أعلن في لقاء «القطاعات الاقتصادية» عن إعادة تكوين موازنة 2012
يبدو أن «موازنة 2012» لن ترى النور قريباً، حيث تخضع مجدداً، لإعادة تكوين نتيجة وجود الكثير من المتغيرات التي طرأت، وفق ما كشف عنه وزير المالية محمد الصفدي أمس، في لقائه ممثلي «القطاعات الاقتصادية» في «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل ولبنان»، موضحا أن البحث يدور حاليا حول زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة (T.V.A) من 10 إلى 11 في المئة، أي 1 في المئة بدلا من 2 في المئة، موضحا أن «هدف الموازنة أن تكون استثمارية، ولن يتخطى عجزها 5250 مليار ليرة»، مقدرا ألا تقل تكلفة زيادة الأجور في القطاع العام عن 1400 مليار ليرة للعام الحالي.
لكن ما ألمح إليه الصفدي في رده على أسئلة الهيئات، بدا واضحا في دلالاته عندما قدم مقاربة بنيوية موجزة لواقع مجلس الوزراء، الذي بدا أن الانقسام فيه ليس على التوجه السياسي فحسب، بل في مقاربة السياسة الاقتصادية أيضا، وأشار الصفدي في هذا السياق، إلى أن مجلس الوزراء يتنازعه أكثر من توجه اقتصادي، إذ «ثمة تضارب فكري في الحكومة يحول دون توصلنا دائما في مجلس الوزراء إلى ما نريده ونتمناه لجعل البلد يتقدم».
وبعد تقديم هذه الصورة، جاء كلام رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير في اللقاء، ليعبر عمّا يمور في صدور معظم رجال الأعمال والهيئات الاقتصادية في القاعة، عندما قال حازما: «لن ندع شيوعياً أو غير شيوعي يقود القطاع الخاص إلى شفير الهاوية». وبدا واضحاً من كلامه، أنه يقصد وزير العمل شربل نحّاس.
في المقابل، وعلى الرغم من اعتراف الصفدي بهذه التوجهات الاقتصادية المتباينة والتي بإمكانها أن تشلّ عمل أي حكومة، وتأكيده على أن المجلس لا ينتج فكراًَ واحداً، استدرك قائلا: «لكن لن تنتهي مدة الحكومة قبل أن تنجز شيئا»، مجدداً تأكيده على معادلة: عدم زيادة العجز، وفي الوقت نفسه، زيادة الإنتاجية.
وأوضح الصفدي لـ«السفير» أن اللقاء مع الهيئات الاقتصادية وكبار رجال الأعمال في الغرفة، يندرج ضمن إطار سياسة الانفتاح على القطاعات الاقتصادية والتواصل معها، بهدف اطلاعها على الإجراءات المالية ومشاريع القوانين التي أعدتها الوزارة لتسهيل المعاملات المتصلة بالضريبة على القيمة المضافة والدخل وشروط تحسين فرص الاستثمار، فضلا عن الدعم المالي المباشر للقطاعات الصناعية.
وأراد الصفدي أمس، عبر مشاركة كبار الموظفين في المالية في اللقاء للرد على بعض الأسئلة التقنية، أن يبلور رؤية شبه دقيقة لمقاربة الواقع المالي والاقتصادي والتجاري، وذلك «بغض النظر عن إقرار مشروع الموازنة سريعاً، أو تأخرها»، مؤكدا في هذا السياق «أن تأخر الموازنة، لا يعني أن المالية ستجمد أعمالها، بل ستستمر بانتهاج الشفافية لتسهيل عمل القطاعات الإنتاجية، وعدم تحميلها أعباء إضافية من جهة، ومراعاة مصالح الناس ووضع المستهلك من جهة أخرى»، الا أنه رأى «أن زيادة التنويع في الضرائب أصبحت حتمية ليس لتمويل الاستثمارات فقط، ولكن لتمويل الزيادات الكبيرةوالمحقّة التي طرأت على مستوى الأجور والتعويضات.
إجراءات لتحفيز النمو
وإذ كرر الصفدي عبر أكثر من صيغة أن لا أعباء إضافية على القطاعات الاقتصادية، لما له من وقع سلبي على الاقتصاد، لم ينف وقوع البلد تحت ظرف غير عادي نتيجة الضغوط الاقتصادية وصعوبة الأوضاع الإقليمية المحيطة بنا، إلا أنه أكد على عزم الحكومة تخطي هذه الصعوبات عبر سلسلة من الإجراءات لتحفيز النمو، ومن الاقتراحات استفادة القطاع الصناعي من الخفض الضريبي على الصادرات، لا إلغاء للمادة 59 من قانون الضريبة على القيمة المضافة، مواصلة دعم القطاع الزراعي والصناعات الغذائية سعياً لتحقيق الأمن الغذائي، موضحا في هذا الجانب أن الوزارة مستعدة للتعاون مع أي قرار يقترحه وزيرا الزراعة والصناعة. ومن الاجراءات المقترحة أيضا إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص للمساهمة في مشاريع البنى التحتية، وتفعيل اللجنة المشتركة بين الوزارة والقطاع الخاص.
ولفت إلى أن توجه الوزارة ضد اعتماد ضريبة الربح المقطوع في قطاع البناء، وقال: «كوزير مالية لن أشجعه، لكن لن أمنعه، وتاليا فمن يفضل ان يتحول من الربح المقطوع الى الربح العادي فليفعل». واعتذر عن التأخير في استردادات الضريبة على القيمة المضافة، واعدا بايجاد حل في اقرب وقت.
أما في موضوع دخول لبنان إلى منظمة التجارة العالميــة، فقــال: توجه الحكومة أن ندخـل في المنظـمة، لكن الممـارسة الواقعيـة، هي لعرقلة الانضـمام إليهـا، حــيث للآن، لم تقر القــوانين الممـهدة للدخول في المنظمة.
وأكد أن التعويضات على المصانع والمؤسسات والسيارات التي تضررت في حرب تموز 2006، تبحث حاليا بغية الخروج بحل جذري قريبا بعد حصر الكلفة المالية.
لجنة للتواصل بين المالية والهيئات
وشهد اللقاء المباشر مع الصفدي، مناقشة لأبرز التحديات الاقتصادية والماليــة الراهنة، وبعض المواضيع المالية ذات الأولوية لإيجاد الحلول العملية السريعة لها.
وأعلن شقير عن إعادة إحياء لجنة التــواصل بين وزارة المالية والهيئات الاقتصادية، بهدف تعـزيز التعاون والتنسيق. ولفت إلى أن «لبنان تمكن من النأي بنفسه عن الأزمة المالية العالمية وحقق معدلات نمو مرتفعة، لكن ما يقلق القطاع الخاص، النتائج الاقتصادية والمالية غير المشجعة في العام الماضي، واستمرار الظروف غير الملائمة لتنشيط العجلة الاقتصادية».
ورأى أن «الشلل الحكومي والتباطؤ الاقتـصادي يأتيان في مقدمة الهواجس لدى مؤسسات الأعمال، خصوصا بعدما تجاوب القطاع الخاص مع المتطلبات الاجتماعية بزيادة الأجور، وهذا ما يلقي على عاتقها بالمزيد من الأعباء ويضعها أمام استحقاقات صعبة إذا ما بقيت الأوضاع على حالها». وأمل أن تتمكن الحكومة من رفع انتاجيتها خصوصا في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر فيها منطقتنا، «لإعطاء صورة مشجعة للمستثمر اللبناني والعربي، ومحركة للعجلة الاقتصادية»، كما أمل «اتخاذ إجراءات محفزة للقطاعات الإنتاجية».
وبعدما ذكّر «بمعاناة القطاع الخاص من البيروقراطية الرسمية العقيمة والفساد»، عرض بعض المواضيع ذات الأولوية بالنسبة للقطاع، منها مشكلة استرداد الضريبة على القيمة المضافة، واستغراقها وقتا طويلا.
توصيات الهيئات الاقتصادية
قدمت الهيئات الاقتصادية للصـفدي في اللقاء عددا من التوصيات منها ما يتعــلق بالشــراكة بين القطاعين العام والخاص، مشيرة إلى أن «القطاع الخاص بقدراته واستثماراته يشكل المحرك الأول والأساس للنمو الاقتصادي، ودعم القطاع لا يتـم بالتأكيد عبر زيادة النسب الضريبية، بل عبر اعتماد توجه ضريبي داعم لمكانة الطبــقة الوسطى في الاقتصاد اللبناني، ومشجع للإنفاق الاستهلاكي، وعبر تحرير القطاع من الكوابح التي تعيق دوره في تحقيق النمو».
كما أبرزت الهيئات في ورقة التوصيات «الحاجة إلى تضافر جهود القطاعين العام والخاص، دفعاً للاستثمارات وتدعيماً للثقة وتوخياً للشفافية، وتعزيزاً لدور القطاع الخاص المؤثر في الاقتصاد وفي خلق فرص العمل، وفي دفع عملية النمو قدماً، وتبديداً للتوقعات المتجهمة التي كبحت قطاع الأعمال عن ممارسة نشاطه، وعن خلق فرص عمل جديدة».
وعلى مستوى تفعيل دور القطاع الخاص في الاقتصاد، دعت إلى تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي «تضمن التزاماً بتطبيق الإصلاحات التي تتعلق بالقوانين والأنظمة التي ترعى نشاط القطاع الخاص بهدف تحسين عناصر المنافسة، وخفض كلفة تعاطي القطاع الخاص مع الإدارات العامة، وتحسين ظروف لبنان للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية».
واقترحت لمعالجة الصعوبات التي تواجه مؤسسات الأعمال، تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، عبر: تحفيز النمو بزيادة معدل الإنتاج وخفض كلفته وتحسين تنافسيته. تحسين المؤشرات الاجتماعية الأساسية من أجل تطوير شبكات أمان اجتماعية لحماية ذوي الدخل المحدود. تحقيق إصلاح مالي جذري يؤدي إلى زيادة الفائض الأوّلي عبر ترشيد الإنفاق وزيادة الواردات. تحرير عدد من القطاعات الاقتصادية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص من خلال الخصخصة. إتباع سياسة نقدية تهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسعار ولجم التضخم. تسهيل الإجراءات الإدارية والمعاملات بين مؤسسات القطاع الخاص من جهة والإدارات المالية والجمركية من جهة أخرى، ولوضع اقتراحات من شأنها تحفيز عمل القطاع الخاص وتحسين البيئة الاستثمارية.
وخلصت «الهيئات» للتأكيد «أن استسهال اللجوء إلى الخيار الضريبي لتغطية العجز في الموازنة العامة، إنما يزيد من تكبيل الاقتصاد الخاص، ولا يحل مشكلة الدين العام على المدى الطويل. كما أن أي زيادة في النسب الضريبية إنما تزيد الضغط على مداخيل الأسر، وتشكل تهديداً للأمن الاجتماعي».
وشرح ممثلو قطاع الأعمال مطالبهم من الحكومة، تحت أربعة عناوين، هي: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الدخل، الغرامات، والطابع المالي.
كامل صالح - السفير 8 كانون الثاني 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم