لمبات جارتنا بسبب دمج لوصلة كهربائية خاطئة.. وتتطور الأمر معي عندما دخلت المهنية لأدرس الكهرباء ، ففي السنة الثانية وفيما استعد لتقديم مشروعي شبكت الخطوط ببعضها وما ان طلب مني المشرف اشغال الكهرباء حتى احترق المشروع بأكمله ونلت عقابي اللازم من المشرف مع علامة سيئة جدا.
لم أيأس وسجلت في الجامعة هندسة كهربائية وذاك الوقت تأكدت انني لن اصبح مهندسا كهربائيا، والسبب بكل بساطة هو انني بدلا من متابعة المحاضرات كنت اكتب القصائد وارسم بعض الأشكال الهلامية وما ان مرت شهور على وجودي في الجامعة حتى أخذت قراري الحاسم وانتقلت بكامل قواي العقلية الى الأدب.. وسجلت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم لغة عربية وآدابها.. ولا تتخيلوا معاناتي في ذلك، بسبب صعوبة التوجه من المواد العلمية الى المواد الأدبية.

لكن قبل هذا الوقت بسنوات، أذكر كتاباتي الأولى التي بدأت ترى النور مع تقدم الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. كنا لا مدرسة ولا تعليم، فجلسنا بالبيت ننتظر والدا ربما يعود وربما لا، وننتظر الأخبار وتفاعل الأحداث، وكنت صغيرا أمام هذه الأحداث المصيرية، فوجدت نفسي انهمك بقراءة المسرح العالمي، واذكر أن في شهرين تقريبا قرأت نحو عشر مسرحيات، لم اعد اذكر منها شيئا اليوم.. هذا التوجه في القراءة دفعني بشكل لا شعوري لكتابة مسرحية، فكتبت مسرحيتين لم اعد اعلم مصيرهما اليوم. الأولى تحدثت فيها عن حالة حب تقع بين شاب وفتاة من طائفتين مختلفتين لكن عائلة كل منهما تعارض هذا الارتباط، المهم في النهاية يقرران الهرب معا غير أن قذيفة تصيبهما فينزفان حتى الموت. أما موضوع المسرحية الثانية فبطلاها طفلان يقبعان في ملجأ خوفا من الحرب وتمر الأيام وهما في الملجأ وعندما يقرران الخروج يصابان بالعمى .. ويموتان.
محاولة الكتابة المسرحية رافقتها محاولات أخرى لكتابة نصوص أو بمعنى أصح خواطر مليئة بالأخطاء والثرثرة والمواضيع المكررة المملة.. أقرأها اليوم وابتسم .. ولم اجرؤ على تمزيقها.

ربما يتبع 2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews