بحث

7 يوليو 2021

كامل فرحان صالح في ندوة دولية: الثقافة الشعبية حيّة رغم أنف العولمة

kamel farhan saleh  كامل فرحان صالح

الشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح يوصي في مداخلته في ندوة دولية بتخصيص نوع جديد يضاف إلى أنواع الأدب الشعبي، هو الأدب الشعبي الالكتروني أو الرقمي، أو الأدب الشعبي في الواقع الافتراضي.

محمد الحمامصي - الثلاثاء 2021/07/06 - https://meo.news


أوصى الشاعر والأكاديمي اللبناني د.كامل فرحان صالح kamel farhan saleh في مداخلته في الندوة الدولية المشتركة بين الجامعة اللبنانية وجامعة انباد الأندونيسية حول الثقافة الشعبية، بتخصيص نوع جديد يضاف إلى أنواع الأدب الشعبي، هو الأدب الشعبي الالكتروني أو الرقمي، أو الأدب الشعبي في الواقع الافتراضي، لما بات يتضمنه هذا الواقع من كمّ هائل من النصوص وصيغ التعبير الشعبية والفنون والسلوكيات، والعادات والتقاليد والصور وغيرها، لأن الأدب الشعبي في مفهومه الواسع هو التعبير الفطري الصادق لأحلام الأمة وآمالها وبؤسها وشقائها وبالتالي هو موجود دائمًا إن كان في ازدهار الأمة أو في انحطاطها، شاءت العولمة ذلك أو لم تشأ.
وأضاف في توصياته بتفعيل تعليم مقرر "الثقافة الشعبية" في المناهج التربوية بدءًا من المراحل الأولى وصولاً إلى التعليم العالي مرورًا بالتعليم الثانوي وتخصيص برامج إعلامية موجهة للشباب، لإبراز هذا التراث الشعبي، والتحولات التي طرأت عليه، وأهميته في تكوين هويتنا وخصوصيتنا ووجودنا في هذا العالم. وتعاطي الكتّاب والمثقفين ومراكز الأبحاث مع المادة الشعبية على أنها نشاط حاضر ومستمر وفاعل، وليست مادة انتهت، ومن الماضي.
أكد صالح في مفتتح مداخلته إن "حركة عناصر الثقافة الشعبية تتجه من أعلى إلى أسفل داخل الكيان الاجتماعي. وهي الظاهرة المعروفة في التراث بنزول الأدب من الطبقة المثقفة أو الصفوة إلى الطبقة الأم أو الطبقة الدنيا للشعب، وفيما طبّق باحثون عرب هذه الفرضية على شواهد عديدة من الثقافة الشعبية لاثبات صحتها، رفض باحثون آخرون المبالغة في هذا الادعاء، وحسبان كل أدب الطبقات الأدنى أدبًا "نازلاً" من الطبقات الأعلى".
وقال "إذا كانت فرضية "ارتفاع" أو نزول" الثقافة الشعبية من الأدب الرفيع، تتعلق بطبقة مثقفة هدفها الايحاء بأن الطبقة الشعبية غير قادرة على إنتاج أدب قيّم، يبقى التحدي الأبرز هو نظرة الأجيال العربية الخجولة من الأدب الشعبيّ أو الرافضة إياه لظنّها أن هذا الأدب لا يعبّر عن عصرها وبيئاتها و"أدواتها الحضارية المستجدة.
واضاف "إن هذه الوضعية التي طرحت نفسها على أنها البديل من الثقافة الشعبية يمكن رؤيتها ومتابعتها من حيث الممارسة عبر مسارين الأول: في مغالاة البعض بالتقليد الأعمى للآخر، وكأننا في هذا الطرح من دون جغرافيا وتاريخ ومن دون هذه الثقافة، وهذا الحضور الذي كان لنا، وأهملته أطروحات من هذا القبيل. الثاني: تجلّى هذا المسار في مغالاة البعض الآخر بالعزلة، وفي احتقار ثقافة الشراكة داخليًّا وعربيًّا، ما أدى إلى تحطيم الكثير من التراكمات الإيجابية".
وفي ضوء ذلك انطلقت مداخلة صالح من فرضية أن عوامل التباين بين الماضي والحاضر مبالغ فيها، لأنه مهما تغيّرت المؤثرات الاجتماعية، والمظاهر المادية، فإن دوافع أفعال البشر، ومواقفهم من مشكلات الوجود الكبرى، تبقى إلى حد ما ثابتة في قسماتها الرئيسة من خلال ما تنتجه من آدابها الشعبية، وإن عبّرت عن نفسها في صور متنوعة.
وقال صالح إن "الملمح الرئيس لأصل الثقافة الشعبية/ "الفولكلور"، والعربي خصوصًا هو أنه: قرويّ ريفيّ، وقبائلي، ووحدتها القبيلية، ويعبّر عن ذلك بأنها مجموعة من الناس لها بناء اقتصادي محدد، فنتج عنه بناء ثقافي متكافئ أو متوازٍ.
وأضاف لكن مع اجتماع الناس في المدن، ووقوفهم على أرضية مشتركة من المصالح المتبادلة، بدا أن تطبيق القاعدة السابقة نفسها ممكن، وبالتالي نتج عن هذا الاجتماع أدبًا شعبيًّا يعكس روح ما يعاني منه هؤلاء يوميًّا بحثًا عن لقمة العيش أو عن أمزجتهم وأفراحهم وأحزانهم أو عن ردود أفعالهم على الأحداث والوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذا لم يجد هؤلاء حرجًا من استعادة أنواع من الأدب الشعبي وصياغتها مجددًا بحسب ما يقتضيه واقع الحال، بحكم ما يتمتع به الأدب الشعبي من خصائص تتلخص بالمؤلف المجهول، والتناقل الشفويّ، والإنتشار والتداول والتعبير عن وجدان الجماعة، إلخ. ولا شك إن التفاعل المستمر بين الأدبين الشفويّ والمدوّن قد يساعد في هذا البناء الثقافي لاستعارة مؤلفي الأدب المدوّن حكايات وموضوعات وتقنيات من الأدب الشعبيّ، والعكس صحيح أيضًا.
وإذ يبدو أنه من المسلّم به، قبول خضوع أنواع من الأدب الشعبي لقانون الموت والتحول والتطور، مثلها مثل كل الأنوع الأدبية والفنية الأخرى، فإن الأدب الشعبي/الفولكور في المحصلة، هو "التراث الروحي للشعب".
ولفت صالح إلى أنه على الرغم من الارتباط الثابت للثقافة الشعبية بالناس، ثمة شرخ في النظرة إلى هذا الثقافة عُبّر عنها في تاريخ الأدب بالاهمال حينًا وبالنكران حينًا آخر لمصلحة الأدب المدوّن، فبات هناك: أدب "رفيع" يعبّر عن شرائح السلطة بتلاوينها كافة، وأدب "وضيع" يعبّر عن الشرائح الفقيرة أو تلك المرتبطة بالأرض أو بممارسة المهن والحرف.
ويمكن القياس مكانيًّا أيضًا للقول: هناك أدب يرتبط بالمدن، وأدب يرتبط بالريف والقرى، أو بتلك الأحياء المكتظة بالسكان المحيطة بالمدن.
وتابع أنه لم يعد خافيًا، أن العالم اليوم يعيش في عصر عولمة متوحشة فإن هذه العولمة قادرة على جعل كل الثقافات، بما فيها الثقافة الغربية، بلا أي مضمون وتتمحور بأكملها حول قيمة واحدة هي التقليد الذي يمكن عدّه القيمة التي تقولب كل القيم في عصر العولمة.
وإذا كان اليوم ثمة صعوبة بالغة في تحديد حجم التأثير السلبي للعولمة في الأدب الشعبي "الفولكلور" لكل دولة ومجتمع وشعب، إلا أنه بات في الإمكان أن يلمس المرء أنه يخسر شيئًا فشيئًا جزءًا من مكونات هويته الثقافية التي تميزه إيجابًا عن الآخر، مقابل اكتسابه "ثقافة" تجعل منه مقلدًا وتبعيًّا، بل ومدمنًا على كل ما تنتجه منظومة العولمة التي تجسد ضمن هذا السياق "الآخر" لظنّه أن الحياة المعاصرة الحقّة هي في الأخذ بهذه المنتجات، واستخدامها واللحاق بكل جديد تنتجه، والاعتماد عليها اعتمادا كليًّا. وما هي في الحقيقة سوى ثقافة مصطنعة ينتجها النظام العالمي إنتاجًا، أي ثقافة زائفة تقف في مقابل الثقافة الشعبية الحقيقية الناتجة تلقائيًّا من تفاعل البشر بعضهم البعض في إطار حركية المجتمعات لا تماثلها كما هي سياسة العولمة.
ورأى صالح أنه إذا كانت فرضية "ارتفاع" أو نزول" الثقافة الشعبية من الأدب الرفيع، تتعلق بطبقة مثقفة هدفها الايحاء بأن الطبقة الشعبية غير قادرة على إنتاج أدب قيّم، يبقى التحدي الأبرز، هو نظرة الأجيال العربية الخجولة من الثقافة الشعبية أو الرافضة إياه، لظنّها أن هذه الثقافة لا تعبّر عن عصرها، وبيئاتها، و"أدواتها الحضارية المستجدة"، ولا سيما في زمن العولمة، حتى بات مدلول لفظة "شعبي" يعني الابتذال والوضاعة والتفاهة وعدم الجودة والاتقان! لكن يفوت معظم هؤلاء، أن محاكاتهم وتقليدهم لما يصدر عن الآخر/الغرب، هو نوع من محاكاة الآداب الشعبية لما تنتجه هذه الشعوب على الصعد كافة، ولاسيما في: العادات والتقاليد اليومية، والأزياء، المأكل والمشرب: بيتزا، همبرغر، سباغيتي، المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة.
وقال إن التأثر بأبطال ما تنتجه من حكايات وأساطير وأفلام سينمائية، وربما أقرب تمثيل على هذا الوضع، هو ما تنتجه السينما الأميركية من عناصر شعبية لم تأت من الماضي، بل من الحاضر والمستقبل، كالأساطير والحكايات التي تعرضها من أمثال: الرجل الخارق، المتفوق، القوي الذي لا يقهر سوبرمان، وحماية العالم من خطر كارثيّ متوقع، أو عبر ما تخترعه من رحلات وهمية إلى المستقبل، أو العودة إلى المستقبل، أو العودة من هذا المستقبل إلى الحاضر لاصلاح خلل ما، أو قدرة الإنسان على التحول إلى كائنات أخرى وغيرها الكثير.
وأوضح صالح "ما يبدو مربكًا حقًا هو استمرار هذه الأجيال العربية بالتقليد الأعمى، ويزداد هذا الوضع سوءًا مع خضوعها للعبة العولمة من دون طرح أسئلة، فيجد المرء مثلاً، أن ما حلّ محل الأدوات والأشياء والعناصر التي كان يستخدمها الإنسان يوميًّا، حافظت العولمة على المهمة التي وُجدت لأجلها، إنما ما فعلته، هو تغيير صناعتها والمادة التي تنتجها، لتصبح قابلة للاستهلاك السريع. لذا، يلحظ الآتي: أولا اختفت الفخّاريات مثلاً ليحلّ محلها البلاستيك والألمنيوم (فالإبريق بقي يستخدم للماء، إنما بدلاً من أن يكون من فخّار صُنع محليًّا أصبح يُستورد من الخارج ويُصنع من مواد يُعتقد أنها مسببة للكثير من الأمراض.
ثانيا تراجعت الثقافة العمودية/المتعمّقة لتحلّ محلها الثقافة السطحية/الشاشة.
ثالثا أطلق الرصاص من كل حدب وصوب على الحليب الطبيعي، ليتقدم محلّه حليب البودرة.
رابعا كذلك شُوّهت الذائقة، فبدلاً من تناول العصائر الطبيعية تجد العصائر المعلّبة والمصنّعة هي المنعشة، والمناسبة للأمزجة في كل وقت وزمان.
وفوق هذا وذاك، وسمت الأساطير والأغاني الشعبية والحكايات الشعبية، بالبدائية "بالمفهوم السلبي" والمثيرة للغرائز والوهم والتخلف لتحلّ محلها أساطير السينما الهوليودية، أي تنميط الفن وخلق الأيقونة/ المثال.
وأكد إن هذه الوضعية التي طرحت نفسها على أنها البديل من الأدب الشعبي "الفولكلور"، يمكن رؤيتها ومتابعتها من حيث الممارسة عبر مسارين، الأول: في مغالاة البعض بالتقليد الأعمى للآخر، وكأننا في هذا الطرح من دون جغرافيا وتاريخ، ومن دون هذه الثقافة، وهذا الحضور الذي كان لنا وأهملته أطروحات من هذا القبيل. الثاني: تجلّى هذا المسار في مغالاة البعض الآخر بالعزلة، وفي احتقار ثقافة الشراكة داخليًّا وعربيًّا، ما أدى إلى تحطيم الكثير من التراكمات الإيجابية".
ولاحظ صالح أنه مهما يكن من أمر هذا التحول أو تقهقر فئة مقابل فئة أخرى يمكن التأكيد في الخلاصة أن صفة الابتذال والانحطاط تلحق بكتّاب الأدب لا بالناس، وأن الأدب المنحط المبتذل لا يمكن نعته بالشعبي، فربّ فلاح أميّ في بطن الريف يعقّب على الأحداث بجملة، فإذا هي مثل سائر، ويخوض في الحديث بكلمة، فإذا هي من جوامع الكلم، ويهزّه الطرب، أو يروعه الفزع، فيرسل الأنشودة فإذا هي فن، ويغنيها، فإذا هي لحن.
وفي خلاصة مداخلته انتهى صالح إلى: أولا إن الثقافة الشعبية حيّة، ترتبط بالحياة وتتفاعل بها ومعها وفيها، وتفسح في المجال للتعرف إلى شخصيتنا الحضارية، وواقعنا النفسي والاجتماعي، وتلقي مزيدًا من الضوء على بعض مضامين اللاوعي الجمعي. ثانيا إن الأدب الشعبي ما زال يمتد على نحو من الأنحاء، في واقعنا المعاصر، ويمثل بعدًا مهمًا من أبعاد شخصيتنا الثقافية، فهو أكثر صدقًا في إعطاء الصورة الحقيقية للعملية الاجتماعية، إذ يساير الفطرة التي تتجلّى في حَبْك الأدب، وطريقة إبداعه المتغيرة، من بيئة لأخرى ومن زمن لآخر، كما تتجلى الفطرة والتلقائية في لا منطقية السرد والربط بين الأحداث بعكس الأدب الرسمي الذي يعتمد على الربط والمنطقية. ثالثا يعدّ الأدب الشعبي قمة الوعي الفني فهو لا يحدد لنفسه شكلاً معينًا، ولا يأنف أن يستعير لنفسه أيّ شكل يجد فيه تحقيقًا لأهدافه ومراميه، فقد تقال قصة ما، بعدئذٍ تعزز نتيجة القصة بمثل ما، أو تحول القصة إلى أغنية شعبية، أو مسرحية شعبية، أو تزاوج بين هذه الأشكال مجتمعة. كما تتوافر فيه بنية وأسلوب فني "سرد - حكاية - إيقاع - حوار- لغة، إلخ" تفرق بينه وبين الأدب الرسمي، فالأدب الشعبي يتمتع بوسائل أسلوبية إغرائية جاذبة عند روايته أو إنشاده، مثل: التكرار، والأسلوب التعجبي، والأسلوب الهزلي والمضحك، والمحاكاة التمثيلية للشخصية حركةً ولفظًا، كتقمص الشخصية بطريقة كلامها، وتفخيم ألفاظها، ولاسيما عند رواية السير والحكايات، أو ايراد الأمثال، أو انشاد الزجل. ويتميز هذا الأسلوب بأنه يتغير من جماعة إلى أخرى، ومن فرد إلى آخر.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews