بحث

18 أكتوبر 2011

As-Safir Newspaper - كامل صالح : سليمان: لم يعد جائزا و«مش مسموح» أن يكون الاقتصاد في خدمة السياسيين


الرؤساء الثلاثة يواكبون إطلاق برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً تحت شعار «حلاّ»

لعلها المرة الأولى، بات بإمكان الفقير اللبناني، أن ينتبه أن هناك دولة تهتم لأمره، وتسعى لمساعدته، ولو بالحد الأدنى من التقديمات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية، التي تمكنه من العيش في ظل «جنون الغلاء المستشري» من دون حسيب أو رقيب، وذلك عبر «البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا» الذي يرفع شعار «حلاّ»، والذي يمكن اعتباره خطوة أولى جدّية، على طريق معالجة تفاقم الفقر في لبنان، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي
.وفيما تبقى الإحصاءات المتعلقة بعدد الفقراء في لبنان، غير دقيقة، خصوصا أن الإحصاء الرسمي الأخير أجري في العام 2004، أي قبل سبع سنوات، أطلق أمس، في «اليوم العالمي للحدّ من الفقر»، رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور «البرنامج» من بيت المحامي في بيروت، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وسفير إيطاليا جيوسيبي مورابيتو وسفيرة كندا هيلاري تشايلد آدمز وشخصيات.
يطمح «البرنامج» إلى استهداف حوالى 80 ألف أسرة تحت خط الفقر (أي حوالى 400 ألف لبناني)، يبدأون بالاستفادة من سلة المساعدات غير النقدية بدءا من منتصف الربيع المقبل، بعدما يتقدمون بطلباتهم بدءا من اليوم، إلى 96 مركزا لوزارة الشؤون الاجتماعية في المناطق كافة، على أن تخضع الطلبات للتدقيق والتحقيق الميداني من قبل 400 عامل ومحقق اجتماعي إضافة إلى موظفي الوزارة، لغربلتها، والتأكد من صحة المعلومات الواردة فيها.
لم ينف الرئيس سليمان في كلمته التي ألقاها في حفل إطلاق البرنامج الذي تموّله الحكومة ووزارة الخارجية الإيطالية ـ مكتب التعاون للتنمية، والبنك الدولي والسفارة الكندية، «التحديات على مستوى الفقر التي تحتاج إلى معالجات سريعة، والى تأمين فرص عمل إضافية والدخول في نمو أكبر»، موضحا أن «الواقع المرير هو أن مشكلة البطالة والفقر ما زالت تتفاقم في العديد من الدول في ظل أزمة مالية، وهذا يدفع بالكثيرين للمطالبة بتفسير العلاقة بين السياسة والاقتصاد».
وأكد أنه «لم يعد من الجائز «ومش مسموح» أن يكون الاقتصاد في خدمة السياسيين، أو أن تكون السياسة في خدمة الاقتصاد، إذا ما قام على المضاربة بعيدا عن أي مبادئ ديموقراطية أو ضوابط خلقية»، مستشهدا بإحصاءات الأمم المتحدة التي «تشير إلى أن نحو مليار شخص في العالم، ما زالوا يعانون الفقر المدقع، فضلا عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية واندلاع المزيد من النزاعات المسلحة».
«الحق لكل أسرة للتقدم من الدولة بطلب للمساعدة»
وإذ رأى سليمان «أن بناء رأس المال الاجتماعي يكون برفع قدرات المواطن»، شدد على أهمية «تضافر الجهود والطاقات، ولكل مواطن رسالة تشمله وتتعداه إلى الجماعة»، مضيفا: «من هذا المنطلق بادرت الدولة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية إلى الإعداد لهذا البرنامج الذي يعطي الحق لكل أسرة للتقدم من الدولة بطلب للمساعدة، ويهدف إلى تقديم مساعدة للأسر الأكثر فقرا، مع الحرص على ألا تشكل المساعدات حافزا لعدم الإقدام على العمل، ويقيني أن هذا البرنامج يضمن المساواة بين الأسر التي تعاني الفقر».
وأشار إلى «أن المواطن يعتبر الدولة مسؤولة عن تأمين حاجاته الأساسية من باب الحقوق، لا الهبات، وتصل إليه من دون تمييز أو منّة من أحد، والواقع أننا خصصنا وقتا طويلا سابقا للأمن والسياسة، إلا انه اليوم، ومع الاستمرار بتعزيز الاستقرار، فقد حان الوقت لتكريس عناية للاهتمام بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي ومعالجة هموم الناس»، معتبرا أن «مستقبل لبنان لن يكون داكنا طالما توافقنا على ميثاق وطني يكرس العيش الواحد ومشاركة للجميع، وطالما أن الدستور يسمح بالتداول للسلطة، وتحول المنطقة العربية إلى الديموقراطية يتيح لنا تعزيز ممارسة الديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية».
وأكد أن الفرصة أصبحت متاحة «لنتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه لبنان بلدا منتجا للنفط، وهذا يتطلب إقرار قانون النفط والبدء بإنشاء البنى التحتية للتنقيب عن النفط، مما سيعزز الثقة باقتصاد لبنان، ويرفع معدلات النمو، ويفتح مرحلة جديدة على الصعد التنموية والاقتصادية».
وخلص للقول: «لقد حرصت على المشاركة في هذا الحفل لتأكيد اهتمامي الخاص بالشأن الاجتماعي، آملا أن تتكلل المهمة من هذا البرنامج بالنجاح».
«وأخيرا تعترف الدولة أن في لبنان فقراء»
«وأخيرا تعترف الدولة اللبنانية أن في لبنان فقراء، وأخيرا تكفّ الدولة عن النظر إلى اللبنانيين باعتبارهم أبناء طوائف ومذاهب وأتباع ملل، ومجموعات، وتحاول النظر إليهم كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات»، هكذا استهل أبو فاعور كلمته في الحفل، معترفا في الوقت نفسه أن «البرنامج لن يقيم العدالة الاجتماعية المرجوة بين جميع اللبنانيين... لكنني أيضا أسارع إلى التأكيد أنه بغياب مبادرة اجتماعية شاملة، وخطة اجتماعية واضحة، فان البرنامج يشكل فرصة للأخذ بيد العائلات الأكثر فقرا، ومساعدتها على بناء قدراتها، وكسر حلقة الفقر والمعاناة المتوارثة من جيل إلى جيل».
وقال أبو فاعور: «ونحن نطلق اليوم هذا البرنامج، لنتعرف إلى شريحة من اللبنانيين أولا، ولنعترف بها ثانيا، من خلال قاعدة معلومات وطنية لا تهدف إلى استعراض المعاناة، بل إلى رفعها عبر سلة تقديمات يقرّها مجلس الوزراء تساهم في بناء قدرات هذه العائلات».
 وأوضح أن سلة المساعدات، التي اقترحتها اللجنة الوزارية المعنية بالشأن الاجتماعي، وأحالتها إلى مجلس الوزراء لإقرارها، «تستبعد نهائيا خيار المعونة النقدية لألف اعتبار ومحظور، لكنها تتضمن: الاستشفاء المجاني، والرعاية الصحية الأولية وتأمين الأدوية اللازمة، وإعفاء أبناء هذه العائلات من رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بكافة المراحل، والتعليم المهني، وتأمين الكتب المدرسية بما يرفع كلفة التعليم عن كاهل العائلات، ويساعد في لجم التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، إضافة إلى الإعفاء من رسوم الاشتراك في الكهرباء».
«لن يكون بابا إضافيا لهدر المال العام»
البرنامج سيكون «بمثابة اختبار حقيقي لمصداقية الدولة»، حسب أبو فاعور، «التي تصدعت في الكثير من المفاصل والمحطات»، مؤكدا أنه «سيكون عابرا للطوائف وللمناطق، وللاصطفافات السياسية العمودية التي طبعت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنقابية والاغترابية خلال السنوات الماضية»، كما أكد «أن البرنامج لن يكون بابا إضافيا لهدر المال العام أو لتوزيع المال السياسي، والضمانة في ذلك الآلية الشفافة والمحكمة والالتزام القاطع من الدولة بعدم حصول ذلك».
وخلص أبو فاعور للتأكيد أنه «آن الأوان لكي ننتقل من دولة المنّة أو المنحة أو المعونة إلى دولة الرعاية».
الدولة تسأل للمرة الأولى عن فقيرها: «أنت وين؟»
واكب «البرنامج» الذي خصص له مجلس الوزراء كرصيد أولي، سلفة مالية تبلغ 28 مليونا و200 ألف دولار لإعداد سلة المساعدات، حملة إعلانية وإعلامية رفعت العديد من الشعارات منها: «مش مسموح»، «وين الدولة»، «الدولة حدك أنت وين؟» وغيرها، بهدف دفع الأسر الفقيرة للتقدم إلى المراكز في المناطق، لرصد أحوالهم، ثم مساعدتهم، وفق البرنامج. ولا يقتصر الأمر على المساعدات فقط، بل يواكب ذلك، وفق مدير «وحدة الإدارة المركزية لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقرا في لبنان في رئاسة مجلس الوزراء» رمزي نعمان، في مرحلة لاحقة، دمج القادر منهم في عملية الإنتاج، والاعتماد على نفسه، ضمن إستراتيجية تنموية تتشارك فيها الوزارات والهيئات والجمعيات والجهات المعنية، بحيث يسهّل البرنامج لصانعي القرار على المستوى الحكومي، من تحسين الأداء في الوصول إلى الأكثر فقرا بفاعلية، ويقلل من ازدواجية العمل، مما ينعكس على ترشيد الاستثمارات الحكومية المتعددة.
كما يحرص البرنامج «على ألا تخلق المساعدات حافزا لعدم العمل والاعتماد المطلق عليها»، بل على العكس، فانه، «يسهل بناء الامكانيات وخلق فرص عمل مناسبة لهذه الشرائح». يعتمد البرنامج الذي يعطي الحق لكل أسرة للتقدم من الدولة طلبا للمساعدة، عملا بمبادئ المساواة، العدالة في إطار من الموضوعية والشفافية، «المؤشرات التقريبية»، (وهو أسلوب علمي عالمي لتصنيف العائلات وفق معدلات الرفاهية)، حيث تلحظ مجموعة مؤشرات مقاسة تصرح بها العائلة، بالإضافة إلى نتيجة زيارات ميدانية لدراسة أوضاع العائلات المعيشية (موجودات الأسرة، الوضع المعيشي، خصائص السكن)، وعليه تصنف العائلات وفق معدلات رفاهية من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، مما يتيح لصانعي السياسات الحكومية معلومات تفصيلية حول الأسر الفقيرة والمهمّشة، وتاليا المساعدة على وضع وتطبيق البرامج الكفيلة بتوفير السلة، وفق اجراءات فاعلة وعلمية للمراقبة والتقويم الدوريين.
وتكمن أهمية هذا الأسلوب، في أنه يسمح بتركيز التقديمات على الفئات المستحقة، والتخفيف من تسربها إلى الفئات غير المستحقة، وزيادة نسبة التغطية للعائلات الفقيرة المستحقة، ومزيد من الشفافية والمصداقية والحد الأقصى من التخفيف من إمكانيات الغش، وعدالة أكثر في توزيع المساعدات. وسيحصن البرنامج عبر اعتماد المعادلة الحسابية والمعدلات الرقمية، بحيث لا يكون هناك توزيع طائفي ومناطقي للوائح، فضلا عن مراقبة المحققين الاجتماعيين، واعتماد نظام الشكاوى.
ويندرج البرنامج في صلب خطة العمل التي وضعتها الحكومة في إطار الإصلاحات الاجتماعية التي قدمت إلى «مؤتمر باريس 3» في العام 2007. كما يهدف إلى بناء قاعدة معلومات وطنية حول الأسر الأكثر فقرا، ويستند في انطلاقته إلى نتائج «الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر» الصادرة عن «دائرة الاحصاء المركزي» في العام 2004، والتي لحظت آنذاك، «أن 28 في المئة من اللبنانيين يعيشون على أقل من 4 دولارات يومياً، ويصنّف حوالى 8 في المئة من اللبنانيين تحت خانة الفقر المدّقع بمدخول لا يتجاوز الـ2.4 دولار في اليوم للفرد».

كامل صالح - السفير 18 تشرين الأول 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews