«الصناعيون» يستعدون لتشكيل وفد... و«رجال الأعمال» يراقبون الوضع بشغف
لم يزل القرار الليبي الرسمي الأخير، برفع الحظر عن التعاون التجاري والاقتصادي مع لبنان، غير واضح المعالم، حيث غلب الترقب على مقاربة الهيئات الاقتصادية للقرار، برغم إجماعهم على أهمية السوق الليبية والتبادل التجاري معها، في ظل ما تشهده الصادرات اللبنانية من عدم استقرار نتيجة التوتر الذي تشهده المنطقة.
وإذ اتسمت العلاقات اللبنانية الليبية بشبكة من العوامل المتداخلة والمعقدة نتيجة البعد السياسي لها والمتمثل باتهام النظام الليبي السابق باختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقيه، إلا أنها على الصعيد التبادل التجاري كانت تشهد انتعاشات محدودة، لا سيما على صعيد المشتقات النفطية ومنتجات دور النشر والصحافة والألبسة والآلات والصناعات الغذائية وغيرها.
لكن، أمام الالتباس الحاصل حول كيفية استمرار حركة التبادل التجاري بين لبنان وليبيا إلى أواخر العام الماضي، برغم الحظر، يوضح رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير لـ «السفير» أن «غرفة بيروت وجبل لبنان» لم تصدق منذ أكثر من سنتين أي معاملة إلى ليبيا، باستثناء معاملة واحدة منذ حوالى شهر، تتعلق بطبع كتب لصالح وزارة التربية الليبية، لافتا إلى أن معظم الصادرات كانت تدخل إلى ليبيا، نتيجة تدخل بعض المسؤولين في النظام الليبي السابق، كما كانت بعض السلع اللبنانية تدخل إلى السوق الليبية عبر طرق غير مباشرة، مثل عبورها من دولة إلى أخرى كمصر وتونس.
وفي هذا السياق، يلحظ أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ في العام الماضي (حتى تشرين الثاني)، 24 مليونا و700 ألف دولار، (صادرات: 2,3 مليون دولار، مستوردات: 22,4 مليون دولار)، على الرغم من القرار الليبي آنذاك، بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية. ووفق تقرير لـ «مركز الدراسات الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان»، بقي الميزان التجاري في حالة عجز لمصلحة ليبيا (20,1- مليون دولار)، كما هو الحال منذ العام 1993 وحتى العام 2010، في ما عدا العامين 1998 و1999. وقد تراوحت قيمة العجز ما بين 1,2 مليون دولار كحدّ أدنى (العام 1993)، و42 مليون دولار كحدّ أقصى (العام 2010)، وذلك بسبب استيراد لبنان المشتقات النفطية من ليبيا (وقود وزيوت معدنية)، والتي بلغت 51 مليونا و653 ألف دولار في العام 2010 من أصل 51 مليونا و713 ألف دولار، أي شكل تقريباً إجمالي السلع المستوردة من ليبيا.
في المقابل، تميزت الصادرات إلى ليبيا في العام نفسه، بتنوع محدود، وقد بلغت 9 ملايين و665 ألف دولار، ومنها: منتجات دور النشر والصحافة (5,749 ملايين دولار)، ألبسة غير مصنرة (1,949 مليون دولار)، سيارات ومركبات (579 ألفا)، آلات وأجهزة وأدوات.. (318 ألفا)، زيوت عطرية ومحضرات تجميل (247 ألفا)، آلات وأجهزة كهربائية وأجزاؤها (181 ألفا)، منتجات كيماوية متنوعة (134 ألفا)، ورق وكرتون.. (112 ألفا)، ألمنيوم ومصنوعاته (117 ألفا).
«سوق واعدة.. تحتاج لكل شيء»
يرحب رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية جورج نصراوي ورئيس تجمع رجال الأعمال الدكتور فؤاد زمكحل بالقرار الليبي، ويؤكدان عبر «السفير»، أن «ليبيا سوق واعدة، وتحتاج الآن لكل شيء».
ويشير نصراوي إلى أنه «ما قبل الحظر كان الاستهلاك الليبي للسلع اللبنانية يرتفع تدريجا، ومن أبرزها المنتجات الغذائية، الألبسة، القطع الكهربائية، المعدات، الآليات.. وغيرها»، كاشفا أن «جمعية الصناعيين اللبنانيين ستشكل وفدا لزيارة ليبيا قريبا، بغية بناء علاقة جديدة ومستقرة وواضحة مع الجهات المعنية هناك».
وإذ يلفت نصراوي إلى أن «القطاعات الصناعية يهمها فتح صفحة جديدة مع السوق الليبي، ومنتجاتنا مطلوبة»، يجدد مطالبته الحكومة بدعم القطاع، «حيث ثمة معاناة حقيقية يواجهها الصناعيون من ناحية كلفة الإنتاج المرتفعة مقارنة بالعالم العربي، ما يجعل منافسة السلعة اللبنانية لنظيرتها العربية صعبة».
ومما لا شك فيه، أن ليبيا بلد غني جدا بالطاقات وخصوصا الموارد الطبيعية، وفق زمكحل، وقد بدأت تجذب إليها المستثمرين من كل العالم، حيث تحتاج الآن إلى كل شيء، إضافة إلى إعادة الاعمار وتأهيل البنية التحتية. ويرى زمكحل أنه «بعد الأحداث المتسارعة في المنطقة، وتأثيرها السلبي على النشاط الاقتصادي اللبناني، تبدو ليبيا كأرض جديدة ليتعلق بها اقتصادنا، ومن الممكن أن تؤدي دورا ايجابيا في هذا الإطار».
ويتوقع أن «تنحو الدولة الليبية الجديدة نحو نظام شبه ليبرالي، مما يعني أن المناخ الاقتصادي والاستثماري سيكون أسهل وأيسر في التعامل مع الآخر، من العقل القديم، الذي اتسم بمزاجية عالية لم يكن بالإمكان الاطمئنان إليها والبناء عليها».
ويدعو زمكحل المستثمرين اللبنانيين إلى زيارة ليبيا، لبحث أوجه التعاون المختلفة، منها:
أولا: السياحة، فلبنان معروف بطاقاته وخبراته في هذا المجال، ومن الأهمية بمكان أن ينشط في هذا السياق. وقد لحظ «تقرير الغرفة» أن عدد السائحين الليبيين الذين قدموا إلى لبنان في العام 2009 بلغ نحو 3 آلاف و913 سائحا، نسبتهم 0,5 في المئة من إجمالي السائحين العرب. وفي العام 2010 وصل عددهم إلى 4570 سائحا نسبتهم 0,5 في المئة أيضا من اجمالي السائحين العرب الذين قدموا إلى لبنان.
ثانيا: الصناعة، لدى لبنان العديد من الصناعات الممكن تسويقها عربيا وعالميا، وهي مطلوبة لجودتها العالية.
ثالثا: التبادل التجاري والاقتصادي، فالسوق الليبية بعد الاستقرار السياسي، تحتاج إلى منتجات استهلاكية كثيرة ومتنوعة.
رابعا: الاستثمار والانتاج، فليبيا أرض خصبة في هذا السياق. علما بأن الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وفق تقرير الغرفة، بلغت: قيمة الاستثمارات الليبية في لبنان ما بين الأعوام 1985-2009 نحو 1,8 مليون دولار نسبتها 0,01 في المئة من الاستثمارات العربية في لبنان في تلك الفترة. فيما بلغت قيمة الاستثمارات اللبنانية في ليبيا 31,3 مليون دولار نسبتها 0,83 في المئة من الاستثمارات العربية في ليبيا. ولم يسجل العام 2010 استثمارات متبادلة بين الطرفين.
وبعدما يوضح زمكحل أنه لا توجد مشاريع مباشرة لقطاع رجال الأعمال اللبنانيين في ليبيا حاليا، باستثناء بعض الحالات القليلة جدا، يؤكد «أننا نتابع الآن الوضع بحذر وانتباه، لكن بشغف».
صادرات.. مستوردات
وفق تقرير غرفة تجارة بيروت وجبل لبنان، بلغت قيمة الصادرات إلى ليبيا في العام 2010 نحو 9,7 ملايين دولار، وهي أدنى من قيمة الصادرات إليها في العام 2009 التي بلغت 10,9 ملايين دولار، بانخفاض نسبته 11 في المئة. في حين أن الصادرات اللبنانية الاجمالية بلغت نسبة ارتفاعها 22,06 في المئة. أما المستوردات اللبنانية من ليبيا فبلغت قيمتها في العام 2010 نحو 51,7 مليون دولار، مقابل 26,1 مليونا في العام 2009 بارتفاع قارب الضعفين، في حين أن قيمة المستوردات اللبنانية الاجمالية ارتفعت بنسبة 10,60 في المئة. وانخفضت قيمة الصادرات إلى ليبيا بنسبة 11 في العام 2010 مقارنة بالعام 2009، في حين ان قيمة الصادرات ارتفعت بنسبة 22,06 في المئة، غير ان قيمة المستوردات من ليبيا ارتفعت بما يقارب الضعفين، مقابل ارتفاع قيمة المستوردات اللبنانية الإجمالية بنسبة 10,60 في المئة.
ومن الملاحظ أن التبادل التجاري بين البلدين، شهد تقلبات محدودة طوال الفترة الممتدة ما بين الأعوام 1993 2010، وسجلت الصادرات قيمة قياسية في العام 1998 وهي 17,4 مليون دولار، فيما سجلت المستوردات قيمة قياسية في العام 2010.
أما البرنامج التنفيذي لاتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين البلدين، الذي بدأ تطبيقه في العام 1999، فيلحظ، وفق تقرير الغرفة، أنه لم يترك أثره البارز على الحركة التجارية بين البلدين، فقيمة الصادرات اللبنانية إلى ليبيا انخفضت بنسبة 14،2 في المئة في العام 2010 مقارنة بالعام 1999، إلاّ إن قيمة المستوردات ارتفعت نحو 12,6 أضعاف في العام 2010 مقارنة بالعام 1999، إلا أن السبب الرئيس لهذا الارتفاع، هو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وهي السلع الرئيسية المستوردة من ليبيا.
كامل صالح - السفير 14 كانون الثاني 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم