كامل فرحان صالح
مقالة - تصدير: مجلة الثقافة الشعبية - البحرين - pdf
س 11 ، ع 40 (شـتاء 2018) - ص 8 - 10 ، التصديـر، (عـام). (165)
نبذة عن المقال
يندرج ضمن إطار هذه العبارة كلّ ما له علاقة بثقافة شعبية أنتجها الناس في زمان ومكان ما، واكتسبت شرعيتها عبر التداول والاستمرار، والأهم مقدرتها على التحوير والتحول بما يناسب مقتضى الحال.
لكن، ماذا نعني بكلمة «حيّ»؟يجد المتابع أن دارسي الأدب الشعبي (الفلكلور) يقاربونه مقاربة الأشياء الزائلة أو تلك التي تشارف على الزوال والاندثار.
هل من مهام الباحث في الأدب الشعبي تشريح «جثث» أو تحنيطها، والبكاء عليها وتشييعها إلى مثواها الأخير؟
هل من مهام الدراسات الشعبية تقديم بكائيات على الأدب الشعبي، والايحاء لهذا الجيل وللأجيال القادمة، أن الأدب الشعبي هو أدب «ماضٍ»، «زائل»، « مندثر»، أدب قد انتهى...؟
أمام هذا الواقع المر، كيف يستقيم القول إذًا، «إن الأدب الشعبي أدب حيّ؟» وما دام هو كذلك، فلماذا نسارع إلى حياكة أكفانه، وتجهيز مدافنه؟
نعم، إن الأدب الشعبي حيّ، وهو يتجدّد باستمرار، وينتجه النّاس ما داموا يستيقظون كلَّ صباح على هذه الأرض، فمنهم من يستعيد جزءًا منه، أمام حادثة، أو موقف، أو مشهد ما، ومنهم من يعيد تركيب أجزائه، بما يلائم ما وقع معه، فيعيد تغيير بعض التفاصيل من أسماء وأماكن، مع حفاظه على روح المثل أو الحكاية، أو البيت الشعري، أو الأغنية، أو العبرة، أو الحكمة، أو الطرفة...
نعم إن الأدب الشعبي حيّ، وها هو ينبض مع الجيل الجديد الّذي يستعيد مخزون الأدب الشعبي، فيعيد صياغته عبر الوسائط الرّقميّة، وينشره ويتداول به عبر مواقع التّواصل الاجتماعي على الشّبكة العنكبوتية، أو عبر برامج الهاتف الذّكيّ.
ولعلّ معظمنا يستقبل ويرسل يوميًّا، عبر هاتفه، أو عبر نشره على صفحته العنكبوتيّة، مثلاً شعبيًّا، أو حكاية، أو طرفة، أو حكمة، أو رقصة شعبية... إنّما المفارقة أو الغشاوة الحاصلة، أنّ هذا الجيل يظنّ أنّ الأدب الشّعبيّ أدبٌ ماضٍ، وانتهى، ولا يدرك أو يعي، أنه ينتج هذا الأدب، ويعيد ايقاظه من سباته يوميًّا، وذلك عبر ما يضيفه من صور وحركات وأصوات وألوان ومؤثّرات تقنيّة على فحوى المثل أو الحكاية أو النّكتة ويرسلها بعد تزويقها بما يناسب الثّورة الرّقميّة، إلى أصدقائه.
وإن كان المتابع يجد عذرًا للجيل الجديد، لعدم وعيه بأنّ الأدب الشعبي حيّ فيه وبه وعبره، فإنّه لا يفهم تقاعس الباحثين في الأدب الشعبي عن درس التّجلّيات الجديدة للأدب الشّعبي وتحوّلاته، والعمل على تعزيز جسور التّواصل مع الجيل الجديد، بدلاً من اكتفاء هؤلاء الباحثين بالاحتفاء «الجنائزي» بالأدب الشّعبي، وما يندرج ضمنه من نشاط وتفاعل وصناعة وثقافة شعبيّة. وكأنّ «كلّ» الأدب الشّعبي بات بحكم الميت، وما يفعلونه هو رصد أنفاسه الأخيرة.
لا... الأدب الشّعبي لا ولن يموت، صحيح أن بعض أجزائه قد تسقط مع الزّمن، ويطويها النّسيان، لكن يعود إلى الحياة دائمًا، يعود بهيًّا، أنيقًا، جميلاً، وذلك بأشكال وأنواع وتفاصيل مختلفة، وجديدة. يعود إلى الحياة لأنه يحتضن روح حياة الإنسان نفسه؛ بأفراحه، وأحزانه، وعشقه، وخيباته، وأوجاعه، وأحلامه، ومخاوفه، وآماله، وغضبه، وتسامحه،... وحاجة هذا الإنسان إلى سماع «صباح الخير»، و«مساء الخير»، أو إلى كلمات تواسيه عند فقد عزيز، وحاجته إلى السّخرية و«التنفيس» كما يقول أرسطو،نتيجة أزمة اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو سياسية، وحاجته إلى التّحلّي بالحكمة أو التّعبير عن غضبه... فكل ذلك يدفعه، شاء أو أبى، إلى انتاج أنماط من الأدب الشّعبي، يعبرمن خلالها عن واقع ما يعيشه.
الأدب الشّعبي حيّ، فهل ينتبه الباحثون العرب إلى هذا الحيّ في القلوب والأرواح والعيون الشّابّة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم