أسعار الحبوب حافظت على ارتفاعها برغم تراجع أسعار بعضها عالميا (تصوير: فادي أبو غليوم) |
الأسواق غارقة في «جمودها».. وهبوط سعر السكر والأرز عالمياً لم يترجم لبنانياً
الاستهلاك في رمضان: اللحوم المبرّدة تزيد.. الطحين يتراجع.. الألبسة تكسد
لم تشفع زينة شهر رمضان التي عمّت معظم الأسواق، بإنقاذ الحركة التجارية والاقتصادية من الجمود والتراجع الذي رافقها منذ الشهر الأول من السنة، وباستثناء الارتفاع الطفيف في استهلاك الخضار والحلويات واللحوم، فان «الحركة العادية جدا» بقيت مسيطرة على الأسواق، ولم تتأثر إيجاباً إن كان في موسم الصيف عموماً، الذي يشهد منذ بداياته حركة سياحية خجولة، أو في شهر الصوم خصوصاً، الذي بدا عاجزا عن كسر مسلسل الأزمات والعوائق الاقتصادية المتراكمة شهرياً.
يجمع نقيب تجّار مال القبّان في لبنان أرسلان سنو ورئيس نقابة الصناعات الغذائية جورج نصراوي ورئيس جمعية تجّار مار الياس عدنان فاكهاني وعضو مجلس إدارة جمعية تجّار مال القبّان بول منصور عبر «السفير»، على أن «حركة الاستهلاك في رمضان لم تكن عادية وحسب، بل شهدت تراجعا في العديد من القطاعات». وإذ بدا لافتا تراجع استهلاك الطحين بين 20 و25 في المئة، يعزو سنو السبب، «لمغادرة الكثير من العمّال لبنان لقضاء رمضان في بلادهم، فضلا عن التراجع الحاد في حركة الوافدين من الخارج». في المقابل، يوضح سنو أن «حركة استهلاك الزيوت النباتية زادت 10 في المئة في رمضان، ويشير نقيب مصدري ومستوردي اللحوم والأسماك والخضار المجمّدة محمد مبسوط إلى تحسن في استهلاك اللحوم في النصف الأول من رمضان، خصوصا اللحوم المبردة التي ارتفعت 10 في المئة عن الفترة نفسها من السنة الماضية. ولم ينف مبسوط ارتفاع الأسعار من 5 إلى 10 في المئة في رمضان، عازيا السبب إلى «ارتفاعها عالميا». ويستهلك لبنان سنويا 17 ألف طن من اللحوم المبردة، وحوالى 6 آلاف من اللحوم المجلدة، و110 آلاف طن من اللحوم الطازجة، و150 ألف طن من الدجاج.
«لم نعش فرحة رمضان.. أين الناس؟»
وفيما علمت «السفير» أن العديد من المؤسسات تصرف موظفيها لوقوعها تحت أزمات مالية حادة، غير تلك التي أقفلت أبوابها، أو شارفت على الإفلاس، يمكن وصف حركة الاستهلاك في رمضان بـ«المتواضعة جدا»، وفق فاكهاني، الذي يقول بعدما يتأمل الزينة التي تعمّ الشارع: «لم نعش فرحة رمضان كما في السنوات السابقة، رغم كل هذه الزينة والنشرات الإعلانية، وحفلات الأطفال.. أين حركة الناس؟ أين السيّاح؟.. للأسف الوضع من سيئ إلى أسوأ، وكل سنة نقول يا محلى السنة الماضية»، لافتا إلى أن «الوضع السوري المتأزم، ألقى بتداعياته السلبية أيضا على حركة السوق، حيث كان يشهد السوق يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، إقبالا واسعا من الشرائح المتوسطة والغنية في سوريا».
لم يقتصر تأثير الوضع السوري على الحركة التجارية الداخلية وحسب، بل شمل الصادرات الصناعية خصوصا الصناعات الغذائية، ووفق نصراوي فإن «صادرات الكثير من القطاعات الصناعية إلى سوريا تتراجع باضطراد». وتضم نقابة الصناعات الغذائية 150 منتسبا من أصحاب المصانع، فيما يبلغ عدد مصانع الغذاء في لبنان ما يزيد عن ألفي مصنع، يضاف إليها عشرات المصانع غير المرخصة. وبعدما يشير نصراوي إلى عدم تسجيل حالات صرف للعمّال على الرغم من وجود تعثر في بعض المصانع، ينقل رفض أصحاب المصانع الغذائية رفع الأجور، معتبرا أنه «في حال سارت الحكومة في هذا المطلب، فان الكثير من المصانع ستقفل أبوابها، أو تضطر إلى صرف عمّالها»، مشددا في هذا السياق، على ضرورة «أن تعالج الدولة مشكلة تدني الأجور عبر تخفيض فواتير الكهرباء والطبابة والمحروقات والاتصالات، بحيث يدفع المواطن فاتورة واحدة لقاء الخدمة، بدلا من دفعه فاتورتين كما يحدث منذ سنوات».
«السحوبات عادية.. وارتفاع سعر الحمص 20%»
أما عن حركة الاستهلاك في رمضان، فيلحظ نصراوي أنها «خالفت التوقعات، فكانت نسبة الاستهلاك عادية، والجمود بقي مسيطرا على بعض القطاعات». ويحيل السبب، إلى «أن القدرة الشرائية عند المستهلك ضعيفة، بل ضعيفة جدا، يواكب ذلك، ارتفاع أسعار بعض المعلبات حسب المنتوجات من 3 إلى 15 في المئة مقارنة مع السنة الماضية، منها الحبوب المعلبة والناشفة لارتفاع نسبة التصحّر عالميا، حيث شهدت بعض الدول المنتجة للحبوب نقصا حادا في مواسمها، منها تركيا التي يستورد منها لبنان الحمص، إذ بلغ معدل ارتفاع سعره حوالى 20 في المئة من بداية السنة».
ومن الأسباب أيضا، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، «كثرة الطلب وقلة العرض، وارتفاع أسعار النفط مما يؤثر تلقائيا على أسعار النقل والشحن، يضاف إلى ذلك، ارتفاع في أسعار التوضيب (الكرتون، البلاستيك، التنك، الزجاج..) بين 5 و10 في المئة».
وبعدما ارتفع سعر طن السكر حوالى 25 في المئة، تراجع سعره حوالى 15 في المئة منذ الأيام الأولى من رمضان، بحسب منصور، موضحا أن «سعر طن الرز تراجع أيضا 15 في المئة، والطحين 10 في المئة، لتراجع الأسعار عالميا».
لكن، هذا التراجع لم يترجم عمليا، في السوق المحلية، خصوصا في المنتوجات الداخلة ضمن تركيبتها، مثل الحلويات والخبز، وبقيت الأسعار محافظة على ارتفاعها.
«معدل الارتفاع بين 5 و10% في سنة»
وبعدما لوحظ أن وزارة الاقتصاد لم تصدر النشرة اليومية بالأسعار كما وعدت، في رمضان، تؤكد مسؤولة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في «جمعية المستهلك لبنان» المهندسة ندى نعمة أن «الأسعار كانت مرتفعة قبل رمضان، ثم زادت ولم تتراجع بعد دخوله، منها الخضار كافة، وزيت الذرة (750 ليرة)، ولحم الغنم (ألف ليرة)، والحلويات الرمضانية، حيث ارتفع سعر دزينة «الكلاج» في المحال الشعبية من 9 آلاف ليرة إلى 15 ألف ليرة»، موضحة، أنه «على الرغم من أن مؤشر الأسعار الذي تعلــنه منظــمة الأغذية والزراعة للأمــم المتحدة (الفاو) لم يسجل ارتفاعا عالميا، فان المعدل الإجمالي لارتفاع الأسعار محليا، تراوح بين 5 و10 في المئة في سنة واحدة»، كاشفة أن «مؤشر جمعية المستهلك سجل في أشهر نيسان وأيار وحزيران فقط، زيادة في الأسعار بلغت 18،87 في المئة».
«أين المجلس الوطني لحماية المستهلك؟»
أمام معادلة «كلما زادت عمليات التسوق زادت عمليات الغش»، تسأل نعمة: «أين المجلس الوطني لحماية المستهلك؟ ولماذا لم يجتمع إلا مرة واحدة منذ تأسيسه في العام 2005؟ أين قانون المنافسة لمنع الاحتكار؟ من يضبط مخالفات عرض المواد الغذائية على الطرقات، كما يحدث الآن مع المشروبات الرمضانية؟»، مشددة على ضرورة أن «تتــحرك أجــهزة الدولة المعنية لتنظيم حركة الأسواق وضبط فوضى الأسعار وسلامة الغذاء، إذ لا يجوز أن يصل عدد الوسطــاء إلى أربعة بين المزارع والمستهلك، وأن نشهد في كل موسم طفرة في الأسعار»، مؤكدة أن المطلوب «آلية متابعة ومراقبة وتطبيق للمراسيم والقوانين، لضبط حركة ارتفاع الأسعار، وإلا فالفوضى مستمرة وبقاء المستهلك تحت سيطرة احتكارات التجّار».
ووفق جولة على الأسواق، لوحظ أن الارتفاع في أسعار الفواكه والحبوب بقي محافظاً على ارتفاعه منذ اليوم الأول من رمضان، وتراوح ما بين 20 و70 في المئة، على الرغم من أن أسعار الخضار في أرضها، تعدّ متدنية جدا، منها: صندوق الخس (10 خسّات) 3 آلاف ليرة، صندوق البندورة (حوالى 20 كيلوغراما) 5 آلاف ليرة، صندوق الملفوف (حوالى 20 كيلوغراما) 3 آلاف، صندوق الصبّار (حوالى 150 حبّة) 10 آلاف ليرة.
«هموم تجّار الألبسة.. وانفجار اقتصادي قريب!»
من جهة أخرى، وأمام استمرار تراجع الحركة في أسواق الألبسة منذ بداية العام الحالي، يعتبر فاكهاني أن «الوضع الاقتصادي منذ العام 2005 في حالة انهيار، والهموم تتراكم»، محذرا من «انفجار اقتصادي قريب، خصوصا أن الأسواق لا تستطيع الاستمرار من دون حركة سياحية».
وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة عن حركة الاستهلاك في النصف الأول من رمضان، يوضح فاكهاني أن «تجّار الألبسة لم يتمكنوا من تصريف أكثر من 30 في المئة من بضائعهم في موسم الصيف، والحال نفسه في موسمي الشتاء والربيع». وإذ يأمل أن يحافظ عيد الفطر» على ماء الوجه»، يبدي فاكهاني تخوفه من «وقوع حادث ما، أو خطاب سياسي متشنج، يفاقم من المأساة، ويزيد من وقوع «التجّار الشهداء»، خصوصاً مع تزايد الحديث في السوق عن تجّار جدد سيعلنون إفلاسهم قريبا»، منتقدا في الوقت نفسه، «تجميل البعض صورة الوضع، فيما جميعنا ننهار مالياً».
كامل صالح
جريدةالسفير 20/08/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم