As-Safir Newspaper - كامل صالح : مصر.. والطريق إلى الجمهورية الثانية
اعداد: كامل صالح
أسئلة المستقبل في مصر، قيد التداول: أي دستور يريده المصريون؟ نظام رئاسي مغلق أم نظام برلماني منفتح؟ قانون انتخابي على قاعدة النسبية، أم الدائرة الصغرى؟ الدولة المدنية أم الدولة الدينية؟.
خلقت هذه الأسئلة حراكًا على مستويات كثيرة، أبرزها النقاشات بين النخب الفكرية والقانونية، وأصحاب الخبرات والتجارب.
وتشهد وسائل الإعلام المصرية التي تحررت من قبضة الأجهزة الأمنية/ المافيوية، نقاشات مفتوحة؛ هادئة وعاصفة، حول مختلف القضايا، مما يبشر بديموقراطية حقيقية، تصطرع فيها الأفكار والمفاهيم والمشاريع والسياسات، أمام جمهور متعطّش للمشاركة في بناء مصر جديدة.
هنا محاولة لاقتباس بعض هذا الحراك، لما قاله نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشار حسن البدراوي، الذي يعدّ واحدًا من أبرز الفقهاء في القانون الدستوري في مصر.
تعيش مصر حاليا مرحلة انتقالية، بأمل الوصول إلى الجمهورية الثانية. يقول البدراوي: «إن الجمهوريات توصف بأنها أولى أو ثانية، أو حتى خامسة ليس بعدد الرؤساء وإنما بطبيعة العمل السياسي». ويأمل «أن تكون مصر جمهورية مدنية ديموقراطية حقيقية، تقوم على فكرة التعدد الحزبي، يأتي فيها نظام الحكم متوازنا بين سلطات الرئيس، وسلطات البرلمان، فلا نسمع عن رئيس فرعون للسلطات»، مبديا رغبته «أن يكون الدستور الجديد قائما على فكرة الدولة المدنية، وهي مسألة مهمة جدا».
ويعلق البدراوي الذي طالب منذ أكثر من عشرين عاما بدستور جديد لمصر، على مسألة دعوات البعض بجمهورية برلمانية، وليست رئاسية بالقول، في حوار نشر في جريدة الأهرام المصرية في 14 نيسان: «النظام الرئاسي دمرنا، وكأن مصر عرفت بالفعل النظام الرئاسي بالمعنى الدستوري الدقيق»، مؤكدا أن هذا لم يحدث، مشيرا إلى أنه «منذ دساتير 56 و64 و71 لم تعرف مصر في طبيعة نظامها السياسي إلا فكرة الواحدية على المستوى العام في الدولة، وتاليا حرمنا من أن نتعامل مع نظام رئاسي حقيقي». ويحبذ قيام «نظام الجمهورية الثانية على الأقل لمدة عقدين من الزمن، النظام الرئاسي البرلماني، أو ما نسميه النظام المختلط، وهذا النظام هو أشبه بالنظام الفرنسي، يكون فيه البرلمان قويا يستطيع أن يراقب السلطة التنفيذية ويحاسبها، ويشرّع».
المواطنة وحقوق الانسان والأقليات
وفيما يشدد على ضرورة توضيح هوية الدولة في الدستور الجديد، يؤكد أن الشعب المصري «يريد دولة مدنية أساسها المواطنة، يحترم فيها حقوق الإنسان والأقليات»، مشيرا في الوقت نفسه، إلى وجوب أن «يذكر صراحة في الدستور الجديد كل ما يؤكد ويشير إلي طبيعة الدولة المدنية». ويزيد على ذلك، وجوب وجود «نص في الدستور يعطي للقوات المسلحة الحق في الكفالة والسهر على مدنية الدولة». ويرى أنه «إذا وصلنا إلى مدنية الدولة أو الدولة المدنية، فستضمن لأجيالنا أن تعيش في أمان من أي محاولة تغيير لطبيعة الدولة»، موضحا أن «الدولة الديمقراطية هي بطبيعتها دولة مدنية. فالديموقراطية ليست الدستور والأحزاب والانتخابات فقط، فكل هذا يسمى بآليات أو وسائل الديموقراطية. أما الديموقراطية في حقيقتها فتسمى بالأعصاب الحسّاسة للديموقراطية، أي فكرة الإحساس بأن الآخر مواطن مثلي مثله، وفكرة المشاركة وتقبل الآخر، فكل هذه الأمور التي تسمى بمجموعة القيم، وتحمي التجربة الديمقراطية، يجب أن نسميها الثقافة المدنية». فالثقافة المدنية ليست ضد الثقافة الدينية، ولا الثقافة الإسلامية ولا الثقافة المسيحية، بل العكس، الثقافة المدنية ممكن أن تؤخذ من قيم الثقافة الدينية، لأن الإسلام والمسيحية وكل الأديان السماوية فيها جانب ثقافي بالغ الإشراق يخدم على هذه المسائل.
أما في مسألة سلطات الرئيس، فيشير إلى أن «المجلس العسكري هو الذي يدير الدولة ويأخذ سلطات رئيس الدولة. ولا نستطيع القول إن الإعلان الدستوري لم يذكر سلطات الرئيس، لأنه لا يوجد رئيس بعد. وعندما تتم الانتخابات، ويعقد مجلس الشعب، ونضع دستورا جديدا، ستحدد سلطات الرئيس بحسب النظام الذي سنختاره. فالآن المجلس العسكري بيده السلطة التشريعية، واعتماد الدبلوماسيين الأجانب، ووضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء».
ويدعو البدراوي للبدء فورا بالحوار الوطني حول الدستور الجديد، يكون حوارا وطنيا مؤسسيا منظما يقوم على فكر. فمصر تملك مراكز أبحاث كثيرة، وقامات عالمية يمكن أن تتولى هذا الموضوع عبر إجراء استطلاعات رأي، وجلسات استماع، واجراء مسوح. ولا بد أن نكفل كل هذا من الآن بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء. فالدستور الجديد أمر منتهٍ لابد منه. مع ضرورة الإبقاء على مجلس الشورى ومنحه الصلاحيات كاملة لكي يصبح غرفة برلمانية أو نيابية ثانية.
القائمة النسبية أم الفردية؟
وعن رأيه، أيهما أفضل في الانتخابات البرلمانية المقبلة: القائمة النسبية أم الفردية؟ يوضح أنه «لا يوجد نظام انتخابي أمثل في ذاته، لكن يوجد نظام انتخابي أنسب. فبعد التجارب المضنية التي خاضتها مصر، فإن نظام القائمة مع التمثيل النسبي أو ما يطلق عليها القائمة النسبية هي المناسبة في ذلك الوقت. ومعلوماتي أن مجلس الوزراء والمجلس العسكري قد حسما الرأي في هذا الخصوص، وتعكف لجان فنية حاليا على وضع التصور المناسب لفكرة القائمة النسبية».
فمصر شهدت في الفترة الأخيرة «الكثير من أعمال البلطجة والعصبيات العائلية والمال وسطوته، وهذا كله يتجسد في الانتخاب الفردي، إنما الصورة تختلف تماما في الانتخابات بالقائمة، لأن الأحزاب هي التي تضع قوائمها، وتاليا، فالحزب له قيمة كبيرة. فميزة القوائم أنها بعد ما تقضي على المال والبلطجة تحرر النائب، وتجعله ليس نائبا خدمات يحقق رغبات الناس فقط، وبالتالي لا يستطيع الناخب أن يقوم بدوره العام، وهي فكرة التشريع ورقابة السلطة التنفيذية».
في المقابل، ينفي البدرواي ما يشاع بين الناس أن نظام القائمة غير دستوري، لأن هذا الأمر يرجع إلى أن المحكمة الدستورية العليا قالت للمشرع عندما أرادت أن تضع نظاما للقائمة جانبت فيه أسس الدستور المصري مرتين؛ المرة الأولى عندما تجاهلت المستقلين تماما في انتخابات 1984، والمرة الثانية عندما حاولت أن تتلافى العيب فشرعت قانون 1986 الذي أجريت عليه إنتخابات 1987. وانتهى الأمر إلى مسخ شائن، فلم تراع المحكمة الدستورية العليا قواعد وتكافؤ الفرص بين المستقلين وغير المستقلين. ومع ذلك أقول إن هناك صيغا كثيرة للقائمة النسبية يمكن معالجتها.
نسبة الفلاحين والعمّال
وحول بقاء نسبة 50 في المئة من الفلاحين والعمال في الإعلان الدستوري. وهل ستظل في الدستور الجديد؟. يشرح البدراوي قصة تمثيل العمّال والفلاحين: «إن الأساس فيها حبّ الرئيس جمال عبد الناصر للطبقات الشعبية، وانحيازه لهذه الطبقات. وأصبح في عهده نسبة تمثيل العمّال والفلاحين في المجالس النيابية 50 في المئة على الأقل. وكان في عهده ما يسمى بالمؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عقد سنة 1962، وتمخض عنه الميثاق الوطني، وإنشاء الاتحاد الاشتراكي العربي كتنظيم سياسي وحيد قائم على تحالف قوى الشعب العاملة. ولجأ عبد الناصر في ذلك الوقت إلى خبراء اقتصاديين عالميين من بينهم أناس تولوا الوزارة في مصر مثل فؤاد مرسي وإسماعيل صبري عبد الله، لوضع دراسة ومعايير تحدد نسبة مساهمة كل فئة من قوى الشعب العاملة في الدخل القومي، والذي يطلق عليه الآن الدخل القومي الإجمالي. وخلصت الدراسة إلى أن الفلاحين يساهمون بنسبة 27.5 في المئة في الدخل القومي، بينما يساهم العمّال بنسبة 22.5 في المئة من ذلك الدخل، ومن هنا أتت فكرة الـ50 في المئة من العمّال والفلاحين. أستخلص من هذه القصة فكرة الإجابة على هذا السؤال، أن هذا النظام إبان عبد الناصر، كان يصلح في إطار تنظيم سياسي واحد قائم على فكرة تحالف قوى الشعب العاملة. أما الآن فقد انتهى هذا النظام نهائيا، بعد ما أصبح هناك تعددية حزبية، ومن الطبيعي أن ينتهي هذا الأمر بعد السماح حاليا للعمّال والفلاحين بأن ينشئوا أحزابهم. وعلى هذا الأساس جاء قانون الأحزاب في صيغته الحالية بعدم حظر الأحزاب الطبقية والفئوية. ومن هنا أرى أن نسبة العمّال والفلاحين في طريقها إلى الزوال في الدستور الجديد».
أما بخصوص «كوتة المرأة»، فيلحظ أنه «إذا أخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فلن يكون لنا حاجة على إبقاء كوتة المرأة، لأنه في حال وصولنا للقائمة النسبية، يمكن أن نرتب القائمة على أساس إعطاء للمرأة مواقع متقدمة في القائمة، وتاليا يسهل انتخابها».
التيارات الإسلامية وسدة الحكم
أما عن تخوف البعض من وصول التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم وخلط الدين بالسياسة، فيؤكد البدراوي إيمانه بفصل الدين عن السياسة، ولكن ليس عن المجتمع، وإذا لم يفصل الدين عن السياسة يكون للدين شأن في السياسة، فكأنني جذبت المطلق إلى أرضية النسبي، موضحا أن السياسة بطبيعتها نسبية، فقد نختلف أو نتفق فيكون بيننا مخطئ ومصيب، ولكن إذا دخل الدين في السياسة فسيكون بيننا مارق وخارج عن الملة، والآخر هو الذي على الملة، وليس بمارق، وهذا أمر لا يمكن أبدا أن يصلح لإدارة أي عملية سياسية. من هنا فإن فكرة الدولة المدنية، لا تناقض بينها وبين النظام الإسلامي.. أدعو إلى أن تكون لدينا دولة ديمقراطية مدنية، الأحزاب فيها لا تقام على أساس ديني، ولكن تقام على أساس مدني، ولها برامج مدنية، ويكون الخلاف حول قضية النسبية في السياسة، أي ما أراه أنا صحيحا قد تراه أنت خاطئا، والعكس صحيح. وفي النهاية تكون لنا مرجعية وهي آراء الجماهير».
اعداد: كامل صالح
أسئلة المستقبل في مصر، قيد التداول: أي دستور يريده المصريون؟ نظام رئاسي مغلق أم نظام برلماني منفتح؟ قانون انتخابي على قاعدة النسبية، أم الدائرة الصغرى؟ الدولة المدنية أم الدولة الدينية؟.
خلقت هذه الأسئلة حراكًا على مستويات كثيرة، أبرزها النقاشات بين النخب الفكرية والقانونية، وأصحاب الخبرات والتجارب.
وتشهد وسائل الإعلام المصرية التي تحررت من قبضة الأجهزة الأمنية/ المافيوية، نقاشات مفتوحة؛ هادئة وعاصفة، حول مختلف القضايا، مما يبشر بديموقراطية حقيقية، تصطرع فيها الأفكار والمفاهيم والمشاريع والسياسات، أمام جمهور متعطّش للمشاركة في بناء مصر جديدة.
هنا محاولة لاقتباس بعض هذا الحراك، لما قاله نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشار حسن البدراوي، الذي يعدّ واحدًا من أبرز الفقهاء في القانون الدستوري في مصر.
تعيش مصر حاليا مرحلة انتقالية، بأمل الوصول إلى الجمهورية الثانية. يقول البدراوي: «إن الجمهوريات توصف بأنها أولى أو ثانية، أو حتى خامسة ليس بعدد الرؤساء وإنما بطبيعة العمل السياسي». ويأمل «أن تكون مصر جمهورية مدنية ديموقراطية حقيقية، تقوم على فكرة التعدد الحزبي، يأتي فيها نظام الحكم متوازنا بين سلطات الرئيس، وسلطات البرلمان، فلا نسمع عن رئيس فرعون للسلطات»، مبديا رغبته «أن يكون الدستور الجديد قائما على فكرة الدولة المدنية، وهي مسألة مهمة جدا».
ويعلق البدراوي الذي طالب منذ أكثر من عشرين عاما بدستور جديد لمصر، على مسألة دعوات البعض بجمهورية برلمانية، وليست رئاسية بالقول، في حوار نشر في جريدة الأهرام المصرية في 14 نيسان: «النظام الرئاسي دمرنا، وكأن مصر عرفت بالفعل النظام الرئاسي بالمعنى الدستوري الدقيق»، مؤكدا أن هذا لم يحدث، مشيرا إلى أنه «منذ دساتير 56 و64 و71 لم تعرف مصر في طبيعة نظامها السياسي إلا فكرة الواحدية على المستوى العام في الدولة، وتاليا حرمنا من أن نتعامل مع نظام رئاسي حقيقي». ويحبذ قيام «نظام الجمهورية الثانية على الأقل لمدة عقدين من الزمن، النظام الرئاسي البرلماني، أو ما نسميه النظام المختلط، وهذا النظام هو أشبه بالنظام الفرنسي، يكون فيه البرلمان قويا يستطيع أن يراقب السلطة التنفيذية ويحاسبها، ويشرّع».
المواطنة وحقوق الانسان والأقليات
وفيما يشدد على ضرورة توضيح هوية الدولة في الدستور الجديد، يؤكد أن الشعب المصري «يريد دولة مدنية أساسها المواطنة، يحترم فيها حقوق الإنسان والأقليات»، مشيرا في الوقت نفسه، إلى وجوب أن «يذكر صراحة في الدستور الجديد كل ما يؤكد ويشير إلي طبيعة الدولة المدنية». ويزيد على ذلك، وجوب وجود «نص في الدستور يعطي للقوات المسلحة الحق في الكفالة والسهر على مدنية الدولة». ويرى أنه «إذا وصلنا إلى مدنية الدولة أو الدولة المدنية، فستضمن لأجيالنا أن تعيش في أمان من أي محاولة تغيير لطبيعة الدولة»، موضحا أن «الدولة الديمقراطية هي بطبيعتها دولة مدنية. فالديموقراطية ليست الدستور والأحزاب والانتخابات فقط، فكل هذا يسمى بآليات أو وسائل الديموقراطية. أما الديموقراطية في حقيقتها فتسمى بالأعصاب الحسّاسة للديموقراطية، أي فكرة الإحساس بأن الآخر مواطن مثلي مثله، وفكرة المشاركة وتقبل الآخر، فكل هذه الأمور التي تسمى بمجموعة القيم، وتحمي التجربة الديمقراطية، يجب أن نسميها الثقافة المدنية». فالثقافة المدنية ليست ضد الثقافة الدينية، ولا الثقافة الإسلامية ولا الثقافة المسيحية، بل العكس، الثقافة المدنية ممكن أن تؤخذ من قيم الثقافة الدينية، لأن الإسلام والمسيحية وكل الأديان السماوية فيها جانب ثقافي بالغ الإشراق يخدم على هذه المسائل.
أما في مسألة سلطات الرئيس، فيشير إلى أن «المجلس العسكري هو الذي يدير الدولة ويأخذ سلطات رئيس الدولة. ولا نستطيع القول إن الإعلان الدستوري لم يذكر سلطات الرئيس، لأنه لا يوجد رئيس بعد. وعندما تتم الانتخابات، ويعقد مجلس الشعب، ونضع دستورا جديدا، ستحدد سلطات الرئيس بحسب النظام الذي سنختاره. فالآن المجلس العسكري بيده السلطة التشريعية، واعتماد الدبلوماسيين الأجانب، ووضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع مجلس الوزراء».
ويدعو البدراوي للبدء فورا بالحوار الوطني حول الدستور الجديد، يكون حوارا وطنيا مؤسسيا منظما يقوم على فكر. فمصر تملك مراكز أبحاث كثيرة، وقامات عالمية يمكن أن تتولى هذا الموضوع عبر إجراء استطلاعات رأي، وجلسات استماع، واجراء مسوح. ولا بد أن نكفل كل هذا من الآن بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء. فالدستور الجديد أمر منتهٍ لابد منه. مع ضرورة الإبقاء على مجلس الشورى ومنحه الصلاحيات كاملة لكي يصبح غرفة برلمانية أو نيابية ثانية.
القائمة النسبية أم الفردية؟
وعن رأيه، أيهما أفضل في الانتخابات البرلمانية المقبلة: القائمة النسبية أم الفردية؟ يوضح أنه «لا يوجد نظام انتخابي أمثل في ذاته، لكن يوجد نظام انتخابي أنسب. فبعد التجارب المضنية التي خاضتها مصر، فإن نظام القائمة مع التمثيل النسبي أو ما يطلق عليها القائمة النسبية هي المناسبة في ذلك الوقت. ومعلوماتي أن مجلس الوزراء والمجلس العسكري قد حسما الرأي في هذا الخصوص، وتعكف لجان فنية حاليا على وضع التصور المناسب لفكرة القائمة النسبية».
فمصر شهدت في الفترة الأخيرة «الكثير من أعمال البلطجة والعصبيات العائلية والمال وسطوته، وهذا كله يتجسد في الانتخاب الفردي، إنما الصورة تختلف تماما في الانتخابات بالقائمة، لأن الأحزاب هي التي تضع قوائمها، وتاليا، فالحزب له قيمة كبيرة. فميزة القوائم أنها بعد ما تقضي على المال والبلطجة تحرر النائب، وتجعله ليس نائبا خدمات يحقق رغبات الناس فقط، وبالتالي لا يستطيع الناخب أن يقوم بدوره العام، وهي فكرة التشريع ورقابة السلطة التنفيذية».
في المقابل، ينفي البدرواي ما يشاع بين الناس أن نظام القائمة غير دستوري، لأن هذا الأمر يرجع إلى أن المحكمة الدستورية العليا قالت للمشرع عندما أرادت أن تضع نظاما للقائمة جانبت فيه أسس الدستور المصري مرتين؛ المرة الأولى عندما تجاهلت المستقلين تماما في انتخابات 1984، والمرة الثانية عندما حاولت أن تتلافى العيب فشرعت قانون 1986 الذي أجريت عليه إنتخابات 1987. وانتهى الأمر إلى مسخ شائن، فلم تراع المحكمة الدستورية العليا قواعد وتكافؤ الفرص بين المستقلين وغير المستقلين. ومع ذلك أقول إن هناك صيغا كثيرة للقائمة النسبية يمكن معالجتها.
نسبة الفلاحين والعمّال
وحول بقاء نسبة 50 في المئة من الفلاحين والعمال في الإعلان الدستوري. وهل ستظل في الدستور الجديد؟. يشرح البدراوي قصة تمثيل العمّال والفلاحين: «إن الأساس فيها حبّ الرئيس جمال عبد الناصر للطبقات الشعبية، وانحيازه لهذه الطبقات. وأصبح في عهده نسبة تمثيل العمّال والفلاحين في المجالس النيابية 50 في المئة على الأقل. وكان في عهده ما يسمى بالمؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عقد سنة 1962، وتمخض عنه الميثاق الوطني، وإنشاء الاتحاد الاشتراكي العربي كتنظيم سياسي وحيد قائم على تحالف قوى الشعب العاملة. ولجأ عبد الناصر في ذلك الوقت إلى خبراء اقتصاديين عالميين من بينهم أناس تولوا الوزارة في مصر مثل فؤاد مرسي وإسماعيل صبري عبد الله، لوضع دراسة ومعايير تحدد نسبة مساهمة كل فئة من قوى الشعب العاملة في الدخل القومي، والذي يطلق عليه الآن الدخل القومي الإجمالي. وخلصت الدراسة إلى أن الفلاحين يساهمون بنسبة 27.5 في المئة في الدخل القومي، بينما يساهم العمّال بنسبة 22.5 في المئة من ذلك الدخل، ومن هنا أتت فكرة الـ50 في المئة من العمّال والفلاحين. أستخلص من هذه القصة فكرة الإجابة على هذا السؤال، أن هذا النظام إبان عبد الناصر، كان يصلح في إطار تنظيم سياسي واحد قائم على فكرة تحالف قوى الشعب العاملة. أما الآن فقد انتهى هذا النظام نهائيا، بعد ما أصبح هناك تعددية حزبية، ومن الطبيعي أن ينتهي هذا الأمر بعد السماح حاليا للعمّال والفلاحين بأن ينشئوا أحزابهم. وعلى هذا الأساس جاء قانون الأحزاب في صيغته الحالية بعدم حظر الأحزاب الطبقية والفئوية. ومن هنا أرى أن نسبة العمّال والفلاحين في طريقها إلى الزوال في الدستور الجديد».
أما بخصوص «كوتة المرأة»، فيلحظ أنه «إذا أخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فلن يكون لنا حاجة على إبقاء كوتة المرأة، لأنه في حال وصولنا للقائمة النسبية، يمكن أن نرتب القائمة على أساس إعطاء للمرأة مواقع متقدمة في القائمة، وتاليا يسهل انتخابها».
التيارات الإسلامية وسدة الحكم
أما عن تخوف البعض من وصول التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم وخلط الدين بالسياسة، فيؤكد البدراوي إيمانه بفصل الدين عن السياسة، ولكن ليس عن المجتمع، وإذا لم يفصل الدين عن السياسة يكون للدين شأن في السياسة، فكأنني جذبت المطلق إلى أرضية النسبي، موضحا أن السياسة بطبيعتها نسبية، فقد نختلف أو نتفق فيكون بيننا مخطئ ومصيب، ولكن إذا دخل الدين في السياسة فسيكون بيننا مارق وخارج عن الملة، والآخر هو الذي على الملة، وليس بمارق، وهذا أمر لا يمكن أبدا أن يصلح لإدارة أي عملية سياسية. من هنا فإن فكرة الدولة المدنية، لا تناقض بينها وبين النظام الإسلامي.. أدعو إلى أن تكون لدينا دولة ديمقراطية مدنية، الأحزاب فيها لا تقام على أساس ديني، ولكن تقام على أساس مدني، ولها برامج مدنية، ويكون الخلاف حول قضية النسبية في السياسة، أي ما أراه أنا صحيحا قد تراه أنت خاطئا، والعكس صحيح. وفي النهاية تكون لنا مرجعية وهي آراء الجماهير».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم