بحث

4 فبراير 2015

الشاعر كامل صالح: ثمة ظلم واقع على قصيدة النثر اليوم

أجرى الحوار: طلال مرتضى
مجلة "شؤون جنوبية" العدد 153 اليوم 4/2/2015
مجلة شؤون جنوبية العدد 153 اليوم 4/2/2015  حوار مع الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح  - kamel farhan saleh
حوار مع د. كامل فرحان صالح - مجلة شؤون جنوبية - شباط 2015

حوار مع الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح وحديث شائق عن تجربته الشعرية والأعلامية.
تعالوا نقرأ سوياً "جنون الحكاية"، قبل أن يصل "كنّاس الكلام"، ترك لتوه "شوارع داخل الجسد" و"أحزان مرئية"، عن غير قصد.. ماذا يعني "حب خارج البرد"، حين تقف "الفصحى في مجابهة العامية" غير مكترثة بما جاء من كلام في "الشعر والدين"، لتومئ اللغة بأصابعها النبية، نحو ذلك القادم من معين البوح، تنادي، تنادي، ابنها: يا كامل "خذ ساقيك إلى النبع" وتعالى نغني.. الشاعر الدكتور كامل فرحان صالح، أهلاً بك ضيفاً كريماً في مجلة شؤون جنوبية.

ــ "كان سعيد عقل يطرح نظرية جديدة في الشعر، وعقل بالنسبة لما قبله ثورة"، ما الذي كان يعنيه أنسي الحاج في هذا؟ 

* لا أعرف تحديدًا ما كان يعنيه أنسي الحاج في هذا. لكن أرى أن سعيد عقل نفسه؛ شعرًا وسلوكًا وفكرًا وحلمًا وجنونًا، هو "نظرية" يصعب أن تتكرر، إذ هناك مبدعون يدخلون في ابداعهم، فتقف أمامهم عاجزًا: أين الشعر؟ وأين الشاعر؟ لذا يشكل "كل" سعيد عقل حالة فريدة وخاصة في تاريخ الأدب العربي، وهو يعدّ من الكبار في هذا المجال. وإني لأعجب ممن يريد أن ينسف كل تاريخ سعيد عقل الابداعي لموقف سياسي أو "جنوني" اتخذه في يوم ما من حياته، فهؤلاء أدعوهم إلى الاطلاع على كتاب "الأغاني" ليلحظوا حالات مشابهة كثيرة، وبقي هؤلاء الشعراء أيقونات ابداعية متوهجة ومؤثرة وحيّة حتى يومنا هذا. 

ـــ يوسف الخال، شكل لدى كامل صالح محطة مهمة، إلى أين ذهب بك عبر الورق؟

* من المفيد القول إن يوسف الخال لم يكن شاعرًا فحسب، بل كان صاحب أول مجلة تصدر في منتصف القرن العشرين تحمل لواء الحداثة الشعرية العربية. من هنا كان جديرًا بلقب "العرّاب" الذي أطلق عليه. شخصيًّا كانت حياة يوسف الخال ودعوته اللغوية محور رسالتي لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها، كما وظّفت جزءًا من الرسالة، بعد دعم هذا الجزء بمراجع جديدة، وبمزيد من البحث والتحليل والمقارنة، في أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه تحت عنوان: "فاعلية النصّ الديني المقدس في الشعر العربي" والتي صدرت في ما بعد في كتاب تحت عنوان: "الشعر والدين"، وأعدّ حاليا طبعة ثالثة منقحة ومزيدة منه.
يتمتع يوسف الخال بلغة شعرية تميزه عن غيره من الشعراء، وتشكل له هوية خاصة، خصوصا مع من كانوا معه في مجلة شعر، أمثال: أدونيس، وبدر شاكر السياب، وأنسي الحاج، ومحمد الماغوط، وفؤاد رفقة، وشوقي أبي شقرا وغيرهم، إذ تلحظ في شعره هذا العبق الذي يأخذك إلى النصوص الأدبية الرفيعة في كتابي العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الانجيل)، كما يكشف لك في الوقت نفسه، عن عمق الأزمة التي كان يعيشها الانسان العربي في ذاك الوقت، ولعله ما زال يعيشها إلى اليوم، في أن يكون حديثًا من الخارج، ومحكومًا بسلسلة من الموروثات القاتلة في الداخل. من دون نسيان أن الخال كان يهتم بنشر الترجمات الشعرية الغربية الجديدة في مجلته، وفي دار النشر التي أسسها. 
لكن وعلى الرغم من كل ذلك، لم يتمكن الخال من حشد المواقف المؤيدة لدعوته اللغوية: "اقرأ كما تتكلم"، وقد أصدر فيها كتابين: "على هامش كليلة ودمنة" و"يوميات كلب". وهي دعوة تحاكي مصير العديد من الدعوات اللغوية التي أطلقها لويس عوض، وأنيس فريحة وغيرهما، وفي وقت لاحق سعيد عقل. عمومًا، إن كنت تختلف مع الخال أو تتفق معه في دعوته اللغوية، بات من الواجب على الجهات المعنية في شأن اللغة العربية، أن تعيد النظر فيها، ولاسيما أمام ما نشهده اليوم من هجرة مخيفة من قبل الأجيال الجديدة للحرف العربي نحو الحرف الأجنبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية. 

ـــ هل ترى صوابية للنقد في موقفه من أغلب ما يكتب الآن تحت مسمى قصيدة النثر؟

* ظلمت قصيدة النثر كثيرًا في الماضي، وما زالت تتعرض للظلم، إنما ثمة تباين في نوعية الظلم؛ ففي الماضي، كان الهجوم كاسحًا عليها بهدف الدفاع عن كلاسيكية القصيدة العربية وعراقتها، وهذا أمر يمكن فهمه في مسيرة الأدب، وهو في نظري يشكل حالة صحيّة، إذ في المراحل التاريخية كافة كان هناك صراع بين التقليديين والمجددين. أما الظلم الواقع على قصيدة النثر اليوم، فهو بسبب ما يرتكب باسمها من فظائع من قبل من يدّعون كتابة الشعر الحديث. فكتابة قصيدة النثر في العمق، هي أصعب وأكثر حساسية ودقة من كتابة القصيدة الخليلية، فأنت مع قصيدة النثر تواجه "أناك"، وكيف تتعاطى هذه "الأنا" مع محيطها والعالم وما تستشرفه، وموقفها من كل هذا. وهي وفق ذلك تحكمها ضوابط حازمة وصارمة كي لا تقع في "الثرثرة" و"الحشو" و"الكلام الزائد"، إذ كل كلمة في القصيدة لها كيانها وعالمها ونافذتها المشرّعة على الأسئلة. قصيدة النثر ليست "فشة خلق" كما نقرأه كثيرًا هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بات أصحاب هذه الكتابات – للأسف- يصدّقون أنهم يكتبون الشعر، فيمعنون في ظلم قصيدة النثر مع انتقالهم من النشر على الشاشة إلى اصدار "الدواوين" إذا صحّ التعبير على تسمية هذه الكتب بــ"الدواوين".

ـــ قال أنسي الحاج "أنا أختلف مع أدونيس، فهو يريد أن يجد جدوداً له في الشعر العربي، وكأنه متهم. أنا لا أشعر أني متهم، وقصيدة النثر لتكون قصيدة نثر يجب حين كتابتها أن تكون واعياً أنك تكتب قصيدة نثر"، بين معترضتين أين يقف كامل صالح من هذا القول؟

* هذا القول قاله لي أنسي الحاج في حوار معه خلال اعداد رسالتي للماجستير في خريف العام 1994، ونشرته في الرسالة، ومن ثم نشرته مستقلاً في جريدة السفير بعد وفاته العام الماضي. عمومًا، أرى من الموضوعية والإنصاف أن نفهم كلام أنسي الحاج ضمن سياقه التاريخي، إذ هو هنا كان يتحدث عن بدايات ظهور قصيدة النثر في العالم العربي. واشارة الحاج هنا إلى أهمية أن "تكون واعيًا أنك تكتب قصيدة النثر"، هو في الأساس مستوحى من كتاب "قصيدة النثر من بودلير إلى يومنا هذا" للباحثة الفرنسية سوزان برنار، وقد احتفت مجلة شعر وخميسها بهذا الكتاب، وتبنت الكثير مما جاء فيه، ونشرته مترجمًا في المجلة. من هنا، يمكن للقارئ أن يفهم هذه الحساسية التي يتحدث عنها الحاج، وموقف أدونيس من ذلك. ومهما يكن الرأي، أجد أن قلق أدونيس قد أفاد كثيرًا الأدب العربي الحديث، فهو كان من المساهمين الفعليين في اماطة اللثام عن كثير من النصوص الصوفية العربية، وقدّم قراءات نقدية غير مسبوقة لكثير من النصوص الشعرية القديمة، من دون نسيان كتابه: "الثابت والمتحول" الذي ما زال يعدّ مرجعًا أساسيًا ومهمًا لكل المهتمين والمعنيين بالأدب العربي.
شخصيًا، لا أجد نفسي متهمًا عندما أكتب "قصيدة النثر"، كما أنني لم أفكر في ذلك يومًا، وربما يعود هذا الشعور لوجود تجارب ونصوص عربية غنية يمكنني الاتكاء عليها، والتعلم منها، والاستفادة من عوالمها. ومن هنا، أصبح لنصّي ولنصوص غيري من الشعراء الجدد "اباء"، ولم تعد نصوصنا "مقطوعة من شجرة". 

ـــ " فإن لم تكن طفلاً لا ترم نفسك في التجارب المجهولة"، كنت استفزازياً وأنت تحاور أنسي الحاج، إلى واد كنت تود أخذه؟

* كان همّي، هو أن أعرف منه، بعض التفاصيل التي واكبت انطلاق مجلة شعر، وعلاقته بالمجلة، وموقف يوسف الخال من بعض الأمور، فضلاً عن توقفي معه على عدد من الاشكاليات التي لاحظتها خلال اعدادي رسالة الماجستير. وقد امتد الحوار لأكثر من ساعتين. علمًا أن هناك كثيرًا من كلام أنسي، لم أنشره في الحوار بناءً على رغبته، وقد أشرف بنفسه على اعادة صياغة الحوار وتصحيحه، بعدما كتبته كتابة مبدئية عن آلة التسجيل.

ــ تفيض لغتك الشعرية بالجمال والصورة، هل بوسع النثر أن يتمثل اليوم في ضوء تحديات قصيدة النثر، شعرية جديدة أخرى؟

* أعتقد أن الشعراء الحديثين عمومًا، والعرب منهم خصوصًا، ما زالوا يتلمسون شواطئ قصيدة النثر. من هنا – وكي لا أعيد ما قلته أعلاه في هذا الخصوص – يمكن أن نلاحظ أن قصيدة النثر لم تستنزف بعد، بل يمكن القول أيضًا: إنها ما زالت في مرحلة "الشباب". فهذه القصيدة، وعلى الرغم من بعض الشروط التي يجب أن تعيها عند كتابتها، ملعبها شاسع جدًا، وفي كل ركن من هذا الملعب، تلحظ وجود "نوع من قصيدة النثر".
عمومًا، وعبر مسيرة التاريخ الأدبي، في امكان القارئ أن يتلمس الشعرية في الكثير من النصوص النثرية، وسيبقى يتلمسها في نصوص مستقبلية، إلا أن قصيدة النثر تنتمي إلى عالم الشعر كليًّا، وليس عالم النثر. فأنت مع قصيدة النثر لا تلجأ إلى قواعد سابقة (الشكل والبحور والوزن والروي...) بل أنت مطالب مع كتابة كل قصيدة نثر أن تخلق قواعدها الخاصة، برغم وجود بعض الشروط، منها: الايجاز والتوهج والمجانية، إلا أن هذه الشروط – كما يلاحظ - لا تشكل قالبًا سابقًا، ولا تحتاج إلى حفظ التفاعيل والبحور والوزن، والبحث عن الكلمة المناسبة لوضعها في ختام كل بيت حتى يكون الحرف الأخير فيها مناسبًا لروي القصيدة، إنما شروط قصيدة النثر هي مكونات النوع الشعري عمومًا، أي منذ بدأ الانسان الأول التعبير عن خوفه وقلقه من الموت، وهي مستمرة إلى يوم القيامة.

- من قولك أحاججك: "مدرسة "نقاء النوع" قد سقطت، ونحن اليوم نتجه إلى العودة نحو النوع الأول في الوجود، أي الشعر، إنما بكثير من الدماء والجثث والتعب"؟

* وما زلت عند رأيي في ذلك، وهو في طبيعة الحال ليس رأيي فحسب بل رأي الكثير من المؤرخين والنقّاد والباحثين أيضًا، فأفلاطون عندما تحدث عن نقاء النوع، كان ينطلق في موقفه من الشعر (التراجيديا والكوميديا والملحمة)، من خلفية أرستقراطية، كانت ترفض تداخل الأنواع في النصّ الواحد، وفي معنى أعمق، هي ترفض في الوقت نفسه، تداخل الطبقات الاجتماعية. من هنا هي تريد أن تحافظ على نقائها كطبقة حاكمة ونبيلة وشريفة، وعلى عدم "تلوثها" بالطبقتين: البرجوازية والشعبية أو الفقيرة. فهذا الكلام كله سقط مع مرور الوقت، وتغير وضع الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي ينتج في طبيعة الحال، أدواته التعبيرية التي تتناسب وحاجاته وتطلعاته. 
وإذا كان ثمة شبه اجماع على أن النوع الأدبي الأول هو الشعر، فإن مسار حركة التعبير لدى الانسان التي تفرعت وتنوعت وتوزعت على أكثر من نوع أدبي، تبين للمتابع أن الاتجاه هو نحو النصّ الجامع، وهو هنا لن يكون سوى الشعر نفسه الذي انسلت منه الأنواع الأدبية كافة، حتى الدين نفسه هو في الأساس شعر. 

ـــ كيف هي علاقتك بالنقد والنقاد، هل أنصفوا ما أنتجه الشاعر كامل صالح؟

* يمكنني القول إنني لا أهتم كثيرًا لمسألة الإنصاف، وإن كانت علاقتي عمومًا، مقبولة إلى جيدة مع النقد والنقاد، ولعل أهمها بحكم طبيعة عملي السابق أو الحالي، إذ انتقلت من العمل الصحافي إلى التدريس في كلية الآداب والعلوم الانسانية، وفي المجالين أجد أنه من الضروري أن تكون هناك علاقة بنّاءة تحكم النقد والنقّاد.
عمومًا من المفيد الاشارة إلى إنني أصدرت حتى تاريخه: أربعة دواوين هي: "أحزان مرئية"، و"شوارع داخل الجسد"، و"كنّاس الكلام"، وآخرها "خذ ساقيك إلى النبع" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر. كما أصدرت روايتين: "جنون الحكاية - قجدع"، و"حب خارج البرد"، وكتاب "الشعر والدين" في طبعتين، منها طبعة صدرت عن وزارة الثقافة في مصر أيضًا، وثالثة على الطريق. وهناك دراسة أخرى تحت الطبع تحت عنوان: "الفصحى في مجابهة العامية". وقد كتب الكثير عن هذه الأعمال في الصحف والدوريات المحلية والعربية، فضلاً عن خضوع بعضها للبحث الأكاديمي.

طلال مرتضى

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews