|
يتوزع دم ضحايا الأغذية الفاسدة بين «قبائل» الإدارات الرسمية التي يمكن وصفها بكل ضمير مرتاح، بـ«المهترئة».
«إدارات» تحتاج قبل غيرها، إلى تطبيق نظام الثواب والعقاب الذي تنتجه دولة مسؤولة، لا دولة تفرّخ قوانين معظمها غير منجز والمنجز غير مطبق، كي تقع المسؤولية أخيرا، على المقتول لا القاتل.
من المسؤول عن تطبيق ومراقبة سلامة الغذاء في لبنان؟ هل هي وزارات الاقتصاد (مديرية حماية المستهلك)، الزراعة، الصحة، السياحة، الصناعة، أو المحافظات، البلديات، النقابات...؟. أمس، خرج نقيب أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري بول عريس، إلى الإعلام عبر مؤتمر صحافي عقده في نادي الصحافة في فرن الشباك، تناول فيه «واقع السلامة الغذائية في المطاعم اللبنانية»، والدفاع عن المؤسسات السياحية، خصوصا قطاع المطاعم، مقابل ما وصفه بـ«الحملات المغرضة التي تشوه الحقائق وتضلل المواطن والسائح، وتعرّض آلاف المؤسسات السياحية والصناعية لمخاطر جمّة، في حين أن الوطن بغنى عنها».
وقبل أن يضع «النقاط على الحروف»، ينقل عريس عن وزير السياحة تأكيده وجود حوالى 10 آلاف مطعم يعمل من دون ترخيص، من أصل 14 ألف مؤسسة سياحية تعمل في لبنان، طارحا السؤال: «من يتحمل مسؤولية هذه الظاهرة الغريبة ويراقبها؟».
ويأتي سؤال عريس، على وقع إحصاءات «حماية المستهلك» التي تكشف عن تسجيل 188 محضرا في الشهور الستة الأولى، منها حوالى 69 في المئة خاصة بالمنتجعات السياحية وبسلامة الغذاء، فضلا عن وجود نسبة عالية من المطاعم لا تلتزم بنظافة الأغذية المقدمة لزبائنها، وأدوات مطابخها. إنما، المستغرب، أن رقابة «حماية المستهلك» على سلامة الغذاء تبدأ بعد دخول المنتجات الأسواق، وليس قبل ذلك، يضاف إلى ذلك عدم وجود نص قانوني يعطي «حماية المستهلك» الصلاحية لكشف أسماء المخالفين بالنسبة لسلامة الغذاء!
عودةً إلى مؤتمر عريس، وبعدما عدد حجم الحجوزات السياحية الملغاة داخليا وخارجيا نتيجة الهلع من الواقع الغذائي في المؤسسات السياحية، يوضح لـ«السفير» أن القطاع السياحي شهد في شهر تموز تحسنا يبلغ حوالى 10 في المئة عن الشهور الستة الأولى التي تراجع فيها حجم الإشغال في القطاع حوالى 35 في المئة، وتاليا لا زالت نسبة التراجع الإجمالية تبلغ حوالى 25 في المئة عن الفترة نفسها في السنة الماضية.
في المقابل، وانطلاقا من مقولة «ثمة ضحايا تقع في كل عملية إصلاح»، خصوصا مع انتشار «المافيات» المتحكمة بمفاصل الصحة والتجارة والاقتصاد في البلد، يشدد عريس على ضرورة محاسبة المخالفين، لكن «ليس وفق أسلوب قطع رقبة القطاع السياحي كله» حسب تعبيره، الذي يوظف في قطاع المطاعم فقط، «أكثر من ملياري دولار من الاستثمارات، وأوجد أكثر من 150 ألف فرصة عمل»، 75 في المئة منها يشغلها لبنانيون، كما أصبح «أهم مستهلك للمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية ومستوردي المواد الأولية الغذائية، فضلا عن أنه يصدر خبراته، حيث بيعت حوالى 600 «فرانشايز» حتى الآن».
وفيما يوضح عريس أن قطاع المطاعم يخضع قانونيا إلى «مراقبة من أجهزة حكومية عدة منها الضابطة السياحية والشرطة السياحة، ومصلحة حماية المستهلك ودوائر الصحة في المحافظات والبلديات»، يسأل: «هل هذه الأجهزة مؤهلة بشريا وتقنيا لأداء مهامها وتطبيق القانون؟». ويضيف: «إذا كان بعض أصحاب المؤسسات هم من عديمي الأخلاق أو عديمي المعرفة، لا يطبقون الأنظمة والشرائع، وإذا كانت الأجهزة الرسمية لا تتخذ الإجراءات بحقهم، فهل يحق لأي كان استغلال هذا الوضع لتهديم القطاع بأكمله؟»، محذرا في هذا السياق، من أن «فتح الباب للتأويل والتشهير»، أنتج لائحة يجري تداولها حاليا تضم أسماء مطاعم يقال إنها مخالفة، وذلك قبل أن يصدر القضاء حكمه... «فهل المطلوب ضرب الاستثمارات السياحية في لبنان؟».
وإذ يؤكد عريس أن «النقابة ليست سلطة»، يوضح أن الدولة «تقبض من القطاع ملايين الدولارات سنويا، وتاليا مطالبة بحمايته وتعزيز قدراته، وتحديث القوانين السياحية والغذائية التي يعود بعضها إلى العام 1956»، مطالبا بـ«اقفال المؤسسات غير المرخصة»، و«تكثيف دوريات المراقبة، والتشهير بالمخالفين وإحالتهم على القضاء»، و«تأمين برامج تدريبية على السلامة الغذائية للمؤسسات كافة التي تنقصها الخبرات والمعلومات»، كما طالب المجلس النيابي «العمل بسرعة على اعتماد مشاريع قوانين السلامة الغذائية التي وضعت من قبل UNIDO وخبراء جامعيين لبنانيين».
وقبل أن يعلن عريس في ختام مؤتمره، أن النقابة ستطلق في الشهر المقبل «أسبوع المطبخ المفتوح»، ليتسنى «للزبائن زيارة مطابخ المؤسسات السياحية، والتأكد بأنفسهم من جودتها واحترامها لأنظمة السلامة الغذائية»، يبقى سؤال: من المسؤول عن تطبيق سلامة الغذاء في لبنان؟ معلقا، بانتظار أن يتحمل «أحد ما» المسؤولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم