بحث

4 مارس 2022

كلام في البدايات والكتاب والملتقى... والحلم: أمين الذيب الساكن في سماء المجاز

أمين الذيب و كامل فرحان صالح في مؤثمر الأدب الوجيز في بيروت في حزيران 2019

كامل فرحان صالح *

بيروت في 4 آذار 2022 – معرض بيروت الدولي للكتاب


تبلورت فكرة الأدب الوجيز في ذهن المؤسس الصديق الراحل أمين رفيق الذيب (1953 - 2020) قبل كانون الأوّل (ديسمبر) 2017، في العاصمة اللبنانيّة بيروت، عبر عقد عدة أمسيات، لكن في هذا التاريخ عقدت أول ندوة تحت عنوان "شعر الومضة والقصة القصيرة جدّا" هنا في قاعة المحاضرات على هامش فاعليات معرض بيروت الدّولي للكتاب، وقد حاضر في الندوة آنذاك، نخبة من الأكاديميين والنّقاد. وتوالت المؤتمرات والندوات والأمسيات السّاعية إلى إرساء قواعد الأدب الوجيز بعد ذلك، في لبنان وتونس وسوريا والعراق والأردن والمغرب...
قبل رحيل المؤسس أمين المفاجئ في العام 2020، كان حلمه قد بدأ يتبلور، عبر عقد الملتقى في لبنان، عدة اجتماعات متواصلة لبلورة مفهوم الأدب الوجيز ومصطلحه، فارتسمت سمات عامة، بناءً على هذه اللقاءات والنقاشات التي استمرّت في غير جلسة من العام 2019 إلى منتصف العام 2020، برئاسة المؤسس. وبينما جرى التوافق مبدئيًّا، على السمات العامة، وضعت أيضًا، سمات خاصة لكل من: الومضة، والوجيزة.
لم يهدأ المؤسس أمين، فبقي حتى الرمق الأخير، يتابع ويعمل ويقترح ويحث ويخطط لنشر الأدب الوجيز لبنانيًّا وعربيًّا، ومن ذلك كان يحثّنا نحن أعضاء الملتقى (د. درية فرحات ود. باسل الزين وميساء طربيه... والزملاء في الهيئة العامة) على الكتابة الأسبوعية عن هذا الأدب مع مجموعة من الكتّاب والأكاديميين والمثقفين في لبنان والعالم العربي، بهدف تفعيل خيار الإبداع والنقد في هذا الأدب بوصفه نوعًا أدبيًّا جديدًا له خصائص وسمات. وقد نُشرت عدة مقالات ودراسات في هذا الخصوص، كذلك عقد غير مؤتمر في لبنان وتونس تحديدًا، بهدف ترسيخ مفهوم الأدب الوجيز ومصطلحه عربيًّا، منها مؤتمر: "الأدب الوجيز هوية تجاوزية جديدة" الذي عقد في بيروت في 20 و21 حزيران 2019، بمشاركة مفكرين ومثقفين وأكاديميين لبنانيين وعرب، بحضور الشاعر أدونيس، وبالتعاون مع الجامعة اللبنانيّة وبرعاية وزارة الثقافة اللبنانيّة والسفير التّونسيّ السّابق في لبنان كريم بودالي، وقد أصدر الملتقى كتابه النّقديّ الأوّل، فضلًا عن مؤلّفات أخرى في الومضة.
أما فكرة هذا الكتاب الذي نحتفي بصدوره اليوم، فقد تبلورت مباحثه في ظل المتابعة الحثيثة للمؤسس أمين، وكانت هذه المباحث حصيلة مساهماتنا المتواصلة بنشر عدة مقالات ودراسات عن الأدب الوجيز في الصحف والمجلات من العام 2018 إلى العام 2020، وقد جرى إعادة تنسيقها والتوسع في بعض المباحث، بهدف تقديم مسعى في فهم الأدب الوجيز ومكوناته وسماته.
يهدف هذا الكتاب إذًا، إلى محاولة وضع إطار نظري للعناصر المكوّنة لنصّ الأدب الوجيز وسماته (الوجيزة: القصة، والومضة: الشعر)، ويتضمن الكتاب أيضًا مقاربات نقدية نظرية وتطبيقية على نصوص وجيزة.
وإذا أمكن لهذا الكتاب أن يضع مكوّنات وسمات يمكن أن تعدّ منطلقات لتشكيل مدخل لمفهوم الأدب الوجيز بعد ترسيخه مصطلحًا أدبيًّا، فإنه يبدو من المفيد التأكيد بدايةً، أن مقاربة هذه السمات والمكونات، هي هنا غير مستقرة، أي من الممكن أن يصار إلى إعادة تقديمها في سياق مفهومي جديد، ويجوز لهذا الجديد، أن يرتكز على ما قد ورد في الكتاب، ويستفيد منه، لكنه من المؤكد أنه لن يكون نهائيًا، وتامًا، كما الحال في هذا الكتاب، كون الشعار الذي رفعه المؤسس أمين منذ البداية هو فعل التجاوز، وها هو قد عبّد الدرب في حياته، ويبارك خطواتنا من سمائه، وننتظر من الأجيال الأدبية الجديدة أن تكمل المسيرة نحو ترسيخ مذهب الأدب الوجيز الذي سيكون أول مذهب أدبي عربي بامتياز.

أخيرًا، الحبيب أمين


يوم رحيلك في حزيران 2020، خلتك لحظة التأبين في بلدتك كفرمتى، تنظر إلينا وتبتسم من خلف "الخشبة"، وتصرّ أن نلتقي في منزلك القريب، لنستكمل العمل في انجاز مشاريع ملتقى الأدب الوجيز. كنت مستعجلًا لانجاز الحلم، كأن قلبك كان يبثّ إشارات حذر أن الطريق شارف على النهاية. لم نكن ندري يا صديقنا ورفيقنا وحبيب قلوبنا، أن وقت مغادرتك حينذاك، قد حان.
لا كلمات تعبر عن حجم حزننا، عن حجم غصتنا ووجعنا في رحيلك. قلبك كان رشيقًا بالابتعاد، ليتركنا نتخبط في هذا البلد الباحث عن خلاص، عن خشبة خلاص.
إلى النعيم الأبدي حيث يسكن الطيبون مثلك، ونعاهدك مجددًا، على مواصلة استكمال الحلم: الأدب الوجيز: درية وابنتك تمارا وباسل وهناء وأنا كامل، وكل من سيحمل معنا رشاقة وصيتك الأخيرة باستمرار العمل في الملتقى.
أمين... خسرناك في هذه الفانية، وإلى أن نلتقي، أرجو منك أن تبقى تنظر إلينا، وترعى خطواتنا، وأن تباركَنا حيث أنت.
رحمك الله، وأعان الله عائلتك وأهلك ومحبيك، وأعاننا على الصبر والسلوان.

* أستاذ جامعي وعضو في ملتقى الأدب الوجيز – لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews