لا يقتصر الخوف من
سيطرة «الإسلاميين» على مقاليد السلطة، على العلمانيين واليساريين وأصحاب النهج
المعتدل، بل اتسع ليشمل شريحة واسعة من المثقفين والفنانين، وخصوصا الراقصات.
ففي دلالة واضحة على الرعب الناتج عن وصول المتشددين إلى الحكم، لم تخف احدى
الراقصات المصريات وتدعى صوفيا قلقها من هذا الأمر، معتبرة أنها لن تكون وحدها
المتضررة، بل ان تراث الرقص الشرقي كله سيتضرر من ذلك. وبدت راقصة أخرى وتدعى سما
المصري، أكثر مواربة ودهاء في طرح الموضوع، إذ من جهة تدافع عن «جماعة الإخوان
المسلمين»، ومن جهة أخرى تدّعي أنهم سيدعمون مسيرتها الفنية، لأنها «تعرف مجموعة من
السلفيين والإخوان عن قرب، ويتعاملون معها بمنتهى اللطف والرقة والحنان والإنسانية
من دون النظر لأي أغراض دنيوية» على حد تعبيرها.
ويأتي تناقض المواقف بين صوفيا
وسما، ضمن سياق هواجس شرائح واسعة من المصريين، بعدما بدأت تتمظهر مواقف
«الإسلاميين والسلفيين» عبر عدد من الخطوات، منها محاكمة الفنان عادل إمام على بعض
أعماله السينمائية، ومطالبتهم بحذف مشاهد الرقص من الأفلام المصرية كافة، فضلا عن
مشاهد القبل.
أمام هذه الوقائع التي تنم عن ضبابية تحيط بمستقبل الفنون عموما
في مصر، في حال وصل «الإخوان المسلمون» إلى رئاسة البلاد، يطرح أحد المراقبين
سؤالا: «كيف لثورة أن تستقيم إذا منعت النساء من الرقص؟».
وإذ يرجح بعض
الباحثين ربط الرقص بفكرة إغواء حواء لآدم في الجنّة بدايةً، يعيد البعض الآخر جذور
لعبة نفخ الحاوي في الناي لتخرج الحيّة من سلّته وهي تتمايل، إلى إيحاء الحيّة
الأصلية التي فعلت ما فعلته بهدف زرع بذرة العصيان على المنع الإلهي من قطف ثمرة من
شجرة الحياة.
واتخذ الرقص الذي لم يكن في منأى عن حركية المجتمعات البشرية، وفق
الأساطير والموروث الثقافي، فعلا مقدسا عبر ممارسته ضمن حفلة الطقوس في حرم المعابد
والأماكن المقدسة لإرضاء الآلهة، وصولا إلى عصرنا الحالي، حيث بات فنا قائما بنفسه،
له زيّه الخاص ومدارسه المتنوعة والمتعددة، مرورا بالراقصة التي أغوت أنكيدو في
أسطورة جلجامش، من دون نسيان الثمن الباهظ الذي أودى برأس يوحنا المعمداني نتيجة
الشرط الذي وضعته سالومي أمام ملك اليهود لترقص. ولا يمكن للناظر في هذه النقطة
تحديدا، الوصول لخلاصة مفادها «أن راقصة انتصرت على نبي».
عبر هذا المسار إذاً،
دنا الرقص تدريجيا من كونه طقسا مقدسا إلى طقس إنساني، يشابه إلى حدّ بعيد ما حدث
مع فن الشعر، عندما انفصل عن أدبيات الكهنة والنصّ المقدس، ليسلك دربه البشري
الخاص.
أما فلسفيا، فهل بالإمكان فصل ما تلحظه «الفلسفة النفعية»: «أن البشر
يبحثون دائماً عن اللذة، ويبتعدون عن الألم»، عما ينتج عن لذة الرقص على الراقصة
والمشاهد. فتمايل الجسد الأنثوي وفق إيقاع ضروري، يقع ضمن حيز العوامل المؤدية إلى
اللذة، ومنها مُتع العين والسمع والشم واللمس أحيانا.
ليس من حقّ «الإسلاميين»
حذف ما أنتجته البشرية من فنون. كذلك ليس من حقهم تصحير الدين من جماليات الدنيا.
فالرقص كغيره من الفنون، منه ما هو سامٍ، ومنه ما هو منحط، تماما كالأديان، ففيها
اجتهادات وقراءات وسلوكيات في التاريخ كانت في مقام السمو وخدمة للأغراض العليا،
وفيها من الدناءة والفسق والقتل خدمة للأغراض السافلة. من هنا، لا يبدو القول إن
الرقص كفعل إنساني أصلي مبالغ فيه، وهو إرث حضاري بامتياز، واكب الإنسان في كل زمان
ومكان، وخصوصا في مصر التي حرص أجدادها الفراعنة على رسم الراقصة على جدران المعابد
كحرصهم على رسم الآلهة والملوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم