As-Safir Newspaper - كامل صالح : فيلم رعب بين شرم الشيخ وبيروت
كما على الأرض كذلك في السماء؛ طريق مقطوعة، حالات هلع ورعب، انهيارات عصبية، وانخراط نسوة بالنحيب والبكاء.
ليس الأمر فيلم رعب أميركيا جديدا، بل واقع عاشه حوالي 150 سائحاً لبنانياً علقوا في الجو بين مطار شرم الشيخ في مصر ومطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. ولم يقتصر المشهد على تأخير في الذهاب أربع ساعات ومثلها في العودة، وهذه لعلها من المسائل التي اعتاد عليها اللبنانيون يوميا، إنما بدأ المشهد يأخذ منحى تراجيديا عندما اعتذر قائد الطائرة من الركاب ليبلغهم بأن «الطائرة لا يمكنها الهبوط في مطار بيروت، وسنعود إلى شرم الشيخ»، وذلك بعد استعدادها للهبوط على أرض المطار.
لم يكد «القائد» يلوذ بالصمت، من دون أن يضيف شيئا يوضح للركاب ماذا حدث، حتى انطفأت فجأة آثار راحة أيام عيد الأضحى التي قرر الركاب تمضيتها في شرم الشيخ من تنظيم أحد مكاتب السياحة والسفر اللبنانية.
هرع بعض الركاب إلى أمام باب قائد الطائرة لسؤاله عن سبب العودة، وبعضهم الآخر الذي لم يقو على الوقوف، ظن أن حدثاً أمنياً وقع في بيروت أدى إلى إقفال المطار، وشرع آخرون يستفسرون عن وضع الطائرة، وهل ثمة خلل فيها؟ وسأل أحدهم: كيف سنعود إلى شرم الشيخ وصلاحية «الفيزا» انتهت، ولم يعد لدينا أموال؟.. عشرات الأسئلة ارتسمت على الوجوه الخائفة، مع تسجيل حدوث أزمة قلبية لإحدى الراكبات، وقد سارع طبيب موجود بين الركاب لإنقاذها وتقديم الاسعافات الأولية لها، وفي الوقت نفسه، انهارت أعصاب أكثر من أربع راكبات، وبدأن بالنحيب والبكاء، كما فقدت راكبة أخرى الوعي.
وبعد مضي حوالي ربع ساعة على المشهد المرعب، كادت خلاله أكثر من راكبة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب الهلع الشديد، تدارك قائد الطائرة الموضوع، ليبلغ الركاب بأنه «لا يوجد مشكلة في الطائرة، إنما لم نحصل على إذن هبوط في مطار بيروت الدولي».
لم تنته حالات الهلع في الجوّ، بل انتقلت إلى أقاربهم وعائلاتهم المنتظرين في حرم المطار، إذ عندما سألوا عن موعد وصول الطائرة أبلغوا بأن مسارها غير ظاهر على شاشة الكومبيوتر، ما أدى أيضاً إلى حدوث حالات هلع وخوف، وأسئلة تبدأ ولا تنتهي، عن مصير «العالقين في السماء».
قصة «رحلة العيد» لم تبدأ أحداثها مساء الخميس الماضي بتأخير «ساعات» الاقلاع من الرابعة حتى السادسة ثم السابعة، ثم الثامنة عصرا، بل بدأت فعلياً الساعة الثالثة من بعد الظهر، عندما شرع الركاب بالسؤال عن المكان الذي سيقطعون فيه تذاكر مقاعد الجلوس في الطائرة، وذلك بدءا من ساعة وصولهم إلى المطار، للإقلاع في الساعة الرابعة والنصف، كما أبلغوا بذلك من الشركة المنظمة.
ويوم العودة نهار الاثنين، سلّم اللبنانيون الـ150، في الساعة الواحدة ظهرا، مفاتيح غرفهم للفندق الذي أقاموا فيه طوال أيام العيد، وبعدما استعدوا للتوجه إلى المطار بانتظار اقلاع الطائرة في الرابعة عصرا، أبلغوا أن الطائرة ستتأخر إلى الثامنة مساء، ما يعني أن السياح اللبنانيين أمضوا من لحظة خروجهم الفندق، حوالي 7 ساعات في شوارع شرم الشيخ.. وصبروا على أساس أنهم في الساعة التاسعة و20 دقيقة يصلون إلى مطار بيروت، لكن لم يكن في حسبانهم أن القصة لن تنتهي مع لحظة الاقلاع، بل ستمتد جوّاً حوالي ثلاث ساعات أيضاً، إذ بعدما قرر قائد الطائرة العودة بالركاب من الأجواء اللبنانية إلى مصر، أبلغ الركاب قبل دقائق من هبوط الطائرة مجددا في مطار شرم الشيخ، بأنه حصل على إذن هبوط في مطار بيروت، فعاد راجعاً بالطائرة لتهبط بـ«سلام» عند منتصف الليل.
أحد الركاب الذي ضمّ أطفاله وزوجته إلى حضنه لحظة وصولهم إلى أرض المطار، لم يصدق أن فيلم الرعب انتهى، وعندما بدأ باستعادة مشهد بكاء زوجته وعلامات الخوف التي ارتسمت على وجوه أطفاله، سأل: لماذا مطار بيروت لم يسمح بهبوط الطائرة التي تضم 150 راكبا لبنانيا؟ إذا وقع حادث لأحد الركاب فمن يتحمل المسؤولية؟ كيف تحلق طائرة سياحية قبل أن يحصل قائدها على إذن هبوط مسبق؟ من يتحمل مسؤولية ما حدث: وزير السياحة أو وزير الأشغال العامة أو إدارة المطار أو الشركة المنظمة للرحلة؟ إذا أردنا تقديم شكوى فلمن نلجأ؟
هذه الأسئلة وغيرها لم يجد الراكب جوابا عنها، سوى اعتذار خجول من الشركة المنظمة التي اتصل بها، وقد أبدت استغرابها مما حدث!
كامل صالح - السفير في 2 تشرين الثاني 2012
كما على الأرض كذلك في السماء؛ طريق مقطوعة، حالات هلع ورعب، انهيارات عصبية، وانخراط نسوة بالنحيب والبكاء.
ليس الأمر فيلم رعب أميركيا جديدا، بل واقع عاشه حوالي 150 سائحاً لبنانياً علقوا في الجو بين مطار شرم الشيخ في مصر ومطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. ولم يقتصر المشهد على تأخير في الذهاب أربع ساعات ومثلها في العودة، وهذه لعلها من المسائل التي اعتاد عليها اللبنانيون يوميا، إنما بدأ المشهد يأخذ منحى تراجيديا عندما اعتذر قائد الطائرة من الركاب ليبلغهم بأن «الطائرة لا يمكنها الهبوط في مطار بيروت، وسنعود إلى شرم الشيخ»، وذلك بعد استعدادها للهبوط على أرض المطار.
لم يكد «القائد» يلوذ بالصمت، من دون أن يضيف شيئا يوضح للركاب ماذا حدث، حتى انطفأت فجأة آثار راحة أيام عيد الأضحى التي قرر الركاب تمضيتها في شرم الشيخ من تنظيم أحد مكاتب السياحة والسفر اللبنانية.
هرع بعض الركاب إلى أمام باب قائد الطائرة لسؤاله عن سبب العودة، وبعضهم الآخر الذي لم يقو على الوقوف، ظن أن حدثاً أمنياً وقع في بيروت أدى إلى إقفال المطار، وشرع آخرون يستفسرون عن وضع الطائرة، وهل ثمة خلل فيها؟ وسأل أحدهم: كيف سنعود إلى شرم الشيخ وصلاحية «الفيزا» انتهت، ولم يعد لدينا أموال؟.. عشرات الأسئلة ارتسمت على الوجوه الخائفة، مع تسجيل حدوث أزمة قلبية لإحدى الراكبات، وقد سارع طبيب موجود بين الركاب لإنقاذها وتقديم الاسعافات الأولية لها، وفي الوقت نفسه، انهارت أعصاب أكثر من أربع راكبات، وبدأن بالنحيب والبكاء، كما فقدت راكبة أخرى الوعي.
وبعد مضي حوالي ربع ساعة على المشهد المرعب، كادت خلاله أكثر من راكبة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب الهلع الشديد، تدارك قائد الطائرة الموضوع، ليبلغ الركاب بأنه «لا يوجد مشكلة في الطائرة، إنما لم نحصل على إذن هبوط في مطار بيروت الدولي».
لم تنته حالات الهلع في الجوّ، بل انتقلت إلى أقاربهم وعائلاتهم المنتظرين في حرم المطار، إذ عندما سألوا عن موعد وصول الطائرة أبلغوا بأن مسارها غير ظاهر على شاشة الكومبيوتر، ما أدى أيضاً إلى حدوث حالات هلع وخوف، وأسئلة تبدأ ولا تنتهي، عن مصير «العالقين في السماء».
قصة «رحلة العيد» لم تبدأ أحداثها مساء الخميس الماضي بتأخير «ساعات» الاقلاع من الرابعة حتى السادسة ثم السابعة، ثم الثامنة عصرا، بل بدأت فعلياً الساعة الثالثة من بعد الظهر، عندما شرع الركاب بالسؤال عن المكان الذي سيقطعون فيه تذاكر مقاعد الجلوس في الطائرة، وذلك بدءا من ساعة وصولهم إلى المطار، للإقلاع في الساعة الرابعة والنصف، كما أبلغوا بذلك من الشركة المنظمة.
ويوم العودة نهار الاثنين، سلّم اللبنانيون الـ150، في الساعة الواحدة ظهرا، مفاتيح غرفهم للفندق الذي أقاموا فيه طوال أيام العيد، وبعدما استعدوا للتوجه إلى المطار بانتظار اقلاع الطائرة في الرابعة عصرا، أبلغوا أن الطائرة ستتأخر إلى الثامنة مساء، ما يعني أن السياح اللبنانيين أمضوا من لحظة خروجهم الفندق، حوالي 7 ساعات في شوارع شرم الشيخ.. وصبروا على أساس أنهم في الساعة التاسعة و20 دقيقة يصلون إلى مطار بيروت، لكن لم يكن في حسبانهم أن القصة لن تنتهي مع لحظة الاقلاع، بل ستمتد جوّاً حوالي ثلاث ساعات أيضاً، إذ بعدما قرر قائد الطائرة العودة بالركاب من الأجواء اللبنانية إلى مصر، أبلغ الركاب قبل دقائق من هبوط الطائرة مجددا في مطار شرم الشيخ، بأنه حصل على إذن هبوط في مطار بيروت، فعاد راجعاً بالطائرة لتهبط بـ«سلام» عند منتصف الليل.
أحد الركاب الذي ضمّ أطفاله وزوجته إلى حضنه لحظة وصولهم إلى أرض المطار، لم يصدق أن فيلم الرعب انتهى، وعندما بدأ باستعادة مشهد بكاء زوجته وعلامات الخوف التي ارتسمت على وجوه أطفاله، سأل: لماذا مطار بيروت لم يسمح بهبوط الطائرة التي تضم 150 راكبا لبنانيا؟ إذا وقع حادث لأحد الركاب فمن يتحمل المسؤولية؟ كيف تحلق طائرة سياحية قبل أن يحصل قائدها على إذن هبوط مسبق؟ من يتحمل مسؤولية ما حدث: وزير السياحة أو وزير الأشغال العامة أو إدارة المطار أو الشركة المنظمة للرحلة؟ إذا أردنا تقديم شكوى فلمن نلجأ؟
هذه الأسئلة وغيرها لم يجد الراكب جوابا عنها، سوى اعتذار خجول من الشركة المنظمة التي اتصل بها، وقد أبدت استغرابها مما حدث!
كامل صالح - السفير في 2 تشرين الثاني 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم