بحث

‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات. إظهار كافة الرسائل

29 مارس 2018

مثقفون ومبدعون يجيبون عن: هل تغيرت القيم والثوابت في حياتنا؟





ميدل ايست أونلاين 
بقلم: محمد الحمامصي 
تصاعدت ظاهرة التناقضات واختلطت الأوراق وتردت المفاهيم وارتفع الضجيج بين النخب على اختلافها واختلاف مستويات حضورها داخل النظم أو خارجها، وذلك في ظل الحروب والصراعات الدائرة في المنطقة العربية والإقليمية، حتى بات أمر الكثير من القيم والثوابت موضع شك وريبة في ظل التفاعل الواسع لمجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي، لينعكس ذلك على المستوى المجتمعي العام، فتبادل الاتهامات المستمر بين الرؤى المختلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا واجتماعيا والذي وصل حد التكفير والطعن في الوطنية والشرف والكرامة يفتح الباب على مصراعيه أمام التناحر ومن ثم السقوط القيمي المجتمعي. 
انطلاقا من هذا كانت فكرة هذا التحقيق التي وضعناها في سؤال توجهنا به لعدد من المفكرين والمثقفين بعضهم اعتذر وبعضهم تناول الأمر من زاويه، السؤال كان كالتالي: هل تغيرت القيم والثوابت سواء منها الديني أو السياسي أو الأيديولوجي أو حتى الإنساني جراء ما نشهده من حروب وصراعات ونزاعات أم ترى وراء ذلك التقدم التكنولوجي الهائل وتداخل الثقافات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيره؟ 

• مكمن الاشكالية وثقلها

د. كامل فرحان صالح 

يشير الشاعر والأكاديمي د. كامل فرحان صالح إلى أن مقاربة الاشكالية مقاربة موضوعية تتسم بالدقة، من المسائل الصعبة، وقال "ان ما نشهده اليوم من قيم وثوابت هو نتيجة سياقات متداخلة ومركبة وفي الوقت نفسه، معقدة. لكن هذا لا يعني أن الحروب والصراعات لم تنتج قيما جديدة، فمثلا من نتائج الحروب الأهلية الداخلية، ظهور شريحة اللصوص "الشطار" وبروز "حديثي النعمة" أو"الاغنياء الجدد". وهؤلاء ينتجون قيما تفتقر الى المعنى الاصطلاحي للقيم، وثمة قيم تظهر مع مد التعصب الديني، فيحوك أتباع هذا التوجه من نسيج الدين قيما فيدخلونها مع أنسجة أخرى تعبر عن انغلاقهم وأنفسهم المريضة هم، وفي طبيعة الحال لا تمت الى القيم الدينية التسامحية والمنفتحة على الآخر بأي صلة كما يدعون. 
أيضا، وفي طبيعة الحال، أن تنتج الطبقة السياسية وكل أتباع أيديولوجيا، قيما تعبر عن سلوكياتها وأخلاقها، وكلما ارتقى المؤمن بعقيدة ما، بإيمانه، يرتقي بقيمه. لكن مكمن الاشكالية وثقلها يكمن في الجزء الثاني منها، وهو تغير القيم أو نشوء قيم جديدة نتيجة العلاقة المستجدة بين الإنسان والعالم الافتراضي المعبر عن تقدم التكنولوجيه وتداخل الثقافات، فالاشكالية مردها الى حداثة هذه العلاقة، فهي بعمر السنوات المعدودات، وبالتالي يصعب الحديث عن ولادة قيم، لأن القيم لتكون قيما تحتاج الى مرور زمني وممارسة راسخة، لكن في طبيعة حال يلاحظ المتابع أن هناك قيما لا تزال تمارس، إنما جرى تحويرها وتحويل طرائق التعبير عنها مثل الحزن وتقديم العزاء، او الإعلان عنه، كذلك نقل حفلات الفرح والتخرج والنشاطات الاجتماعية المختلفة، فتجد أن المصافحات والقبل الحقيقية تحولت الى أيقونات، والتحيات إلى لايكات، والكلمات المباشرة الحية تحولت الى تعليقات إلكترونية. 
مهما يكن من أمر، فان المسألة تحتاج الى بحث معمق، ولا شك أن الاشكالية المطروحة أعلاه مهمة وفي وقتها، ولعل التحقيق الصحفي يفيد في مكان ما الباحثين في الإضاءة على بعض النقاط للانطلاق الى العمل والكتابة.


• حشود لا مرئية 
ويؤصل الناقد والأكاديمي د. رامي أبو شهاب لمفهوم القيم مؤكدا أن مفهوم القيم في الثقافة العربية الإسلامية يرتبط بدلالة الديمومة، والمثمن، ولهذا ينبغي ألا تخضع للتغيير الذي من شأنه أن يفقدها خصوصيتها، غير أن كلمة القيم التي تعود لجذر يوناني - فرنسي، والتي تعرف بالأكسيولوجيا، وتعني علم القيم، قد خضعت للكثير من التفسيرات بدءاً من العصر اليوناني، غير أن هذه الحقل اتخذ معاني أخرى على يد الفلسفة الألمانية، ولاسيما نيتشه الذي نزع عنها شيئا من قدسيتها، ولا سيما ما يتعلق منها بالأخلاقي، ومن هنا، فقد بدت القيم موضوعاً إشكالياً، ولكن في هذا العصر تبدو شديدة التعقيد، كون عالمنا الحالي شديد التحول، وذلك انطلاقا من تحول القيم الثابتة، إلى قيم سائلة استجابة لتنظير زيجمونت باومان، ونقده للحداثة وما بعدها. 
ورأى أن القيم تخضع للتشكيل ما بعد الحداثي، فنحن لا نختلف حول تصنيفها، فهناك قيمة إيجابية ينبغي حفظها، ولكن البعض ينظر لها على أنه قيمة سلبية، فعلى سبيل المثال الحرية، إذ تبدو قيمة لا يختلف عليها اثنان على أنها مثمنة، ولكن بعض المجتمعات ترى فيها فعلاً مناقضا لقيم أخرى، وخاصة حين ترتبط بواقع المرأة التي ينظر إلى تحررها على أنه خروج عن بعض القيم، فحريتها تعني خرقاً لهرمية ثقافية ما، وهذا ينسحب على حرية التعبير عن النفس، وبذلك لم نعد نملك اليقين بأنها جديرة بالبقاء أو التلاشي، ففي عالم عربي تسوده الفوضى والاقتتال، بالتجاور مع أثر مواقع التواصل الاجتماعي التي أفرزت سلوكيات جديدة لم تكن رائجة في أزمنة سابقة، فالمنافسة، والطموح، والوطنية، حين تتحول إلى فضاء عام تنتج كراهيات. 
بل إن مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت فهما جديدا للقيم بحيث بدأت تصاغ من خلال وعي جماهيري، وكما نعلم فإن الجماهير تفتقر للوعي النقدي حيث يمكن أن تتخلى عن عقلانيتها نتيجة الحماس الذي ينتج بفعل الحشود كما يشير جوستاف لوبون. 
ومن هنا فإن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت حشودا لا مرئية، تنطلق من عقل جمعي شديد الاضطراب، مما أوجد خللاً قيمياً، ومواجهات الكل بات فيها طرفاً، وهذا تعزز مع غياب المثقف الحقيقي القادر على توجيه الوعي الجمعي، مما أوجد خللا قيمياً أسهمت فيه مؤسسات الدولة التي تتبنى قيما مخالفة لقيم الشعوب التي تعاني من قلق قيمي كون كل فرد بات يملك تفسيرا خاصا به للخطأ والصواب. 

• التغير عملية معقدة 
وأكد الباحث في الشأن السياسي د. سامح فوزي أن القيم والثوابت أيا كانت لا تتغير بسهولة؛ وتحتاج الي مدى زمني طويل، وقال "السياسات تتغير لأنها نتاج تصورات صاحب القرار؛ ولكن تغير القيم عملية معقدة تدخل فيها عوامل متشابكة في مدي زمني طويل. 
أما أسباب تغير القيم فمتعددة ويصعب إحالتها لسبب واحد، مع الاعتراف باختلاف الأوزان النسبية للأسباب: أولها تحولات سياسية جذرية؛ مثل الصراعات والنزاعات التي تجبر الشخص علي تغيير نمط القيم. مثال دور المرأة في النزاعات يختلف عن دورها في السلم؛ وتضطر لأداء أدوار قد لا يقبل بها المجتمع في الأحوال العادية. 
ثانيا: التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة تؤدي الي تغيرات مثل ما حدث في مصر عقب الاخذ بالانفتاح الاقتصادي في السبعينيات الذي رافقه تحول في القيم التي كانت سائدة في الستينيات، حيث ظهر ذلك في أسلوب الحياة والفن والسكن وخلافه. 
ثالثا: التغيرات التقنية والتكنولوجية مثل سيادة ثقافة الشاشة مما أثر سلبا علي العلاقات الاجتماعية التي تقوم علي الاتصال المواجهي؛ وتحول متلقي الإعلام إلى مشارك فيه كما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وغيرها. 
رابعا: التغير في التعليم نتيجة الانفتاح علي مجتمعات أخرى مثلما حدث في مطلع القرن التاسع عشر في تجربة محمد علي؛ ومنها شيوع قيم جديدة منها المدنية والوطن وتعليم البنات كما ورد في كتابات رفاعة الطهطاوي. 
خامسا: صدمة الالتقاء بالآخر المتقدم مثلما حدث في العديد من التجارب الاستعمارية ومنها مثلا تجربة الحملة الفرنسية على مصر. 

• الارتطام بالواقع 
ورأت الروائية آن الصافي أنه تحت الضغوط الاقتصادية يتغير تركيب المجتمعات وتتغير الأعراف، حين يرتبط الأمر بالعلم والمناصب وتبادل الأدوار تحدث نوع من المرونة في سياج الممنوعات والمحظورات، كقبول الأسر في المجتمعات القبلية من زواج بناتها من طبقات اجتماعية أو إنتماءات قبلية مغايرة، وقبول عمل المرأة في وظائف ما طمحت أمهاتهن أو جداتهن بأن يحظين بها، كوظيفة قائدة طائرة مدنية أو عسكرية. 
وقالت: "إن تغيير الثقافة السائدة من أصعب الأمور ولكن يسهل فقط حين الإرتطام بواقع ومعطيات جديدة ما ألفها المجتمع سابقاً. منها تقنيات التواصل الحديثة وسهولة والتنقل بين الأمكنة والسفر ولتوفر المدن الحاملة للثقافات المتنوعة (الكوزموبوليتان) أياً كان سبب ارتحال وتلاقي هذه الثقافات بسبب اقتصادي أو أمني أو غير ذلك من أسباب تستدعي اتنقال الإنسان إلى أمكنة جديدة سعياً في أن تتوفر له أبواب الحياة الكريمة ما أمكن. 
هنا نجد أن المقاييس والمعايير تلتقي في شبكة من العلاقات الصانعة للقرار أو المؤثرة في مراكز صنع القرار فتحدث عمليات المساومات والتنازلات السهلة للحصول على المأرب. وقد تكون على حساب الأخلاقيات بدرجات متفاوتة، المهم أن هناك طرفين أو أطراف متشابكة تصل لأهدافها كما ينبغي. الحقيقة أن هذه الحلقة في تغيير الثوابت تنتج في تفكير الفرد وقراراته وتحور المجتمعات ديدن الإنسان منذ الأزل. 
وبشكل موضوعي هناك تحورات تثمر بخيرها لتعم حياة الإنسان ومجتمعه الجديد، وهناك من القيم والمثل ما قد يذبل إلى حد الاندثار وينتج عنه تأثير سلبي على حياة الفرد والمجتمع. نأمل في أن يكون الدوام للأكثر صلاحاً ويحقق التنافسية على المحور الإنساني أولاً وآخراً على مستوى المجموعة قبل الفرد وفي كل حقل. 

• الحالة المصرية 
ونفى الروائي والمترجم أحمد عبداللطيف أن يكون هناك تغير في القيم وأثبت أن ذلك يشكل زيادة في الوعي وقال: "أحدثك هنا عن الحالة المصرية، وأشير إلى ما نتج عن ثورة يناير تحديدًا، وبعد مرور عدة سنوات، قد يبدو ما يحدث كنوع من الاستقطاب أو الخلاف السياسي أو الانحيازات باعتبارها آثارا سلبية، لكن الحقيقة أنه حراك سيخلف وراءه قيمًا أكثر ذيوعًا. 
انظر مثلا إلى أسطورة الإخوان المسلمين التي تدمرت بمجرد توليهم السلطة، وانظر إلى شخصيات عامة تراجعت شعبيتها بمجرد وضعها في التجربة. إن ما فعلته ثورة يناير أنها فتحت العيون على قيم جديدة بالنسبة للبعض، لكنها كانت موجودة دون أن تجد سندا مجتمعيا، هذا التغير الأيديولوجي ليس معناه تغير في القيم، بل إدراك لحقوق المواطن والمواطنة والحق السياسي، حتى لو لم يتحقق بعد على أرض الواقع، إلا أنه تحقق على المستوى النظري، وهذا هو الأهم، لأن الفعل سيكون تاليا. الثورات والحروب تخلف وراءها التجربة، وبدون التجربة والخطأ لا تتعلم المجتمعات. 

• أزمة القيم في المغرب 
المفكر المغربي إدريس كثير تحدث عن أزمة القيم في المغرب قائلا "لا يمكن للمرء إلا أن يستاء مما يقع في المغرب مؤخرا، إنها حالة استُثناء غير معلنة أو الأصح معلنة بلغة أخرى غير اللغة القانونية. إننا استتناء في محيطنا لا نشبه إلا أنفسنا في الانتخابات، في الرياضة، في الأعياد، في التعليم، في الحب، في القتل، في الشذوذ. أصبحنا نمارس كل هذه الأنشطة والاستحقاقات وهذه التقاليد وهذه الابتلاءات بطريقة غريبة عنيفة. لمادا وكيف انفجر كل هذا الكبت فينا؟ 
هناك العديد من الأسباب المتضافرة فيما بينها لا محالة. لكن سأعزل سببا وجيها وعميقا هو في نظري السبب الرئيسي في هذه الثورة التي مست ذواتنا في حميميتها وعبثت بقيمنا على علاتها. سبب يملك من الشمولية والتأثير لا تملكه كل التقنيات الكلاسيكية، إنها شبكات التواصل الاجتماعي المعاصرة. ما أن غزت فضاءنا حتى تلمسنا أطرافنا واندلعت بوادر التغير والتحول الجذرية كالنار في الهشيم، معلوم أن لهذه الشبكات جوانب إيجابية وأخرى سلبية. الأولى ذات طابع تثقيفي تعليمي (غوغل..) والثانية ذات طابع ترفيهي قد يصل إلى حد التفاهة (الألعاب المختلفة ، البورنو..) للأسف هذا الجانب الأخير هو السائد والمنتشر الآن، أفسد ما هو فاسد في ثقافتنا وأفسد أخلاقنا ولغتنا. 
وأوضح أنه من القضايا التي زعزعتها الوسائطية السلطة، سلطة الأب، وسلطة الأستاذ، وسلطة الأمن، وسلطة النص، وسلطة المثقف وحتى سلطة السلطان. تلاشت وكادت تختفي هذه السلطة ولم نعد نهابها ولا نهاب شيئا فيها. أصبحنا نرى كل الممنوعات، ونقرأ كل المحظورات، ونكتب كل المرفوضات بفضل الوسائط. 
كانت السلطة قديما حين لا تتجاوز حدها تضمن أخلاقنا وتسند احترامنا وتدعم حبنا وتبجل إجلالنا. الآن تفسخت كل هذه القيم لأن الوسائط فضحت ركائزها وأبانت أن لا مبدأ يمكنه أن يقف مواجها احتياجها سوى العقل والعقلانية والنقد والنقدية. كل قيمنا تتأسس على الخوف والعاطفة والتقليد، وهي لا تصمد أمام كشف الحقائق وفضح المزاعم ورفع الإدعاءات. هذا التفكيك للبداهات يعد من أوليات نفي السلطة ونكرانها. كل السلطات تم تشتيتها وتفتيتها وكأن الوسائطية بثورتها هاته تدعو إلى ضرب من اللاسلطة. 

• العالم بصدد ثورة جديدة 
ويخلص الباحث د. إيهاب خليفة رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى أن العالم بصدد ثورة جديدة، لا تغير فقط من آلية عمل الأشياء، بل تغير من الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وإلى الأشياء من حولنا أيضاً، أي انها تؤثر على المنظور المعرفي والنسق القيمي الذي يحكم رؤية الإنسان لنفسه ولمن حوله وللعالم أجمع، وتظهر التحديات القيمية التي تطرحها هذه الثورة الصناعية الجديدة في عدة أمثلة، منها السيارة ذاتية القيادة، فماذا عن قيمة "العدالة" إذا قتلت هذه السيارة طفلاً أو أمرأة، هل سيتم محاسبة السائق الآلي أم صاحب السيارة أم الشركة المنتجة لها أم الدولة التي رصفت الطريق أم أن هناك شخصا آخر يتحمل المسئولية!، 
وماذا عن قيمة العمل حينما يحل الإنسان الآلي محل البشر في خطوط الإنتاج؟ وماذا عن قيمة "الخصوصية" في ظل قيام الأفراد بأنفسهم بوضع معلوماتهم الخاصة على الشبكات الاجتماعية؟ وماذا عن قيم "الأسرة" التي تم اختزالها في جروب على الواتس آب؟ وماذا عن قيم "السيادة" في ظل حصول شركات تكنولوجيا المعلومات على كافة مواطني الدول؟ وماذا عن قيم الولاء والانتماء في سرعة تغير الأجهزة والأدوات الإلكترونية، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الثورة الجديدة؟ فهل سيكون مصير محتوم على الأفراد أن يواجهوه بما يحمل في طياته من قيم مادية نفعية تصب في مصلحة المجتمعات الغربية المنتجة على حساب المجتمعات الاستهلاكية، فتزيد الغني غنىً وتزيد الفقير فقراً، أم أنها فرصة حقيقة لإعادة اكتشاف الذات، وقطع الصلة بالماضي العصيب وبداية المشاركة الحقيقة في إنتاج المعرفة البشرية؟ 

محمد الحمامصي 
28 /3 (آذار) 2018

22 مارس 2016

احتفاءً بيومه العالمي: شعراء يقرأون واقع حياتنا بقصائد الأيام

صفاء ذياب - MARCH 20, 2016

بغداد ـ «القدس العربي»:
ما الشعر في عالم وحشي كالذي نعيشه؟ وماذا يمكنه أن يفعل لنا حتى لو سعينا ضحينا بأرواحنا من أجل أن يبقى ناصعاً؟ هذان السؤالان يدوران الآن في أذهان أغلب الشعراء، غير أنهما يتناسلان لأسئلة من الصعب إحصاؤها وسط ما يحدث لنا.. فهل تراجع الشعر أمام إنسانيتنا المنهارة فعلاً، وترك منصته للرواية من أجل توثيق يومياتنا توثيقاً حقيقياً؟
ربما يمكننا أن نعيد قراءة واقعنا الشعري وقصيدتنا التي لن تكتمل في اليوم العالمي للشعر.. أسئلة لا نهاية لها، وشعراء يتكاثرون وسط خراب الأرض.

شرعية التعبير

إن مقاربة مسألة الشعر كانت وستبقى من المسائل الشائكة بحسب الشاعر اللبناني كامل فرحان صالح، إذ أربكت مؤرخي الأدب منذ طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته، وإعادة الاعتبار لهم مع أرسطو، ثم تفاقم الأمر مجددًا مع النصّ القرآني، عندما اتهم الشعراء بأنهم «يقولون ما لا يفعلون»، وصولاً إلى الشعر المعاصر اليوم، وما نشهده من تباين شديد بين التوجه الكلاسيكي (بمعناه السطحي)، والتوجه الحداثي (بمعناه الفوضوي)، فكيف بالحريّ إذا أراد المرء مقاربة «الشعر في عالم مضطرب مثل الذي نعيش فيه»؟ مضيفاً: مهما يكن من أمر، يمكن القول إن الشعر عامل من ضمن العوامل المساعدة على فهم الواقع وروحه، وتغييره إلى حدٍّ ما، أما في الحالة العربية الراهنة، فيحتاج المرء إلى التمهل قبل قول ذلك، إذ من هو الشاعر العربي المؤثر اليوم؟ في حقيقة الأمر، يصعب أن نجد إجماعًا على شاعر معين، وإذا أردنا الأخذ بتاريخ الشاعر وإنتاجه، وفاعليته ثقافيًّا واجتماعيًّا، يبرز إلى الذهن الشعراء: نزار قباني، محمود درويش، أدونيس؛ الأول مات قبل أن يعلنوا وفاة العرب، والثاني هجر البساطة إلى الرمزية الشعرية العالية، والثالث بدأ غريبًا وسينتهي غريبًا… ولا يرى صالح أن الشعر يحتاج إلى شرعية التعبير عن الواقع ليكون شعرًا، ولا الواقع يحتاج إلى الشعر ليكتسب شرعيته، وتحولاته؛ فربّ قصيدة عن الحبّ تهزّ مشاعر الأمة فرحًا، وربّ ثورة تنتصر، فتكون مهمتها الأولى رمي الشعراء في السجن.

صعود إلى السماء

4 فبراير 2015

الشاعر كامل صالح: ثمة ظلم واقع على قصيدة النثر اليوم

أجرى الحوار: طلال مرتضى
مجلة "شؤون جنوبية" العدد 153 اليوم 4/2/2015
مجلة شؤون جنوبية العدد 153 اليوم 4/2/2015  حوار مع الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح  - kamel farhan saleh
حوار مع د. كامل فرحان صالح - مجلة شؤون جنوبية - شباط 2015

حوار مع الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح وحديث شائق عن تجربته الشعرية والأعلامية.
تعالوا نقرأ سوياً "جنون الحكاية"، قبل أن يصل "كنّاس الكلام"، ترك لتوه "شوارع داخل الجسد" و"أحزان مرئية"، عن غير قصد.. ماذا يعني "حب خارج البرد"، حين تقف "الفصحى في مجابهة العامية" غير مكترثة بما جاء من كلام في "الشعر والدين"، لتومئ اللغة بأصابعها النبية، نحو ذلك القادم من معين البوح، تنادي، تنادي، ابنها: يا كامل "خذ ساقيك إلى النبع" وتعالى نغني.. الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح، أهلاً بك ضيفاً كريماً في مجلة شؤون جنوبية.

ــ "كان سعيد عقل يطرح نظرية جديدة في الشعر، وعقل بالنسبة لما قبله ثورة"، ما الذي كان يعنيه أنسي الحاج في هذا؟ 

* لا أعرف تحديدًا ما كان يعنيه أنسي الحاج في هذا. لكن أرى أن سعيد عقل نفسه؛ شعرًا وسلوكًا وفكرًا وحلمًا وجنونًا، هو "نظرية" يصعب أن تتكرر، إذ هناك مبدعون يدخلون في ابداعهم، فتقف أمامهم عاجزًا: أين الشعر؟ وأين الشاعر؟ لذا يشكل "كل" سعيد عقل حالة فريدة وخاصة في تاريخ الأدب العربي، وهو يعدّ من الكبار في هذا المجال. وإني لأعجب ممن يريد أن ينسف كل تاريخ سعيد عقل الابداعي لموقف سياسي أو "جنوني" اتخذه في يوم ما من حياته، فهؤلاء أدعوهم إلى

21 فبراير 2014

As-Safir Newspaper - أنسي الحاج : لا أعتنق شيئاً أتبع ندائي الداخلي : السفير الثقافي

As-Safir Newspaper - كامل صالح: "لا أعتنق شيئاً أتبع ندائي الداخلي" :: السفير الثقافي

حاوره: كامل صالح
 
أنسي الحاج


يعود عمر هذا الحوار غير المنشور مع الشاعر أنسي الحاج إلى خريف العام 1994، إذ التقيته آنذاك، أكثر من مرة في مكاتب جريدة "النهار" في الحمراء، قبل أن  تعود إلى وسط العاصمة، بهدف نشره في عمل أكاديمي. وقد أشرف أنسي نفسه على إعادة صياغته، وتحرير بعض جمله آنذاك.
تشعبت محاور اللقاء إلى أكثر من موضوع، فدار حول رأي أنسي بالشاعر يوسف الخال ودعوته إلى "اللغة العربية الحديثة"، وتجربة أنسي في ديوانه "لن"، وعلاقته بمجلة "شعر"، ونظرته الخاصة إلى الدور الذي أدته آنذاك، كما تطرق أنسي إلى الشاعر أدونيس وسبب تركه المجلة، ومفهومه الخاص للشعر الحديث عموماً وقصيدة النثر خصوصاً، وغيرها من العناوين. فإلى تفاصيل الحوار:

أكتب لغتي

دعا يوسف الخال إلى "اللغة العربية الحديثة"، التي كان شعارها "اقرأ كما تتكلم". ما رأيك أنت بهذه الدعوة، ولمَ لم تكن من أنصارها على الأقل، مع أنك مسكون بالتمرد؟

17 فبراير 2014

كامل فرحان صالح: شعر اليوم يحتاج إلى أطباء نفسيين



العربمحمد الحمامصي
[نُشر في 17/02/2014، العدد: 9472، ص(15)]




أبوظبي- بين ديوانه الرابع الجديد "خذ ساقيك إلى النبع" الصادر في القاهرة أخيرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وديوانه الثالث “كنّاس الكلام” الصادر عام 1993، عشرون عاما، لم ينفصل فيها الشاعر اللبناني كامل فرحان صالح عن الشعر، حيث واصلت القصيدة فرض حضورها بين الحين والآخر، وفي هذا الحوار، تسعى “العرب” إلى التعرّف على رؤى كامل فرحان صالح الشعرية والنقدية.
الحوار مع الشاعر كامل فرحان صالح كان لا بدّ أن يبدأ من المسافة الزمنية الفاصلة بين الديوان الجديد وسابقه، حيث أكد أنه طرح على نفسه هذا السؤال من قبل: «لماذا تأخرت 20 سنة لأصدر “خذ ساقيك إلى النبع″ بعد صدور “كنّاس الكلام” في العام 1993؟ وأنه لم يجد جوابا مقنعا لهذا التصرف “غير المبالي” من قبله، بالنشر».
وأضاف «قد يمكنني أن أقارب المسألة، بذاك الشخص الباحث عن “النص الكامل”، إلا أنه في كل خطوة كان يخطوها، كان يشعر بمدى النقصان فيه، وكأن الهدف الخفي من السير قدما نحو الكمال-المعرفة، هو أن تدرك مدى نقصانك-جهلك، إذ يصبح معادل الكمال-المعرفة هو في الوقت نفسه، مقدار معرفتك أنك لا تعلم. وهكذا، كانت النصوص تتكدس مع مرور الوقت، برغم توقفي أحيانا عن الكتابة لأكثر من 6 أشهر متواصلة، فمنها ما ضاع، والكثير منها لم ينشر في هذا الديوان».
ورأى أنه

22 يناير 2014

كامل صالح: مدرسة نقاء النوع سقطت، ونحن اليوم نتجه إلى العودة نحو النوع الأول في الوجود، أي الشعر، إنما بكثير من الدماء والجثث والتعب

 كامل فرحان صالح .. من مقام الأنثى إلى 'خذ ساقيك إلى النبع'

 الشاعر اللبناني: مدرسة 'نقاء النوع' سقطت، ونحن اليوم نتجه إلى العودة نحو النوع الأول في الوجود، أي الشعر، إنما بكثير من 'الدماء' و'الجثث' و'التعب'. 

 بقلم: محمد الحمامصي

د. كامل فرحان صالح

 

بين ديوانه الرابع الجديد "خذ ساقيك إلى النبع" الصادر في القاهرة حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وديوانه الثالث "كناس الكلام" الصادر عام 1993، عشرون عاما، لم ينفصل فيها الشاعر اللبناني كامل فرحان صالح عن الشعر، حيث واصلت القصيدة فرض حضورها بين الحين والآخر، وذلك وسط سطوة السرد الروائي والدرس النقدي، وعلى الرغم من الجهد الواضح في ترتيب القصائد التي ضمّها الديوان الجديد وكتبت ما بين 1993 و2013 لكن تفاوتات الرؤية واللغة والتشكيل كانت واضحة، وإن لم تطغ على خصوصية النسيج وقدرة مفرداته وموضوعه المحتفي بينابيع الحب، وتجليات الأنثى المطاردة من الأنا الشاعرة.
من أعمال الكاتب الشعرية "أحزان مرئية" (1985)، "شوارع داخل الجسد" (1991)، "كنّاس الكلام" (1993)، أما في الرواية فله "جنون الحكاية" (2000)، و"حب خارج البرد" (2010)، كما صدرت أطروحته للدكتوراه في

28 يوليو 2013

شاعر وقصيدة: لقاء مع الشاعر كامل صالح

حاوره: كاظم عكر
kamel farhan saleh

نعرفه صحفيا عريقا وعتيقا ونعرفه أكثر في مجال الشعر والأدب , رائد الامسيات الشعرية في بيروت والوطن العربي ناشط على مستوى الثقافة والادب في لبنان و الخارج , عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين وفي المجلس الثقافي للبنان الجنوبي آثاره موزعة بين الشعر والرواية فكتب في الشعر "أحزان مرئية" وغيرها ما سنتعرف عليه خلال الحوار , في الرواية كتب  "جنون حكاية " و "حب خارج البرد".
نشاطاته في مجال الشعر والادب كثيرة ومشاركاته في الامسيات والندوات لا تحصى , يليق به الشعر فيكتب في البيان سِحر وفي القصيدة ألف لغة جديدة.
إنه الشاعر الدكتور كامل صالح .. وهذا الحوار:

- الشاعر والصحافي كامل فرحان صالح عرّفنا عن نفسك من أنت في مجال الشعر، وفي مجال الإعلام والصحافة ؟


7 مارس 2013

ليست بفعل حدث خارق

د. كامل فرحان صالح


اللّحظة الأولى في الكتابة الإبداعيّة هي نتيجة تراكم معرفيّ وثقافيّ، والتّوهّم أنّ هذه اللّحظة هي بفعل حدث خارق، لا أراه صائبًا. فعل اللّحظة الأولى- برأيي وكما أعيشها في الكتابة– لحظة تسرّب هذا التّراكم على الورق متقاطعًا مع الحالة، وتقاطع التّراكم/ الحالة يخلق ما يسمّى لحظة البرق الأولى، لكن هذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ المطر/ النّصّ الإبداعيّ محقّق، إذ ربّما لا تكون هناك سوى كلمة أو جملة يتيمة، وربّما هناك نصّ يضجّ بتدافع. فسؤال الكتابة سؤال فعل الحياة، أو بمعنى أدقّ فعل الخلق، فأحيانًا يكون هذا الفعل سيّئًا أو "ولدًا ملعونًا"، وأحيانًا يجيء بالبشارة والأمل. وبرأيي لا معنى للكتابة خارج إنسانيّتي/ خارج "أناي" الّتي من خلالها أطلّ على هذه الكرة الأرضيّة وسكّانها.
عندما أمارس الكتابة أجدني أعطي من روحي وجسدي، لكن أشعر أحيانًا أنّ بعض ما أكتبه لا يليق بما كنت أريد التّعبير عنه، فأرمي ما سطّرته جانبًا وأنساه، وإذا كان يستحقّ الحضور فإنّه ينسلّ بين كلمات قصيدة أو مقالة أو رواية أو صياغة خبر صحفيّ. لا بدّ أن يخرج إذا نضج، ولعلّني أذكر أنّ كلّ قصائدي القليلة الّتي كتبتها في السّنوات الخمس الأخيرة كانت تهرّ منّي قبل أن أسكنها في بياضها، فتجدني أصرخ بكلمة ما، وتصبح عندي كالثّيمة، فتهطل أثناء محادثتي لأحد الأصدقاء أو زوجتي أو وأنا أشاهد التّلفزيون، أشعر أنّ شيئًا ما يزنّ في رأسي، في جسدي، يريد الانعتاق..
مرّات ألملمها عن كتفي، عن صدري، عن خدي، مرّات أرى الكلمات تنساب من صحن الطّعام، إنّها حالة التّوتّر القصوى، ساعتئذٍ، أجلس كمن يتهيّأ للصّلاة وأكتب، أحبَط مرّات حيث يكون الحمل وهمًا فأضحك من نفسي، من هواجسي، من رؤاي، وأنتظر أيّامًا أخرى. وأحيانًا ينهمر كلّ شيء دفعة واحدة، وأعجز عن اللّحاق بالكلمات. هي هكذا، هي الكتابة المؤلمة دائمًا بحضورها وغيابها. فمرّات كثيرة تلحظ أنّ القصيدة كانت تسكنك دون أن تدري، وعندما تخرج منك تصاب بحالة سكون ودهشة، وانطلاقًا منها تشرف على درب آخر للكتابة، هذه الكتابة السّاكنة في فيء العزلة.
(لبنان)
* نشرت في كتاب: الإشراقة المجنحة: لحظة البيت الأول من القصيدة  (شهادات) - محمد حلمي الريشة، آمال عواد رضوان، الطبعة الأولى 2007

7 يناير 2011

مثقفو لبنان بين الضمير وانفصام الوعي

 علا البوش ـ بيروت

الكاتب الصحافي والشاعر كامل صالح: العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة تكاملية  (الجزيرة نت)
 المصدر: الجزيرة
ساهمت الحرب الأهلية في لبنان بظروفها السياسية والطائفية المعقّدة -إضافة إلى العوامل الاقتصادية والنفسية- في بروز الكائن الفرد، وتمثيله الحصري لمصالح طائفته، وانعكست على المثقفين اللبنانيين بشكل واضح، إذ ساعدت في بروز اتجاهات تحاول مأسسة نفسها وإيجاد هيمنة متماسكة ومتسلطة بشكل متزايد، رهناً للتطوّرات تحت شعار الديمقراطية.
وكما قال المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في "دفاتر السجن"، "بإمكان المرء القول إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع". والمثقفون بالنسبة لـغرامشي صنفان، الصنف الأول: مثقفون تقليديون مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل.
أما الصنف الثاني فهم: المثقفون العُضْويّون، وهم المرتبطون على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة.
وهو ما أكده الراحل إدوارد سعيد في كتابه "صورة المثقف"، بقوله إن المثقف المثالي يمثل التحرر والتنور، على ألا يكونا أبداً كفكرتين تجريديتين أو كإلهين جامديْ القلب ومتباعدين ينتظران من يخدمهما. فتمثيلات المثقف –أي ما يمثله من آراء وكيف يصورها لجمهوره– مرتبطة دائماً بتجربة دائمة في المجتمع، ويجب أن تظل جزءًا عضوياً.
سؤال المثقف
وفي لبنان يثار السؤال عن المثقف ودوره كلما تأزم الوضع السياسي، فقد شهدت الساحة اللبنانية مؤخرا جدلا حول البيان الذي نسب إلى الشاعر والإعلامي زاهي وهبي، وتداولته بعض المواقع الإلكترونية، وقيل إنه أعلن فيه استقالته من تلفزيون المستقبل المملوك للحريري، وتوقّف برنامجه الناجح الذي استمر 15 عاما "خليك بالبيت", وانتقاله إلى المعسكر الداعم للمقاومة.
هذا الجدل أثار بقوة قضية الانحياز السياسي للمثقفين، خصوصا في بلد يعج بالسياسة والثقافة معا.
الإعلامي وهبي نفى للجزيرة نت صحة الخبر ونسبة البيان إليه، وقال "شخصياً -وبعد تجربة طويلة في العمل الثقافي تمتد على مساحة عمر بأكمله- أعتبر نفسي شاعراً ينتمي لقصيدته قبل أي أمر آخر, لكن الانتماء إلى الشعر أو إلى أي إبداع حقيقي يعني تلقائياً الانتماء إلى قيم الحق والخير والجمال، والانتصار للحرية والعدل والمساواة، والنأي عن التعصب والانغلاق, والقبول بحق الاختلاف"، انطلاقاً من مقولة الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأضاف "هذه قاعدتي في النظر إلى آرائي و آراء الآخرين، مع تأكيد انحيازي المطلق لصف المُضطهَدين والمظلومين والمقاومين لأجل تحرير أرضهم من نير الاحتلال والاستبداد، سواء أكانوا في فلسطين, أو العراق, أو لبنان, أو في أي مكان".
وكان زاهي قد كتب في صفحته على "فيسبوك" بالإنترنت أن أي أمر يتعلّق ببرنامجه يصدر عنه مباشرة، وأن محبة الناس تزيده إصراراً على تقديم كل ما يمكنه أن يسهم في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور.
صنّاع الضمير
أمّا عن دور المثقّف اللبناني في الحياة العامة, فيقول وهبي "المثقف مصطلح واسع ومطاط يشمل شرائح كبيرة من الناس, والمثقف مواطن وإنسان من حقه الانتماء أو عدم الانتماء لما أو لمن يشاء, ولكن إذا كان المقصود بالمثقف الأديب أو الفنان, فإنه يغدو في هذه الحالة من صنّاع الضمير والوعي والوجدان".
ويتابع "لذا الأجدى والأصح أن يظل حراً مستقلاً وعلى مسافة من الجميع, ويحرص على حقه النقدي للجميع وبالأخص لمن يؤيد قبل مَن يخاصم, لأن نقده في هذه الحالة يغدو أكثر نزاهة وموضوعية".
ويرى وهبي أنه يجب "على المثقف الذي يعمل هنا أو هناك أن يسعى ويجهد لرفع سقف الحرية وتوسيع هامش حق الاختلاف، وعدم التحوّل بوقاً لأي كان، لأن صفته ودوره الإبداعييْن أرقى وأسمى من ذلك بكثير".
ضمائر "إنشائية"
ومن جهته يرى الكاتب الصحافي والشاعر اللبناني د. كامل صالح أن الانحياز السياسي هو موقف ثقافي، فضلا عن كونه موقفا أيديولوجياً, وأن العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة تكاملية. ويقول في حديثه للجزيرة نت إنه لا يمكن بناء "سياسة" ما من دون أسس ثقافية تربطها بالتاريخ والحاضر والمستقبل.
ويلاحظ في هذا السياق، أن كل الأحزاب تهتم بالمراكز الثقافية، والندوات التثقيفية، وسعيها إلى امتلاك وسيلة تعبير؛ جريدة، إذاعة، تلفزيون، موقع إلكتروني.. و"ما هذه الوسائل إلا وجه من وجوه الثقافة أيضا". مضيفاً أن "الانحياز أو التطرف أو الاعتدال هو ثقافة، وتاليا من يروجون لذلك هم بالضرورة مثقفون، وليس بالضرورة أن ترتبط المسألة بالمال، وقد أثبتت التجارب أن الكثير من المثقفين فعلوا ذلك إيمانا منهم بهذه السياسة".
ويبرهن صالح على نظرته تلك بقوله "في حالتنا اللبنانية، كل الأطراف تمتلك المال، وأمام المثقف خيار الانتماء إلى أي طرف في المعادلة والدفاع عنه، والتنظير لأهدافه وتطلعاته، وصوابية توجهه". أما عن مسألة ضمائر الأمة فيؤكد أنها بلا شك، "إنشائية جميلة جدا"، وطوباوية لم تكن -حسب رأيه- موجودة يوما من الأيام، وهذا "الضمير" كان دائما موضع سؤال، حسب قوله.
عبء ثقيل
أما الكاتب والصحافي اللبناني حسين حسون فيرى أنه ليس من الضروري أن يكون جميع المثقفين اللبنانيين منحازين سياسيا لهذا الطرف أو ذاك، ويقول "إذا حصرنا كلامنا في المثقفين المنحازين سياسيا أو لنقل المسيسين، فلهذا الأمر أكثر من سبب، ومن بينها أن هناك مثقفين مؤدلجين سياسيا، أي أنهم يعتنقون أيديولوجية ما تجعلهم يتوزعون على الأحزاب، كل حسب قناعته السياسية، وكل مثقف في هذه الحالة سيسخّر مخزونه الثقافي في خدمة مبدئه أو مفهومه السياسي".
ويشير حسون إلى أن هناك فئة من المثقفين تعتاش من خلال ما تقدمه من خدمات لصالح أطراف سياسية، حيث "هناك مثقفون يعملون في دوائر إعلامية أو ثقافية أو حتى سياسية تابعة لأطراف حزبية أو سياسية، ويفرض عليها عملها أن تستخدم حرفتها الثقافية -إذا صح التعبير- في الإطار الوظيفي، أي في ما أسندت إليهم من وظائف يعملون فيها".
ويصف حسون تلك الحالة بأنها "تسخير الثقافة في خدمة الوظيفة"، ويضيف "مع أن العكس يجب أن يكون في الأوضاع الطبيعية. وهناك فئة أخرى من المثقفين الذين كانت العصبيات الطائفية والمذهبية أقوى منهم، فسحبتهم طوائفهم ومذاهبهم إليها بدلا من أن يكون أساسهم الثقافي عاملا موحدا لا فئويا ولا طائفيا"، موضّحاً أن هذه الفئة تحاول تطويع الثقافة في خدمة المشاريع الطائفية أو المذهبية.
ويؤكد حسون أن الثقافة تشظت في لبنان بسبب الانفجارات السياسية والانتفاخ الطائفي والمذهبي، وأصبحت هناك فئات من المثقفين تعمل وفق ما تقتضيه السياسة، وليس وفق ما يقتضيه المفهوم الوطني بشموليته.
ويلفت إلى أن البلاد تفتقر إلى نموذج السياسي المثقف، حيث إن معظم القيادات السياسية "تعمل لترسيخ مكانتها الطائفية أو المذهبية، وهذا لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال منطلقا من ذهنية ثقافية واعية لخطورة ما يتعرض له البلد من تدمير منهجي للبنية الثقافية، منذ بدء الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا".
طعم آخر
من جهتها تذهب الكاتبة والصحفية اللبنانية روعة قاسم إلى أنه لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة، فهما مرتبطان بالشأن اليومي الحياتي لأي فرد سواء كان مثقفا فاعلا في مجتمعه أم مهمشا محدود الفكر والعلم.
وتقول في حديثها للجزيرة نت "السياسة اليوم وفي كل بلدان العالم هي التي تدير الشأن العام، وحتى قرارات السلم والحرب التي تغير وجه المعمورة مرتبطة بالعصا السحرية للسياسة، فبالتالي لا يمكن أن يكون هناك مثقف لا يعنى بالشأن السياسي فحينها يكون بعيدا عن هموم واقعه وقضاياه".
وتضيف "إذا نظرنا مثلا إلى فرنسا فسنجد أن أحد أكبر سياسييها ومثقفيها وهو الأديب ورئيس الحكومة الأسبق دومينيك دوفيلبان مثال للمثقف الواعي، وهو الذي يسخر طاقاته الفكرية وعلومه وآفاقه الثقافية في عجينة السياسة. وهنالك الكثير من الساسة المثقفين في العالم، من أمثال رئيس الوزراء البريطاني الراحل تشرشل الذي كان أديبا ورساما، وكان له تأثير كبير على حركية التاريخ".
أما بالنسبة للبنان فالثقافة على حد قولها لها "طعم آخر"، إذ باتت ملتصقة التصاقا تاما بالطائفية والفئوية والمناطقية، وشتى أصناف التمييز الديني والفكري وحتى الإثني. وتؤكد أن عدم الانخراط في هذه اللعبة يجعل المثقف منعزلا عن محيطه في غربة فكرية قسرية، لافتة إلى أن غيابه سيترك الميدان للجهلة والطائفيين ليرتعوا في الحقل السياسي فرادى، وهو ما ينعكس حروبا أهلية ولعنات على لبنان.
وأوضحت أن "المثقف الواعي يسعى ليجابه طواحين الجهل، ويرفع من مستوى التحصيل العلمي بدل أن تكون هناك مدن بأكملها في بلد الإشعاع لبنان تتحكم فيها أرقام فضائحية عن تفشي ظاهرة الأميين".
وشددت الكاتبة اللبنانية على أن المثقف اللبناني قد "همّش نفسه ورهنها لسياسييه لعدم مبادرته في القرار السياسي، وأصبح يلهث وراء سياسييه أو طائفته ليجد له موقعا أو سندا، سعيا وراء لقمة العيش".

الثلاثاء 29/1/1432 هـ - الموافق 4/1/2011 م
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7EFE8722-9388-4FA7-8449-54D3F0F02F8D.htm

19 مارس 2009

إلغاء متبادل «‏بعضلات» المصطلحات الثقيلة

ايلاف - GMT 21:45:00 2007 الأحد 16 ديسمبر

خلف علي الخلف:
رأى بعض الكتاب العرب أن ثمة فارقاً حاسماً أصبح واضحاً لصالح الأطراف، التي منها دول الخليج العربية. وفق التقسيمات المعهودة للعالم العربي كمراكز وأطراف، وهذا الفارق ليس فقط بسبب «‏صعود» الاطراف؛ بل إنه يلحظ أيضاً تآكل الدول التي كان ينظر إليها بوصفها "مركز" ثقافياً وسياسياً. ولخص بعضهم إشكالية النظرة المتبادلة بين الكتاب العرب وأقرانهم الخليجين بأنها نتاج سياسة لم تنظم حياة ‏البشر وفق القانون والإنتاج واحترام الآخر. كما أن الاشتباك بين الضفتين لا يخرج في الغالب عن سياقات ‏«‏الردح» بالتعبير المصري الدارج...وكانت إيلاف قد توجهت لعدد من الكتاب العرب حول إشكالية النظرة المتبادلة بين الكتاب العرب والكتاب الخليجين وسوء الفهم الذي يشوبها... في الجزء الأول تحدث عددا من الكتاب السعوديين حول هذه الأشكالية؛ وفي الجزء الثاني تحدث عدد من الكتاب من دول عربية مختلفة، وفي الحزء الأخير هذا يتحدث كتاب عرب آخرون. وقد آثرنا أن يكون بعضهم مقيماً في الخليج. وقد جاء في محور إيلاف الموجه للكتاب العرب «هناك دائما سوء فهم بين الكتاب العرب وكتاب الخليج عموما، ويبدو متعمداً في كثير من الأحيان. ففيما هناك تصور ذهني لدى الكاتب العربي بالعموم أن الخليج بلاد شاسعة من النفط والدولارات والرفاهية، والتخلف أيضا فإن هذا التصور ينتج استغرابا شديدا لديه وهو يقرأ اعمالا ابداعية مميزة من هذه البلدان، بل لا نغالي أنه يصاب بالدهشة! لأنها تكسر له مستقراً ذهنيا تكرّس مع اجتياح الاعلام التقدمي للعالم العربي في بداية عصر ‏«‏الثورات‏»‏ العربية ووسمه لهذه البلدان بالرجعية ليصبح كل ما يصدر عنها لا يمكنه الخروج من تحت هذه اليافطة... على الجانب الآخر هناك حساسية شديدة من قبل مثقفي الخليج اتجاه الكاتب العربي بأنه صوت عالي يضمر حقدا دفينا على شعوب هذه المنطقة، بسبب البحبوحة التي يعيشون فيها والتي جاءت مع ارتفاع المداخيل النفطية، وان الكاتب العربي لا يكتب إلا تحت هذا الضغط النفسي للحقد... وعندما يكتب غير ذلك فهو مأجور طامع بالمال، ومرتزق ليس إلا.. هناك نماذج كثيرة من الكتابات المدونة تفي بالغرض للاستشهاد ونحن هنا نتحدث عن كتل المثقفين التي تطلق شعارات التنوير والحداثة والأمة والـ... وفي لحظة التجاذب تعود -في الطرفين- الى جغرافية الانتماء، ولندع الانتماء متوقفا عند التسميات المعاصرة للدول العربية الناجزة، إذ أن هناك انتماءات لما قبل الدولة تظهر لدى المثقفين في تجاذباتهم داخل كل دولة على حدة. هل يمكن عقلنة هذه التصورات والوصول الى فهم مشترك.. فهم عام يستند الى اسس عقلانية في فهم خصائص كل منطقة، تتجاهل المستقر الذهني الاعلامي المؤسس ايديولوجيا أو شعارتيا أو جغرافياً أو قبائلياً، وتنحو باتجاه الوقائع الماثلة والفهم المستند الى قراءة النص نفسه أيّاً يكن هذا النص، بعيداً عن اسقاطاتنا الذاتية عليه وتأويله على نحو ما نريد قوله لا ما يقوله.. كيف لنا أن نتقدم باتجاه الانساني المشترك، والمشترك ليس بين شعوب المنطقة فحسب بل مع كل شعوب الدنيا. إنها مائدة للحوار بعيدا عن الشعاراتية التي تسم اللقاءات العربية الثقافية؛ الواقعية أو المتلفزة والتي ترطن بأننا شعب واحد، لغة واحدة... والحوار هنا ينطلق من رؤية تنظر للثقافة على أنها بالضرورة عابرة للقطرية...» هنا الجزء الثالث والأخير ولانزعم بكل الاحوال أنه تمت الإحاطة بالقضية بشكل يوفيها حقها من كل الجوانب؛ إذ لازلنا نعتقد أن ‏«‏سقف» المكتوب هو أقل من الشفاهي المتداول حول هذه الأمر، لكن هناك حسابات خاصة وعامة تجعل الخوض في هذه القضية بسقف مفتوح أمر لازال بعيداً. ونأمل أن نستكمل جوانب أخرى منها لاحقاً.
د. كامل صالح (شاعر وصحافي لبناني مقيم في السعودية)‏:
لا ابداع مع "العقلنة"‏

• تتسم الاشكالية المطروحة هنا في جانب كبير منها، بحفريات نفسية، إذا ‏صح التعبير، كما لا يستبعد الجانب الأخلاقي من هكذا مقاربات، لكن هل ‏المنتظر تقديم طروحات في هذين الجانبين؟ أو الوقوف على المسألة بجانبها ‏الظاهر من خلال صياغة الاشكالية التي اتسعت وتشعبت بهدف الوصول ‏الى ما خططت له سلفا؟ ‏• الانفعال الغريزي في مقاربة الاشكالية يدفع المرء إلى اتخاذ الجانب الحاد ‏منها سلبا غالبا، وبذلك يكون المجيب استجاب إلى الأهداف الخفية المنثورة ‏في مساحة السؤال المتشعب رغم وضوحه.‏• ماذا نعني بسؤال: هل يمكن عقلنة هذه التصورات والوصول الى فهم ‏مشترك؟ بعيدا عن طبيعة البراءة الظاهرة هنا، يمكن طرح مقاربة أخرى، ‏هل يبقى معنى للابداع إذا وضعنا العقلانية مسبقا أمام أعيننا؟ فالابداع هو ‏الابداع ان في تناوله لعوالم بنّاءة أو هدامة، والأمثلة التي يمكن ايرادها ‏كثيرة ووافرة وفرة الابداع الإنساني منذ عصور الكهوف إلى القرية ‏الصغيرة. فهذه المساحات التي يكشفها الابداع في تنوعه كافة أضاء جوانب ‏مختلفة عن شرائح بشرية في علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ‏والدينية والعنصرية والحضارية، فالابداع هذا كان صادقا في تقديم المشهد ‏بمسطحاته ونتوءاته، وعندما كان هذا الابداع ينحو نحو "العقلانية" كان ‏يعجز عن عبور بوابة الخلود، وبالتالي يسقط، ولن ندخل هنا في أسباب ‏ذلك. ‏• لماذا نقول كل هذا؟ وهل قاربنا الاشكالية المطروحة؟ أقول: إن العمل أو ‏السعي إلى عقلنة هذه التصورات في الكتابات الابداعية بين الجانبين: ‏العربي والخليجي مسبقا، توصل برأيي إلى الـ "لا ابداع"، وتخنق إلى حد ‏كبير متعة التأويل التي تطلق القارئ إلى أبعاد ترتسم وفق فهمه، وهي تتباين ‏من قارئ إلى آخر.‏• آمل أن نعرف كيف نغتني من تمايزاتنا، واختلافاتنا، وحتى من "سوء الفهم" ‏من خلال ابداعاتنا بدلا من السعي إلى "عقلنتها".‏

28 فبراير 2009

الشاعر كامل صالح: القلق طاقة عظيمة للإبداع مقروناً بالسؤال العارف

"فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي" أطروحته للدكتوراه

حاوره: وليد علاء الدين

حصل الشاعر والروائي الناقد اللبناني كامل فرحان صالح اخيراً على درجة الدكتوراه عن أطروحته المثيرة للجدل “الشعر والدين، فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي”، التي استعرض فيها للعلاقة بين الديني والشعري في الشعر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى الشعر العربي المعاصر، وخلص منها إلى أن الدين والشعر كانا في العصور القديمة ضمن إطار واحد، فالنص الديني هو نص شعري، والعكس صحيح، لكن ظهور الإسلام، أدى إلى الفصل بينهما، وسلط الضوء على نتائج ذلك الفصل في الشكل والمضمون، ومحاولات الخروج عليه والأشكال التي أسفرت عنه
ا تلك المحاولات قديماً وحديثاً. ويرى كامل صالح أن كل تحركات الشعر العربي صعوداً وهبوطاً خرجت من ذلك الفصل، كانشغال الشعر بالكشف والرؤيا والاستشراف، واتساع مساحة ال(أنا) لتكون ال(نحن)، وتوحد دور الشاعر مع دور النبي، وذلك الاتكاء الحاد على النص الديني لتحويره كي يوافق خطاب الشاعر في لباس النبي وموقفه ومفهومه. مشيراً إلى محاولات بدر شاكر السياب وأمل دنقل وخليل حاوي ويوسف الخال وأدونيس وغيرهم. مؤكداً أن الدائرة التي انقطعت عادت لتتصل بين النصين الديني والشعري. بالإضافة إلى انشغالاته البحثية يمارس كامل صالح العمل الصحافي، والكتابة الإبداعية وله في الشعر: “أحزان مرئية” دار الحداثة ،1985 “شوارع داخل الجسد” دار الهيثم ،1991 و”كنّاس الكلام”- دار الحداثة ،1993 وفي الرواية: “جنون الحكاية”. دار الحداثة- ،2000 وله تحت الطبع : مقام الأنثى شعر، هنا حوار معه حول أطروحته الأخيرة وتجربته في الشعر والرواية:
تطرقت في أطروحتك لنيل درجة الدكتوراه إلى فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي، واستعرضت العلاقة بين الديني والشعري في الشعر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى الشعر العربي المعاصر، هل يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصلت إليها خلال تلك الدراسة؟
- بإيجاز شديد، يمكن القول إن الدين والشعر كانا في العصور القديمة ضمن إطار واحد، فالنص الديني هو

17 يناير 2009

الدكتور كامل صالح: تعامل الشعر مع النصوص الدينية بحرية كاملة ولم يخضع لسياقها


الاتكاء على الإبداع الغربي دفع إلى بروز الرموز المسيحية في الشعر العربي

- جدة: حليمة مظفر
- صدر أخيراً للكاتب اللبناني الدكتور كامل فرحان صالح «الشعر والدين/ فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي»، عن دار الحداثة ببيروت، تناول فيه علاقة الشعر بالدين، التي وجدها شائكة ومتشابكة إلى حد بعيد بل ومتداخلة باعتبار وظائفها الاجتماعية. المتسلحة بنوع من قداسة الكلمة/الشعر.
هنا حوار معه على هامش الكتاب:
يرى مؤلف «الشعر والدين» أنه من خلال العودة إلى تاريخ المجتمعات البشرية في مراحل تكونها الأولى، يتمظهر مظهر التشابك بين الدين والشعر من خلال دور الساحر الذي مهد الطريق لظهور طبقة الكهنة
ويقول ان هذه الطبقة من الكهان، استناداً إلى أرنولد هاوزر في كتابه «الفن والمجتمع عبر التاريخ»، قد طورت من صلواتها وطقوسها لتشمل التمثيل والرقص والغناء ورسم اللوحات، ومن ثم أخذت تضيف إليها من التعقيدات ما يجعلها غير قابلة لفهم العامة تعميقا لسلطتها الاجتماعية. ويقول: «مع مرحلة التخصص التي يتطلبها المجتمع بحكم التطور، انفصلت الامكانات التي كان يجمعها شخص واحد إلى وظائف عدة، وهكذا بدأ الفن/الشعر ينفصل عن الدين مرة أخرى، بعد أن تعلم في حضنه السمو والتحليق».
ولكن هل هناك فاعلية في هذه العلاقة؟ يجيب عن ذلك بقوله: «فاعلية الارتباط الوثيق بين الدين والفن بشكل عام، والشعر بوجه خاص، ظلت تلازم تطور المجتمعات البشرية، وبالتالي تطورهما نفسيهما، في اتجاه الفصل بينهما، أو تمايز الفن والشعر عن الدين باعتباره نشاطا أو فاعلية مستقلة، ويمكن أن يظهر هذا واضحا في الأديان الكبرى، سماوية كانت أو غير سماوية».
ويستشهد المؤلف بوجود النصوص الدينية المقدسة التي بها العديد من المقاطع والأجزاء الشعرية، مثلما لاحظ ذلك في العهد القديم: أيوب، داود، سليمان، وأرميا صاحب المراثي، وهم ممن يجمعون بين النبوة والشعر، ويقول عنهم: «لقد تميزت أسفارهم في الكتاب المقدس بشعرية عالية الرقي الفني، ولكن قبلهم تم العثور على صلوات هي عبارة عن نصوص شعرية لاخناتون صاغها للشمس شعرا راقيا».
ويصل من خلال كتابه إلى استنتاج «ان الانفصال بين الدين والشعر العربي اتخذ المسار اليوناني عينه. ويبدو أن هناك آلية واحدة تكررت في المجتمعات والحضارات والثقافات كافة، طالما أن نشأة الفنون جميعها ارتبطت بالدين والممارسات الشعائرية».
ويضيف الدكتور كامل: «لقد استطاع الفن/ الشعر من خلال انفصاله عن الدين أن يستشرف آفاقا، أو يفتح أخرى أمامه، فأخذ الشاعر من الدين قدسية الكلمة وسحريتها، والاعتقاد في تأثيرها، كما أخذ معه من الدين بذرة الأسطورة، بما أن الأسطورة هي ذلك الجزء الناطق والممثل من الشعائر الطقوسية البدائية».
ومن خلال دراسته البحثية، أوضح تلك العلاقة التي ترتبط بين النص الديني المقدس وبين الشعر نفسه، خاصة فيما يتعلق بالقرآن الكريم «على عكس التوراة، التي كانت في أغلبها نصوصا شعرية، والإنجيل الذي لم يبد رأيا في الشعر، وإن جاءت أغلب قصصه، ومواقف المسيح عيسى عليه السلام، وحكمه، في قالب شعري».
ما هي طبيعة هذا العلاقة بالضبط؟
يقول: «تبدو علاقة القرآن بالشعر أكثر توترا وغموضا، وانعكس ذلك في الاجتهادات الفقهية، ليس تجاه الشعر وحده، بل وسائر الفنون، وقد تراجع الشعر مع الإسلام، الذي أبدى شيئا من التحفظ على الممارسة الشعرية، ووضع لها شروطا، وحدد لها حدودا، فسادت وسيطرت سلطة النص القرآني المقدس بصورة مطلقة على كل قول، واكتفى الشعر بهامش ترديد صدى التعاليم الإسلامية، أو لاذ بهامش الهرطقة والمجون ليعبر عن نفسه، إلا إن ذلك لم يحُل دون تأثير النص القرآني في الشعر العربي بشكل ايجابي فيما بعد وقد تبدى هذا التأثير متنوعا، متخذا أكثر من شكل».
ويجد كامل أن الشاعر باعتباره وريثا للرائي والعرّاف، يمنح لنفسه وللشعر سلطة التصرف في التاريخ والنصوص الدينية المقدسة، لأنه أصبح فاعلية اجتماعية موازية للدين، ليست أقل ولا أكثر منه، ولكنها فاعلية ذات آليات منفصلة وخاصة. فالشعر مثله في ذلك مثل كل الفنون الأدبية، يعالج التاريخ معالجة أسطورية، على نحو خاص، فلا ينظر إلى البطل التاريخي والأحداث في ضوء الحقائق التاريخية، والوثائق المعروفة، بل إن الرؤية الفنية للشاعر تتجاوز ذلك الإطار الواقعي، وتلك الدلالة المحدودة، إلى دائرة خيالية تتحرك فيها الحوادث والأبطال، كما تتحرك في عالم الأسطورة، لتتيح للشاعر أن يبث من خلال ذلك العالم ما يريده من غايات إنسانية دفينة، وأن يتخذ من الشخصية التاريخية قناعا لفكره، وبهذه النظرة الفنية ينظر الشاعر إلى الكتب المقدسة، وإلى ما جاء فيها من قصص.
وعن تعامل الشعر مع هذه النصوص الدينية، يقول المؤلف: «لقد اتسم بالحرية الكاملة، ولم يخضع لسياقها الديني بل قام بتوظيفها شعريا، بما يحقق التعبير عن الرؤية الخاصة للشاعر، في السياق الشعري الخاص به، بما يجعل النص الشعري، أحيانا، موازيا للنص الديني المقدس، وفي أحيان أخرى، معارضا لمضامينه، وأحيانا أخرى، مستشهدا به، وغيرها من الاستخدامات في التعامل»، لكنه على حد قوله في كل ذلك «يؤكد النص الشعري انفصاله التام عن النص الديني المقدس، واعتباره كيانا قائما بذاته».
وعن شعراء الحداثة الذين أوغلوا في النصوص المقدسة عميقا يقول: «لقد اتكأ شعر الحداثة على إشاراتها وقصصها ورموزها، مستعيدا ومعيدا صياغتها في سياق تعبيره عن أزمته الذاتية والموضوعية، لتجده حينًا يُسقط خيانة يهوذا على عصره، ويستخدم معجزة لعازر، ومشهد العشاء الأخير، وجسده كخبز للعالم، ورمزي الأم والماء، ومستحضرا الأمكنة والأنبياء، من النص التاريخي/ الديني إلى حاضره ويومه».
وأضاف: «لقد حاول الشاعر الحداثي إنتاج نصّ شعري بمحاذاة النص المقدس، وهو يفعل ذلك بالمحاذاةِ الشكلية أحيانًا، مستعيرًا أسماء أقسام النصوص الدينية ووظيفتها، مثل المزامير والأسفار والآيات، وأحيانا عن طريق محاذاة مضمون النصوص الدينية، حيث يعيد صياغة الآيات، سواء آيات قرآنية أو توراتية أو إنجيلية، لتخرج من حيزها التاريخي وقدسيتها الإلهية، وتعبر إلى اليومي، والحاضر، وتصبح رؤيا خاصة بالشاعر للعالم والإنسان والحياة كلها».
ويرى كامل ان استخدام الرموز الدينية في الشعر لا تعني أن هذا الشاعر ينطلق من تجربة دينية، أو أن القصيدة لديه تحولت إلى عظات وخطابات دينية، إنما اتكأت على ذلك، وأفادت منه بدلالاته المختلفة، لتقوم القصيدة على تفاعل هذه العناصر مع رؤية الشاعر وواقعه، لتفتح بالتالي أفقا جديدا قوامه النص العابق بالتساؤل واللاجواب.
ويقول عن ذلك: «معظم الرموز المستخدمة تنقل معاناة الشاعر الذهنية والجسدية، مجسدة حالته النفسية بأنه مضطهد وغريب في مجتمعه، وأن جهوده لإصلاح الوضع ضاعت سدى، ولهذا أخذت الرموز في مجملها طابعا مأساويا».
ومع ذلك يجد الدكتور كامل أن شعراء الحداثة الذين أوغلوا في استخداماتهم للرموز الدينية لم ينطلقوا في حركتهم التجديدية من خلال تراكم تاريخي ثقافي عربي خالص، وإنما على حد قوله: «تحت مظلة التأثير الشعري الغربي لا سيما عند الشعراء عزرا باوند وإليوت وسوزان برنار وبودلير ورامبو ولوتريامون واديث ستويل وغيرهم من شعراء الغرب ونقاده». وقد توالت اعترافات شعراء الحداثة بهذا التأثير بصراحة ووضوح، إضافة إلى أن الاتكاء على المساحة الإبداعية الغربية هي التي دفعت إلى بروزِ الرموز المسيحية في الشعر العربي المعاصر، ويعني هذا بالتالي، أن التأثر بنصوص الكتاب المقدس كانت هي بدورها، نتيجة التأثر بالآخر / الغرب، كما الصوفية».


- (الشرق الاوسط الاربعـاء 26 ذو الحجـة 1426 هـ 25 يناير 2006 العدد 9920)

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews