د. كامل فرحان صالح
اللّحظة
الأولى في الكتابة الإبداعيّة هي نتيجة تراكم معرفيّ وثقافيّ، والتّوهّم أنّ هذه
اللّحظة هي بفعل حدث خارق، لا أراه صائبًا. فعل اللّحظة الأولى- برأيي وكما أعيشها
في الكتابة– لحظة تسرّب هذا التّراكم على الورق متقاطعًا مع الحالة، وتقاطع
التّراكم/ الحالة يخلق ما يسمّى لحظة البرق الأولى، لكن هذا لا يعني بأيّ حال من
الأحوال أنّ المطر/ النّصّ الإبداعيّ محقّق، إذ ربّما لا تكون هناك سوى كلمة أو
جملة يتيمة، وربّما هناك نصّ يضجّ بتدافع. فسؤال الكتابة سؤال فعل الحياة، أو بمعنى
أدقّ فعل الخلق، فأحيانًا يكون هذا الفعل سيّئًا أو "ولدًا ملعونًا"، وأحيانًا يجيء
بالبشارة والأمل. وبرأيي لا معنى للكتابة خارج إنسانيّتي/ خارج "أناي" الّتي من
خلالها أطلّ على هذه الكرة الأرضيّة وسكّانها.
عندما
أمارس الكتابة أجدني أعطي من روحي وجسدي، لكن أشعر أحيانًا أنّ بعض ما أكتبه لا
يليق بما كنت أريد التّعبير عنه، فأرمي ما سطّرته جانبًا وأنساه، وإذا كان يستحقّ
الحضور فإنّه ينسلّ بين كلمات قصيدة أو مقالة أو رواية أو صياغة خبر صحفيّ. لا بدّ
أن يخرج إذا نضج، ولعلّني أذكر أنّ كلّ قصائدي القليلة الّتي كتبتها في السّنوات
الخمس الأخيرة كانت تهرّ منّي قبل أن أسكنها في بياضها، فتجدني أصرخ بكلمة ما،
وتصبح عندي كالثّيمة، فتهطل أثناء محادثتي لأحد الأصدقاء أو زوجتي أو وأنا أشاهد
التّلفزيون، أشعر أنّ شيئًا ما يزنّ في رأسي، في جسدي، يريد الانعتاق..
مرّات
ألملمها عن كتفي، عن صدري، عن خدي، مرّات أرى الكلمات تنساب من صحن الطّعام، إنّها
حالة التّوتّر القصوى، ساعتئذٍ، أجلس كمن يتهيّأ للصّلاة وأكتب، أحبَط مرّات حيث
يكون الحمل وهمًا فأضحك من نفسي، من هواجسي، من رؤاي، وأنتظر أيّامًا أخرى.
وأحيانًا ينهمر كلّ شيء دفعة واحدة، وأعجز عن اللّحاق بالكلمات. هي هكذا، هي
الكتابة المؤلمة دائمًا بحضورها وغيابها. فمرّات كثيرة تلحظ أنّ القصيدة كانت تسكنك
دون أن تدري، وعندما تخرج منك تصاب بحالة سكون ودهشة، وانطلاقًا منها تشرف على درب
آخر للكتابة، هذه الكتابة السّاكنة في فيء العزلة.
(لبنان)
* نشرت في كتاب: الإشراقة
المجنحة: لحظة البيت الأول
من القصيدة
(شهادات) - محمد حلمي
الريشة، آمال عواد
رضوان، الطبعة الأولى
2007