بحث

31 مايو 2011

As-Safir Newspaper - كامل صالح : مؤسسات عامة تتعمد إسقاط حق ناجحين في التعيين والتعاقد مع راسبين

As-Safir Newspaper - كامل صالح : مؤسسات عامة تتعمد إسقاط حق ناجحين في التعيين والتعاقد مع راسبين
ليس جديداً الكشف عن مؤسسات حكومية، لا تحترم تراتبية الناجحين في المباريات، وتتعمد إسقاط حقهم في التعيين.
وليس مستغرباً أن يعلم المواطن في الدولة اللبنانية، وجود وزارات وبلديات تخالف الدستور والمبادئ القانونية العامة، بإقدامها على التعاقد مع أشخاص رسبوا في مباراة التعيين في هذه الوظائف.
إنما الجديد أمام هذا «الاهتراء المستشري»، ملامح درب يسعى مجلس الخدمة المدنية لحفره، عسى أن يتمكن البلد من الخروج من تفاقم «مفهوم المزرعة» إلى «مفهوم الدولة»، والخروج من «الطائفية» إلى «المواطنة».
إقطاعات للطوائف والمناطق والأحزاب
يدرك «مجلس الخدمة» حجم الكارثة التي تفتك بمفاصل الدولة، ويعي أن التصرف في الإدارات العامة والمؤسسات العامة، لم يزل من قبل بعض ممن يتولون المسؤولية، و«كأنها اقطاعات للطوائف والمناطق والأحزاب والقوى السياسية»، بل «مقتنيات، يتم تقاسمها، بالتوافق طبعاً، ومن ثم استتباعها، والتصرف بها، بعيداً عن مفهوم الخدمة العامة، والمصلحة العامة»، كما يقول رئيس المجلس الدكتور خالد قباني في مقدمة «تقرير أعمال مجلس الخدمة المدنية عن سنة 2010».
وفيما بات ضرورياً إعادة النظر بالرواتب لكي تتلاءم مع الأوضاع المعيشية والحياتية التي تضغط على كاهل الموظف، وتنعكس سلباً على الأداء العام، يرى قباني، أن «مفهوم الوظيفة العامة في لبنان، لا يزال بعيداً عن الإدراك العام، ويتم التعامل معها، وكأنها متاع أو وسيلة للعيش والعمل، وفي كثير من الأحيان، للسلطة أو النفوذ».
وتفاقم نظرة المجتمع إلى الموظف، الأزمة، حيث «لم ترتق بعد إلى مستوى التقدير والاحترام الذي يستحقه، لغياب مفهوم الخدمة العامة عن ثقافة البلد».
ويلحظ أن «مقاربة مفهوم دولة القانون، لم يتم بعد، بما ينطوي عليه من خضوع الحكام والمحكومين، في تصرفاتهم وسلوكهم وكل أعمالهم إلى احكام القانون، واحترام القاعدة القانونية، وتطبيقها، وعدم الخروج عليها، أو التباهي في الخروج على أحكام الدستور والقوانين، واعتبار ذلك مصدر قوة ومدعاة افتخار».
الإدارة كسلاح وأداة استقواء
لكن الأخطر يبقى عدم التوصل «إلى تحييد الإدارة عن السياسة، وإبعادها عن الصراعات والنزاعات السياسية»، فتستخدم «كسلاح وأداة استقواء في هذه الصراعات والنزاعات، ويُزجّ الموظفون والمواطنون في أتونها ونارها، فتقع الإدارة فريستها وأولى ضحاياها».
ويحدد قباني المشكلة بعدم وجود «فصل بين السلطات، ولا فواصل بين الدولة والأشخاص.. ولا وجود لثقافة المساءلة والمحاسبة، بل خليط ومزج ودخان وسحب داكنة»، مؤكداً أن الوظيفة العامة «ليست سلماً للارتقاء الاجتماعي أو للتسلط أو ممارسة النفوذ أو الإثراء»، موضحاً «أن كل من وليَّ عملاً عاماً هو موظف في خدمة الدولة، يتساوى في ذلك الجميع، سواء أكان رئيساً أو وزيراً أو مديراً أو في أي منصب عام».
ويسعى مجلس الخدمة، أمام عدم ارتقاء لبنان، بعد، إلى هذا المستوى من الثقافة لمفهوم الدولة، ولمفهوم الوظيفة العامة، ولمفهوم المواطنية، ولمفهوم السياسة ومعناها، «لأن تكون الإدارة حيادية ونزيهة وشفافة»، وإلى «استعادة دور المؤسسات، وتحييد الإدارة عن السياسة، وأن تعمل من أجل كل الناس».
ويشير قباني في هذا السياق، إلى أنه «لا يجوز أن ندفع الناس دفعاً وقهراً إلى اللجوء للمراجع أو القوى السياسية، وذوي النفوذ للحصول على حقوقهم أو تيسير مصالحهم، فنسيء إلى أنفسنا، وإلى الإدارة ونساهم في إهدار كرامات الناس».
وتزخر «الإدارة اللبنانية بالكفاءات المتميزة وبذوي الأخلاق الحميدة»، لكن، يلحظ أن معظم هذه الكفاءات، مغيبة أو مهمّشة، بفعل السياسات المتبعة، فتخسر الإدارة طاقاتها المنتجة، وتضرب قاعدة الموظف المناسب في المكان المناسب. وهنا يكمن «الجرح النازف في جسم الدولة، وفي قلب الإدارة العامة، وما ينتظر منها من خدمة المواطن».
الاحترام.. الحماية.. التحديث
عن طبيعة عمله في رئاسة مجلس الخدمة المدنية، يوضح قباني أنه أبقى المجلس محصناً من التدخلات والضغوط،، وعمل على تحقيق أهداف ثلاثة: الأول: احترام الإدارات العامة للقانون والأنظمة النافذة في كل أعمالها. الثاني: حماية حقوق المرشحين للوظيفة العامة، واعتبار المجلس الضامن والحامي لأصحاب الكفاءة والجدارة، والالتزام بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والشفافية في المباريات التي يجريها. الثالثة: تحديث الإدارة وتطويرها وإدخالها عصر تكنولوجيا المعلومات.
ويؤكد أنه «بدءاً من شهر آذار 2010 حتى شهر آذار 2011، وخلال هذه السنة التي توليت فيها مسؤولياتي في المجلس، ما واجهنا ولا تعرضنا، لتدخلات أو ضغوط، من أي نوع كانت، ومن أي جهة سياسة أو غير سياسية».
مشروع قانون للإصلاح والتطوير
لأن بؤر الفساد تتسع كبقعة الزيت، وبات من الضروري إجراء عملية جراحية عاجلة، بدأ مجلس الخدمة المدنية باعتماد سياسة إصلاحية وتطويرية للمؤسسة، ولسائر الإدارات العامة، بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وأجهزة الرقابة المختلفة. وتتلخص هذه السياسة، كما يوضح قباني، بوضع مشروع قانون جديد لنظام المجلس يواكب المستجدات والتطورات، في ما يتعلق بمفهوم الوظيفة العامة والإدارة الحديثة، ويتلاءم مع الدور المطلوب من المجلس على صعيد الرقابة على أعمال الإدارة وتطويرها، ومدّها بالقيادات الإدارية الرائدة، بعد مضي أكثر من نصف قرن من الزمن على صدوره في 12 حزيران 1959.
ووضع المجلس هذا المشروع بين أيدي لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب كبديل لمشروع القانون الذي عدل بعض مواد نظام المجلس الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النواب منذ سنة 2006. وأقرّته اللجنة بعد مناقشته، تمهيداً لرفعه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للبت به.
إشغال مراكز عن طريق التكليف!
في سعيه لتبديد الانعكاسات السلبية على حسن سير العمل في الإدارات ونوعيته، حثّ المجلس الإدارات العامة على عدم اللجوء إلى إشغال المراكز الشاغرة لديها عن طريق التكليف، أي بما يخالف أحكام القانون. وطلب العمل على ملء هذه الشواغر، وفقاً للأصول التي يحددها القانون، ولا سيما عن طريق مباراة يجريها المجلس.
وبعدما أقرّ مجلس الوزراء آلية التعيينات في الفئة الأولى في الإدارات العامة والمؤسسات العامة، والترفيع من الفئة الثالثة للثانية، وإعداد تقرير عن واقع الموضوعين بالتصرف، أعدّ المجلس وبالتعاون مع وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب، لوائح الموظفين المعنيين بالأمر، وتبليغها ضمن المهل المحددة في الآلية، إلى كل الوزراء، وفي المراحل جميعها بدون انتظار الانتهاء من مرحلة للبدء بالمرحلة التي تليها، كما وضع المجلس تقريراً شاملاً يبين فيه واقع الموضوعين بالتصرف، والحلول التي يراها لحل مشكلتهم المزمنة.
ويشير قباني إلى أن المجلس هيأ «كل الترتيبات والظروف للبدء بأعمال اللجنة التي كلفها مجلس الوزراء. وتولى المجلس إعداد لوائح المرشحين وتبليغهم الدعوات بصورة منتظمة، للمثول أمام اللجنة في المجلس.
إلا أن المؤسف، كما يقول قباني: «أن بعض الوزراء، لم يسارع إلى التلبية، لأسباب لا نعلمها، على الرغم من أنهم كانوا يشكون من شواغر في إداراتهم، مما أعاق عملية استكمال هذه المقابلات قبل أن تقدم الحكومة استقالتها، وكانت إحدى ثمرات تنفيذ هذه الآلية تعيين مدير عام لوزارة الصناعة».
فريج: ممارسات تبدد «عبير الأمنيات»
يعرب رئيس مصلحة التخطيط والبحوث بالانابة في وزارة الشؤون الاجتماعية د. غازي فريج عن أسفه لما تضمنه التقرير السنوي للمجلس من ممارسات تبدد «عبير الأمنيات»، ومنها: أن بعض الإدارات، ولا سيما المؤسسات العامة والاستشفائية منها بنوع خاص لا تحترم تراتبية الناجحين في المباريات، وتتلكأ في التعيين، وتتأخر متعمدة إسقاط حق الناجحين في التعيين ضمن المهل المعتمدة في القوانين والأنظمة.
ويلفت إلى ما تضمنه التقرير من «أن بلدية بيروت خالفت أحكام الدستور (المادة 12) والمبادئ القانونية العامة، باقدامها على التعاقد مع 81 شخصا، أسندت إليهم وظائف متنوعة من دون اجراء مباراة بحجة «التوازن الوطني». علما أن المجلس أجرى سابقا، مباراة للتعيين في هذه الوظائف، ولم يؤخذ بنتيجتها وفقا لترتيب الناجحين. وقد شمل التعاقد أشخاصا رسبوا في المباراة، وتجاهل آخرين نجحوا فيه.
أما «المعهد الوطني للإدارة» الأساسي في إعداد القيادات الإدارية الكفوءة والمتخصصة، ورفد الإدارة بها، كذلك في تدريب الموظفين المستمر خلال حياتهم الوظيفية، فلم يقم بدوره المزدوج مـنذ تاريخ إنشائه سنة 2001 حتى الآن، «مما ترك انعكاسات سلبية خطيرة على سير العمل والانتاجــية في الادارات العامة» وفق فريج، الذي لاحظ أيضا، ما تضمنه التقرير عن «اقتراح قانون سبق للمجلس دراسته، يرمي إلى إعادة العمل بوزارة التصميم واستبدالها بوزارة التخطيط، وقد أحاله المجلس إلى رئاسة مجلس الوزراء في تاريخ 6/9/2010، حيث لم يتم البت به لغاية تاريخه».
يبرز فريج «حاجة الإدارة العامة إلى التخطيط، بعدما اكتوت بنار الارتجال السياسي، وما نتج عنه من فساد وفاسدين». لكنه يخلص للقول: «غالبا ما تودع التقارير السنوية لأجهزة الرقابة في أدراج المكاتب كي لا ترى النور والهواء. وما بوسعنا سوى الإعلان عن بعض فحواها أمام الملأ والتذكير بما ورد فيها».كامل صالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews