كامل فرحان صالح .. من مقام الأنثى إلى 'خذ ساقيك إلى النبع'
الشاعر اللبناني: مدرسة 'نقاء النوع' سقطت، ونحن اليوم نتجه إلى العودة نحو النوع الأول في الوجود، أي الشعر، إنما بكثير من 'الدماء' و'الجثث' و'التعب'.
بقلم: محمد الحمامصي
د. كامل فرحان صالح |
بين ديوانه الرابع الجديد "خذ ساقيك إلى
النبع" الصادر في القاهرة حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وديوانه
الثالث "كناس الكلام" الصادر عام 1993، عشرون عاما، لم ينفصل فيها الشاعر
اللبناني كامل فرحان صالح عن الشعر، حيث واصلت القصيدة فرض حضورها بين
الحين والآخر، وذلك وسط سطوة السرد الروائي والدرس النقدي، وعلى الرغم من
الجهد الواضح في ترتيب القصائد التي ضمّها الديوان الجديد وكتبت ما بين
1993 و2013 لكن تفاوتات الرؤية واللغة والتشكيل كانت واضحة، وإن لم تطغ على
خصوصية النسيج وقدرة مفرداته وموضوعه المحتفي بينابيع الحب، وتجليات
الأنثى المطاردة من الأنا الشاعرة.
من أعمال الكاتب
الشعرية "أحزان مرئية" (1985)، "شوارع داخل الجسد" (1991)، "كنّاس الكلام"
(1993)، أما في الرواية فله "جنون الحكاية" (2000)، و"حب خارج البرد"
(2010)، كما صدرت أطروحته للدكتوراه في كتاب، بعنوان: "الشعر والدين:
فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي"، وله أطروحة أخرى بعنوان:
"يوسف الخال: حياته ودعوته اللغوية" لم تنشر نال بها شهادة دبلوم الدراسات
العليا في اللغة العربية وآدابها.
وفي هذا الحوار معه حول الديوان الجديد نتعرف أيضا على رؤاه الشعرية والنقدية.
غلاف الشعر والدين - كامل صالح |
الحوار مع الشاعر كامل فرحان صالح كان لابد أن يبدأ من المسافة الزمنية
الفاصلة بين الديوان الجديد وسابقه، حيث أكد أنه طرح على نفسه هذا السؤال
قبلا: لماذا تأخرت 20 سنة لأصدر "خذ ساقيك إلى النبع" بعد صدور "كنّاس
الكلام" في العام 1993؟ وأنه لم يجد جوابًا مقنعًا لهذا التصرف "غير
المبالي" من قبله، بالنشر. وأضاف "قد يمكنني أن أقارب المسألة، بذاك الشخص
الباحث عن "النص الكامل"، إلا أنه في كل خطوة كان يخطوها، كان يشعر بمدى
النقصان فيه، وكأن الهدف الخفي من السير قدمًا نحو الكمال/المعرفة، هو أن
تدرك مدى نقصانك/جهلك، إذ يصبح معادل الكمال/المعرفة هو في الوقت نفسه،
مقدار معرفتك أنك لا تعلم. وهكذا، كانت النصوص تتكدس مع مرور الوقت، برغم
توقفي أحيانًا، عن الكتابة لأكثر من 6 أشهر متواصلة، فمنها ما ضاع، والكثير
الكثير منها لم ينشر في هذا الديوان".
ورأى أنه خلال هذا
الوقت أي العشرين سنة "مررت بمفاصل رئيسة في حياتي، فخلالها، تزوجت،
وأنجزت رسالة الماجستير تحت عنوان: يوسف الخال ودعوته اللغوية في العام
1998، ثم أنجزت أطروحتي للدكتوراه، تحت عنوان: الشعر والدين: فاعلية الرمز
الديني المقدس في الشعر العربي، في العام 2004، وقبل ذلك، أي في العام
2000، أصدرت روايتي الأولى: جنون الحكاية (قجدع)، وبعد ذلك، أي في العام
2010، أصدرت روايتي الثانية: حب خارج البرد".
• مقام الأنثى
واعترف
أن لا يعرف تحديدًا، إذا كان سبب تفاوت الرؤية واللغة والتشكيل في النصوص
المنشورة في الديوان الجديد "خذ ساقيك إلى النبع"، سببه الفترة الزمنية
الطويلة أم تطور التجربة. علمًا، أن مفهوم التطور فلسفيًّا، يحمل المعنيين:
أي يجوز أن يكون التطور سلبيًّا، أم ايجابيًّا، وهذا ما لا يمكنني أن أحكم
عليه شخصيًّا، لأنني المعني مباشرة بالموضوع.
غلاف رواية حب خارج البرد - كامل صالح |
وأوضح:
لا أخفيك، أنني شعرت بتصالح مع اللغة عمومًا، إذ بعدما طالبت في "كنّاس
الكلام" اللغة بـ "التنفس" عبر الإهداء، وبعدما مارست جنوني باللعب
بالتراكيب اللغوية، والتعمد في بتر المشهد، احتجاجًا على الواقع، وبعدما
وجدتني أرفض "جمود" اللغة لسبب أو آخر، رأيتني بعد قصيدة "مقام الأنثى"
وصولاً إلى ما أكتبه الآن، قد هدأت "ثورتي"، لا لأن اللغة أصبحت كما أريد،
ولا لأن تراكيبها النحوية تطورت، وأصبحت سهلة، ولا لأنه بات في إمكاننا أن
نقرأ الكلمات على مستوى واحد، بدلا من ثلاثة مستويات (جسد الكلمة نفسه،
وحركات الإعراب العليا والسفلى).. بل لأنني أدركت أولاً: أن كل "حروبي" هذه
عبثية، و"ساذجة"، وأن اللغة لم تكن يومًا، سوى وسيلة للتواصل مع الآخر،
وليست هدفًا في حدّ ذاته.. فعبر القليل من الاحتيال والمواربة و"اللعب" إذ
صحّ التعبير، يمكنك أن توظّف اللغة، وفق ما تشتهيه الروح، ووفق ما تريده،
في هدوء تام.. فأمام الغابة لا ترى الشجرة، إنما ترى تلك المساحة من الجمال
الأخضر الطالع من الأرض نحو السماء.. كذلك، أدركت أن الصفاء يجعل البحر
أقرب، وربما ساعدني هذا التحول، إلى النظر إلى الشعر من زاوية أخرى، زاوية
التكثيف الذاهب نحو انزياحات إنسانية تتعلق باليومي، والتفاصيل العادية
منها والمعقدة. وربما ساعدني أيضًا في أن ألتفت إلى "أناي"، وإلى ما يحيطها
من أرواح تتنفس وتضحك وتبكي وتصلي وتتمرد وتحب وتكره.
• الانشغال بالرواية
غلاف ديوان خذ ساقيك الى النبع - كامل صالح |
• معاهدة تصالح
فعل
الحب في الديوان يأتي متسقا مع عنوان الديوان ونصوصه وإن تراوحت معالجته
بين النصوص المكتوبة حديثا، والنصوص التي كتبت خلال فترات سابقة، وهنا قال
الشاعر: بدا لي، بعد "معاهدة الصلح" مع اللغة، أنني أتصالح في الوقت نفسه،
مع "الأنثى"، مع ذلك الحضور الذي يجعل لكل الأشياء والتفاصيل.. وشروق الشمس
ومغيبها.. معنى.
الأنثى
هي المعنى، ولا معنى خارجها. وفي طبيعة الحال، اللغة بما هي فعل تواصل مع
الآخر، هي أنثى أيضًا، هي جسر عبورنا للتعبير عن فرحنا وشغفنا وحزننا
وثورتنا وسكينتنا، هي جسر عبورنا إلى هذا العالم، وهي في الوقت نفسه، ذاك
الحبل السري الممتد بين السماء والأرض. لذا هي العنصر الفاعل القادر على
التحكم بالأنا الشاعرة، والقادر أن يدعوها إلى فنجان قهوة صباحية، أو أن
يدعها ترحل إلى آخر الدنيا، تلبية لموعد محتمل.
وأضاف:
الأنثى هي قلب الحب، إن كان هذا الحب فعلاً ذكوريًّا أو أنثويًّا، باعتبار
أن الحب يربّينا، ينقلنا من حالة التوحش البدائية والعدوانية إلى حضارة
التصالح مع الآخر.. ولعله من المفيد هنا استعادة أسطورة جلجامش، للوقوف عند
تلك المرأة التي عبرت من "الحضارة / المدينة" إلى "البداوة/ الغابة"
لترويض أنكيدو ذاك البطل الوحشي، ربيب الطبيعة.. وقد جعلته إنسانيًّا.
• تنفيس نفسي
غلاف رواية جنون الحكاية - كامل صالح |
وقال: إنما ما أراه، أن
بروز هذا الزخم "الأقدم"، جاء بفعل قدرات الإعلام اللبناني آنذاك، الذي
واكب تحولات المشهد الشعري وأظهره عربيًّا، في ظل إعلام عربي لم يفعل الأمر
نفسه، لأسباب مختلفة.. أو منها ربما، لضعف الامكانات، أو لأسباب
أيديولوجية، كالتعامي مثلاً، عن التجارب الشعرية الجديدة، بهدف "الاخلاص"
للماضي. وما زال هذا المشهد يؤدي دوره في شكل أو بآخر
، إنما مع اتساع
مساحات النشر الورقي والالكتروني عربيًّا، لم تفقد بيروت شيئًا من بريقها
فحسب، بل يمكن القول إننا نشهد عملية "نزوح" ابداعي إذا صحّ التعبير من
الورق إلى شاشة الكمبيوتر، حيث بات التعاطي مع المتلقي/ القارئ، مباشرةً،
وأكثر فعالية، وعلى تماس مباشر مع النص والكاتب.
وأوضح:
أمام هذا الوضع/المشهد الجديد، الذي يبدو في ظاهره حيويًا ونشاطًا، إلا أنه
في التفاصيل، ثمة فوضى عارمة، إذ باتت "الخواطر" و"التأملات" و"النشاط
اليومي" و"الثرثرة الفارغة من أي مضمون جمالي أو إبداعي" تحت ما يسمى "شعر"
أو أكثر تحديدًا "قصيدة النثر" للأسف، وقصيدة النثر براء من كل هذا، وفق
الشروط والأسس التي وضعتها الناقدة الفرنسية سوزان برنار في النصف الأول من
القرن الماضي، وعززها عربيًّا أدونيس ومحمد الماغوط وأنسي الحاج وغيرهم،
عبر السياق النظري والتطبيقي.
في كلمة أخيرة، يمكن القول
إن "معظم ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس شعرًا، بل هو نوع من
"تنفيس نفسي" لشعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج، وانطلاقًا من ذلك، هو
لا يحتاج إلى نقّاد في الأدب بل إلى أطباء نفسيين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم