روايته تعد الأولى في طرح الصدام بين الحضارات
شكل رحيل الروائي السوداني الطيب صالح في لندن أمس صدمة للوسط الثقافي العربي، فهذا الرجل يعد من أوائل الروائيين العرب الذي طرح الصدام بين الحضارات إبداعيا، وحفر عميقا في الوعي الإنساني، إذ معظم أعماله تمت ترجمتها الى أكثر من لغة عالمية، ولعل أبرزها «موسم الهجرة الى الشمال» التي طالتها عشرات الدراسات بالبحث والتحليل والنقد لما تتضمنه من مفاتيح يمكن استخدامها في مقاربة العلاقة بين الشرق والغرب. وفي هذا السياق، خرج بطل الرواية مصطفى سعيد من سياق أحداث الرواية ليتحول الى رمز لهذه العلاقة المتوترة بين عالمين شهدا الكثير من الإشكاليات والحروب والخوف والألم والتسلط، فجاء البطل ليكون المهزوم الأول أمام تحديات بناء جسور متينة تستند الى الاحترام المتبادل والندية الحضارية.ورغم غياب الطيب صالح بجسده عن هذا العالم، فان أعماله الروائية والقصصية ذخيرة لا لبحث الباحثين نقادا كانوا أم مؤرخين، فهو عالم ثري مليء بقضايا إنسان العالم الثالث الذي آمن به صالح وعبر عن همومه وآلامه وأفراحه وإحباطاته.
من كرمكول الى لندن
ولد الطيب صالح عام 1929، في إقليم مروى شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل قرب قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة البديرية التي ينتسب إليها. وقد وافته المنية في العاصمة البريطانية لندن صباح أمس عن عمر يناهز الثمانين عاما. عاش صالح مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته, وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية. تنقل صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمل لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وممثلا لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول ان حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم، وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية «موسم الهجرة إلى الشمال» الصادرة عام 1966 م.وكتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من 30 لغة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى». وتعتبر “موسم الهجرة إلى الشمال” واحدة من أفضل مائة رواية في العالم، وحصلت على العديد من الجوائز، ونشرت لأول مرة في أواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت وتم تتويجه “كعبقري الأدب العربي”. في عام 2001 تم الاعتراف بكتابه على يد الأكاديميا العربية في دمشق على انه «الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين». وحولت روايته «عرس الزين» إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات، حيث فاز في مهرجان كان. في مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم «المجلة». وخلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق إلى مواضيع أدبية متنوعة، وعاش لعشرة أعوام في باريس حيث تنقل بين مهن مختلفة، آخرها كان عمله كممثل اليونسكو لدول الخليج.
( الخميس 24/02/1430هـ ) 19/ فبراير/2009 العدد : 2804
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم