عماد الدين موسى - جريدة السفير اللبنانية - تحميل ديوان
تاريخ المقال: 25-06-2014 02:23 AM
في مجموعته الشعرية الجديدة «خذ ساقيك إلى النبع»، الصادرة لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» (القاهرة)، يُعيد الشاعر اللبناني كامل فرحان صالح القصيدةَ إلى طبيعتها الأولى وفطريتها، إلى طفولة الشعر والأشياء من حولها، سواء من الناحية البلاغيّة أو من جهة الأجواء التخيّلية وبدائيّة الصورة الشعريّة، كذلك موسيقى الكلمات الهادئة، التي تشبه إلى حدٍّ ما هبوب النسيم. وأنتَ تقرأ مجموعة «خذ ساقيك إلى النبع»، ستشعر بأنّ ثمّة ساقية ماء تجري بين قدميك، هذه الساقية التي انوجدتْ أثناء قراءة القصائد، إلا انّ هدير مياهها لن يفارق مخيّلتك، وإنْ أنجزتَ القراءة ووضعتَ الكتاب جانباً.
هذه المجموعة، وهي الرابعة للشاعر، تضمنت 44 قصيدةً قصيرةً في غالبها، عدا واحدة طويلة هي «مشى في أرضٍ لا زرع فيها»، تنحو في
اتجاه التكثيف اللغويّ والاختزال اللفظي، وتعتمد تقنية المقطع وتتاليها في شكلِ مشاهد أو «اسكيتشات» ذكية، والشاعر بهذا يحوّل قصيدته من كونها «مدوّنة» إلى الصيغة «المشهديّة» القريبة من التشكيل البصري، في إثارته للحاسّة الأكثر إدهاشاً وتلقائيّةً في التلقي.
في قصيدة «خلف الباب» يبدأ الشاعر بالتمهيد للحديث عن فضاءٍ مغلق، ربما هو قبرٌ أو غرفة، لا فرق هنا، كون الباب ليسَ مفتوحاً والشمس لما تدخل بعد بل واقفة على العتبة، ليواصل بلغةٍ دراميّة تفاصيل حياةٍ مكتظةٍ بالحنين والدمع، بالإضافة إلى أسئلةٍ يطرحها الشاعر - الكائن من داخل هذا المكان، ليصل إلى النهاية، إلى الموت، حيثُ القلق والأرق الأبديان، اللذان لطالما أرّقا الإبداع والمبدعين، حيثُ يقول:
- «لم يكن الباب مفتوحاً/ والشمس واقفة على العتبة/ كتينةٍ تشرّع أسئلتها لهذا الهباء/ مددت كل حنيني لأمسح دمعة عن نهارها/ وتعريت لأحضنها في هذا الصقيع/ رأيتهم يصلّون أمام قبري، ورأيتني أبكيني/ وأصرخ: ارحل من هنا/ ربما.. لم يكن هناك باب/ ربما الشمس نامت قبل أن أصل/ لكن يدي التي رأت، لملمت الغياب/ لتنضج في العتمة الهواجس/ ويبدو الموت خلف الباب».
في الجانب الآخر، وعلى النقيض من الموت، تنشغل قصيدة كامل فرحان صالح بالحبّ كثيمةٍ لها، محتفيةً بالوجود وماهيته من خلال تناول علاقته بالآخر/ الأنثى، الحبيبة والصديقة. وهذا ما نجده في عدد من قصائده، التي تأخذ الحبّ، وتحديداً تلك العلاقة الروحيّة بين الشاعر وأنثاهُ، أرضيّة لها، ليمتدّ هذا الحبُّ وتكبر دائرته ليشمل كل جزئيات الحياة بصغيرها وكبيرها.
إلى جانب الحبّ نجد الحزن، مرادفاً ومتمّماً، الحزن الممزوج بالفرح، الناضح بالأمل والتفاؤل، ففي قصيدة «أتدرّب على غيابكِ» يعمدُ الشاعر إلى التذكّر ورسم خصائل أنثاه، ناعتاً إياها بالخضرةِ والخصب، كأنها قادمة من زمن الأساطير. وبرغم محاولة الشاعر التدرّب على غياب الحبيبةِ، إلا أنه يعترف بأن لا خلاص من دون حضورها ليكتمل الحبّ ومن ثمّ لتستمر الحياة.
لعل تحويل الوقائع اليوميّة إلى لغةٍ شِعريّةٍ داخل قصيدته هو ما يمنح الشاعر الحيويّة والتحليق عالياً، ويساعد في عدم الوقوع في فخ التقريريّة الفجّة أو ما يسمى بلغة الواقع.
بدورها، الغنائيّة الشفيفة لديهِ، بشعريّتها ونداوتها لا بمفهومها السلبي، أضفت السلاسة والحميميّة إلى قصائد المجموعة، فبدتْ كأنها الأزهار الربيعيّة في صباح إشراقاتها وتفتّحها، وهي ترتدي قمصان الندى. وغدتْ القصائد أقرب إلى أشياء وجوديّةٍ وجماليّةٍ أخرى، إلى الأزهار مثلاً، لتشكّل بمجموعها حديقةً غنّاءةً وغنيّةً، هي من دون شك «خذ ساقيك إلى النبع».
- عماد الدين موسى