As-Safir Newspaper - كامل صالح : رئيس «مجلس الخدمة المدنية» لـ«السفير»: ما زلنا نلهث لبناء دولة
د. خالد قباني (تصوير: علي علوش) |
يجاهد رئيس «مجلس الخدمة المدنية» الدكتور خالد قباني في إضفاء مسحة تفاؤل على واقع الإدارة العامة، على الرغم من إقراره ضمنا «بأن اللبنانيين لم يبنوا دولة حتى الآن»، و«ما زلنا نلهث لبنائها».
القاضي قباني الذي تسلم قيادة «مجلس الخدمة» منذ سنتين، بعد قيادته دفتي وزارتي العدل والتربية، زار «أسرة السفير»، وأبرز، من خلال حوار مفتوح، العديد من الجوانب التي تعاني منها مؤسسات الدولة، والآليات التي يعمل عليها المجلس لتطوير أدائه، ورؤيته للنهوض بمؤسسات الدولة.
لم يخف قباني وهو من متخرّجي «المعهد الوطني للإدارة»، قلقه من اتساع بقعة الشلل والوهن والمحسوبيات التي يتخبط فيها البلد، على أكثر من مستوى، ومدى تأثير ذلك على سير وانتظام عمل الإدارات، مبديا أسفه «لأننا لم ننشئ مؤسسات هي الأرضية الصالحة لبناء الدولة، وما زلنا نعتمد على الشخص، بحيث تتقدم المؤسسات أو تتأخر بحكم هذا الشخص وأفكاره.. لذلك هناك ضعف في مؤسسات الدولة، إذ لا نعتمد غالبا أحكام القانون، كما ليس هناك احترام للقانون».
ويؤكد مجددا أن «المؤسسات هي الأساس في بناء الدولة»، مستعيدا في هذا السياق، المحاولة التأسيسية اليتيمة للرئيس الراحل فؤاد شهاب، الذي أطلق إدارات مجلس الخدمة والتفتيش والمحاسبة، وأعطاها بعدا نزيها وموضوعيا، لكن «ما ان استعادت الدولة هيبتها واستقلالية مؤسساتها، واتخاذ القرارات بمعزل عن كل المؤثرات»، حتى «وقعت الحرب الأهلية التي أنتجت إدارات مسيّسة، وأداء متردياً، ما أثر على استقلالية المؤسسات وأدائها».
على الرغم من هذا الواقع، يرى قباني وهو القائل «أنا لا أبني سمعة مجلس الخدمة، بل أُراكم على ما تأسس قبلي»، أن أول مدماك في بناء الدولة هو «إعادة الدور للمؤسسات، وبث روح جديدة في العمل السياسي، أساسها احترام القانون، والعمل بموجبه، وإبعاد السياسة عن الإدارة لجعلها تهتم بخدمة الناس... وإلا لا عودة للإدارة».
1381 وظيفة شاغرة
هل يمكن الحديث عن بناء إدارة قبل سد مراكز الشواغر فيها؟ سؤال يفرض نفسه، عندما تكشف الإحصاءات التي أعلن عنها قباني، أن عدد الوظائف الشاغرة في الفئات الثلاث الأولى في الإدارات العامة، تبلغ 1381 وظيفة، أي ما نسبته 34،32 في المئة.
وفي التفاصيل، يبلغ عدد الوظائف في الفئات الثلاث الأولى 4023 وظيفة، الموجود منها 2642، وهي على النحو الآتي:
- ملاك الفئة الأولى: 150 وظيفة، الموجود 80، الشاغر 70.
- الثانية: 642 وظيفة، الموجود 242، الشاغر 400.
- الثالثة: 3231 وظيفة، الموجود 2320، الشاغر 911.
ويشير إلى أن العدد الاجمالي لموظفي الدولة، بعد احتساب العاملين في السلكين التعليمي والعسكري، يصل إلى حوالي 150 ألفا، و«هذا الرقم تقريبي غير مستند إلى إحصاءات رسمية».
وكان قباني قد أصدر تقريره الثاني عن أعمال المجلس خلال العام 2011، موضحا أن «هدف التقرير وضع الحقائق والوقائع أمام المسؤولين، ليطلعوا على أوضاع الإدارة، وكيفية تقديمها الخدمات للناس»، مضيفا «سواء قرأت الجهات المعنية هذا التقرير أو لم تقرأه، فهذا لا يعفينا من وضعه ونشره».
ويستدرك قائلا: «لكنّ هناك اهتماماً بمتابعة التقرير، ولمسنا التفاتة وتوجهاً جديدين باحترام عمل مجلس الخدمة المدنية من خلال اجتماعاتنا مع اللجان النيابية، ومناقشة مشاريع القوانين واقتراحات القوانين، وقد كان للمجلس دور في تصويب الكثير منها قبل إقرارها في جلسات الهيئة التشريعية العامة لمجلس النواب».
يعلم قباني أن هناك مناخا غير صحي في بعض الاقتراحات والمشاريع القانونية، فـ«هناك ظاهرة جديدة تتمثل بتقديم اقتراحات قوانين لا تتضمن خضوع المرشحين للمباراة»، لكن «المجلس يبدي رأيه فيها بالتأكيد أن أي اقتراح بإجراء مباراة خارج مجلس الخدمة مرفوض، فالمجلس يتصدّى لكل من يحاول عدم مراعاة القانون والتهرّب، خصوصا في مسألة المباريات، إذ لا نسمح لأحد بالتدخل فيها وبنتائجها»، لافتا الانتباه إلى أن «الجميع بات يعلم أن لا سبيل لولوج باب الخدمة المدنية من دون الخضوع لمباراة، فمجلس الخدمة عندما يضع يده، يعني هناك شفافية».
موظف الإدارة مظلوم
أما في مسألة سلاسل الرتب، فيؤكد أنه ليس صحيحا أن الحكومة تخطت دور المجلس، موضحا أن سلسلتي رواتب القضاء وأستاذة الجامعة اللبنانية لا علاقة للمجلس بهما، فهما مؤسستان مستقلتان. ويضيف «أنا أخذت المبادرة في الإدارة العامة بضرورة صدور مرسوم زيادة الرواتب بما لا يشكل تضخما يؤثر على القيمة الشرائية، وصدرت توصية بلجنة الإدارة بوضع مشروع قانون مع وزارة المالية.. فموظف الإدارة مظلوم، ورواتب الموظفين من المدير العام حتى الحاجب لا تتناسب مع كلفة غلاء المعيشية».
ويؤكد أن من أسباب فساد الإدارة، إضافة إلى «الرواتب غير المناسبة»، «تولي المناصب من غير أصحاب الكفاءة، إذ هؤلاء يسخّرون الإدارة لمصالحهم الخاصة، لكن عندما تأتي بموظف يناسب مركزه، لا يستسلم للإغراءات»، و«المناخ السياسي العام الفاسد وغير الصحي، الذي ينعكس سلباً على أجواء الإدارة والبلد عامةً، إذ يقترن هذا المناخ بسلوكيات غير سليمة، منها غياب عنصري المحاسبة والمساءلة، ومن هنا يصبح الموظف غير مهتم بتحسين أدائه».
المعهد الوطني للإدارة
ولا ينسى الإشارة إلى أن «توقف العمل في المعهد الوطني للإدارة لعشر سنوات، من أسباب تردي العمل في الإدارة العامة، إذ خلال توقفه حدث شغور كبير في الفئة الثالثة، ولتلافي ذلك كلّف وزراء موظفين من الفئة الرابعة لملء الشواغر، وكانوا يختارونهم على مبدأ حزبي، وليس نتيجة الكفاءة، ما أدى إلى ضرب هذه القاعدة».
وفيما يعمل على إعادة إطلاق عمل «المعهد الوطني للادارة»، لا يخفي وجود مراكز شاغرة أخرى، في «مجلس الخدمة المدنية»، لكن «مع الكفاءات العالية التي لديه، يستطيع العمل في إطار القانون، وضمن وتيرة دائمة ومستمرة، وهذا الكم من الانتاجية أدى إلى احترام دوره».
وعن موظفي الفئة الأولى، يكشف أن «آليات التعيين أنجزت، وعلى الرغم من التأخير في تطبيقها، عملت اللجنة المعنية على إعداد كل اللوائح للترفيع من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، وقد أجريت المقابلات أمام لجنة مؤلفة من الوزير المختص، وممثل عن التنمية الادارية، ورئيس المجلس، واخترنا لكل وظيفة ثلاثة مرشحين، ورفعنا أسماءهم إلى مجلس الوزراء الذي عين عددا لا بأس به منهم في الإدارة، منهم مدراء عامون للصناعة والتعليم المهني والمناقصات». ويؤكد أن «المجلس لم يخرج عن الأسماء التي رفعناها له، لكن المشكلة تكمن أن هناك وزارات لا نعرف النقص فيها حتى الآن».
يضع قباني مسارا يجب سلوكه لـ«خلاص الإدارة»، وذلك «بالاعتماد على مبدأ الكفاءة والجدارة، بعيدا من المحاصصة»، مؤكدا أنه «عبر اعتماد هذا المبدأ، نستطيع الحفاظ على الادارة وتحصينها»، مشيرا إلى أن «مجلس الخدمة عبر المباريات التي يجريها، يقوم بعمل تأسيسي في هذا المجال، إذ يعين الموظفين تراتبيا، بصرف النظر عن طوائفهم»، كاشفا عن «إقبال كبير جدا من اللبنانيين للاشتراك في المباريات التي يجريها المجلس، نظرا للثقة التي يوليها هؤلاء لأدائه، والضمانات التي يقدمها لهم، ومن أبرزها استبعاد الوساطات».
965 فرصة عمل في العام 2011
ويعلن أن «المجلس وفّر في العام 2011، أكثر من 965 فرصة عمل في مختلف مجالات الاختصاص التي يحتاجها سوق العمل، وقد أجرى في الفترة نفسها، 30 مباراة، أما هذه السنة فقد أجرى 33 مباراة».
ويبرز «أهمية توعية المواطن والموظف على السواء، بأن الوظيفة هي خدمة عامة، ويجب إبعادها عن كل ما يشوبها من تأثيرات، فعلى الموظف إن كان رئيسا أو وزيرا أو موظفا عاديا ألا يميز بين المواطنين، ويترسخ في ذهنه أنه يعمل لخدمة الناس لا لخدمة السياسيين ومنطقته وطائفته وعائلته.. وإلا لن يستقيم أمر الإدارة»، مؤكدا في هذا السياق أن «الوزراء يؤدون دورا أساسيا في هذا المجال، فمن خلال تعاطيهم مع الموظفين والمواطنين، وسلوكياتهم، يبثون روح الخدمة العامة».
ويكشف أن «هناك كفاءات عالية جدا في الإدارة العامة، لكن هؤلاء إمّا مهمشون أو مغيبون بسبب التصرف السياسي داخل الوزارات».
ويلحظ أنه «عندما لا تراعى شروط التعيين، نقع في مشاكل كثيرة، ومن هذه الحالات: المياومون وعمال غب الطلب واستخدام بالفاتورة والساعة.. فكل هذه التعيينات التي لا نعرف عددها، أوجدت مشاكل مالية واجتماعية، وشكلت مشكلة أساسية لدى الحكومة ولا تجد مخرجا منها.. فبعض العاملين لهم أكثر من 15 سنة وليس لديهم ضمانات، لأن وضعهم غير قانوني»، معلنا أن «مجلس الخدمة المدنية وضع مشروع قانون في سياق سعيه لحل مشكلة هؤلاء العمال، وبما يضع حدّا للتعيينات التي تحدث في الإدارة بعيدا عن المجلس من جهة، وبما يضمن ويكفل لهؤلاء العاملين حقوقهم من جهة ثانية، على ألا يصار في ما بعد، إلى التعيين خلافا للقوانين».
عناصر النهوض بالإدارة العامة
قباني لا يفقد الأمل باستنهاض الإدارة من جديد، لكن «إذا أولينا المؤسسات دورها كاملا، وإذا أطلقنا العمل في معهد الإدارة، وإذا عاد الإيمان بدور الإدارة بعد إبعاد السياسة عنها، وإذا تحسّن المناخ السياسي العام الذي يؤثر بصورة سلبية على كل القطاعات، وإذا اعتمدنا سلّما للرواتب يستند إلى زيادة طبيعية ودورية وفق كلفة المعيشة، وإذا احترمنا حقوق الموظف بالترفيع حسب أدائه وكفاءته... فإذا قمنا بكل هذه العناصر، تستطيع الإدارة أن تنهض من جديد، وتلبي حاجيات الناس»، مؤكدا أنه «متفائل في حدود هذه الشروط». لكن «في ظل هذا الجو السياسي الموجود، لست مرتاحا أن تطبق هذه الشروط».. ويحذر من «أننا ذاهبون إلى الخراب والاستنزاف».
كامل صالح - السفير 7 تموز 2012 القاضي قباني الذي تسلم قيادة «مجلس الخدمة» منذ سنتين، بعد قيادته دفتي وزارتي العدل والتربية، زار «أسرة السفير»، وأبرز، من خلال حوار مفتوح، العديد من الجوانب التي تعاني منها مؤسسات الدولة، والآليات التي يعمل عليها المجلس لتطوير أدائه، ورؤيته للنهوض بمؤسسات الدولة.
لم يخف قباني وهو من متخرّجي «المعهد الوطني للإدارة»، قلقه من اتساع بقعة الشلل والوهن والمحسوبيات التي يتخبط فيها البلد، على أكثر من مستوى، ومدى تأثير ذلك على سير وانتظام عمل الإدارات، مبديا أسفه «لأننا لم ننشئ مؤسسات هي الأرضية الصالحة لبناء الدولة، وما زلنا نعتمد على الشخص، بحيث تتقدم المؤسسات أو تتأخر بحكم هذا الشخص وأفكاره.. لذلك هناك ضعف في مؤسسات الدولة، إذ لا نعتمد غالبا أحكام القانون، كما ليس هناك احترام للقانون».
ويؤكد مجددا أن «المؤسسات هي الأساس في بناء الدولة»، مستعيدا في هذا السياق، المحاولة التأسيسية اليتيمة للرئيس الراحل فؤاد شهاب، الذي أطلق إدارات مجلس الخدمة والتفتيش والمحاسبة، وأعطاها بعدا نزيها وموضوعيا، لكن «ما ان استعادت الدولة هيبتها واستقلالية مؤسساتها، واتخاذ القرارات بمعزل عن كل المؤثرات»، حتى «وقعت الحرب الأهلية التي أنتجت إدارات مسيّسة، وأداء متردياً، ما أثر على استقلالية المؤسسات وأدائها».
على الرغم من هذا الواقع، يرى قباني وهو القائل «أنا لا أبني سمعة مجلس الخدمة، بل أُراكم على ما تأسس قبلي»، أن أول مدماك في بناء الدولة هو «إعادة الدور للمؤسسات، وبث روح جديدة في العمل السياسي، أساسها احترام القانون، والعمل بموجبه، وإبعاد السياسة عن الإدارة لجعلها تهتم بخدمة الناس... وإلا لا عودة للإدارة».
1381 وظيفة شاغرة
هل يمكن الحديث عن بناء إدارة قبل سد مراكز الشواغر فيها؟ سؤال يفرض نفسه، عندما تكشف الإحصاءات التي أعلن عنها قباني، أن عدد الوظائف الشاغرة في الفئات الثلاث الأولى في الإدارات العامة، تبلغ 1381 وظيفة، أي ما نسبته 34،32 في المئة.
وفي التفاصيل، يبلغ عدد الوظائف في الفئات الثلاث الأولى 4023 وظيفة، الموجود منها 2642، وهي على النحو الآتي:
- ملاك الفئة الأولى: 150 وظيفة، الموجود 80، الشاغر 70.
- الثانية: 642 وظيفة، الموجود 242، الشاغر 400.
- الثالثة: 3231 وظيفة، الموجود 2320، الشاغر 911.
ويشير إلى أن العدد الاجمالي لموظفي الدولة، بعد احتساب العاملين في السلكين التعليمي والعسكري، يصل إلى حوالي 150 ألفا، و«هذا الرقم تقريبي غير مستند إلى إحصاءات رسمية».
وكان قباني قد أصدر تقريره الثاني عن أعمال المجلس خلال العام 2011، موضحا أن «هدف التقرير وضع الحقائق والوقائع أمام المسؤولين، ليطلعوا على أوضاع الإدارة، وكيفية تقديمها الخدمات للناس»، مضيفا «سواء قرأت الجهات المعنية هذا التقرير أو لم تقرأه، فهذا لا يعفينا من وضعه ونشره».
ويستدرك قائلا: «لكنّ هناك اهتماماً بمتابعة التقرير، ولمسنا التفاتة وتوجهاً جديدين باحترام عمل مجلس الخدمة المدنية من خلال اجتماعاتنا مع اللجان النيابية، ومناقشة مشاريع القوانين واقتراحات القوانين، وقد كان للمجلس دور في تصويب الكثير منها قبل إقرارها في جلسات الهيئة التشريعية العامة لمجلس النواب».
يعلم قباني أن هناك مناخا غير صحي في بعض الاقتراحات والمشاريع القانونية، فـ«هناك ظاهرة جديدة تتمثل بتقديم اقتراحات قوانين لا تتضمن خضوع المرشحين للمباراة»، لكن «المجلس يبدي رأيه فيها بالتأكيد أن أي اقتراح بإجراء مباراة خارج مجلس الخدمة مرفوض، فالمجلس يتصدّى لكل من يحاول عدم مراعاة القانون والتهرّب، خصوصا في مسألة المباريات، إذ لا نسمح لأحد بالتدخل فيها وبنتائجها»، لافتا الانتباه إلى أن «الجميع بات يعلم أن لا سبيل لولوج باب الخدمة المدنية من دون الخضوع لمباراة، فمجلس الخدمة عندما يضع يده، يعني هناك شفافية».
موظف الإدارة مظلوم
أما في مسألة سلاسل الرتب، فيؤكد أنه ليس صحيحا أن الحكومة تخطت دور المجلس، موضحا أن سلسلتي رواتب القضاء وأستاذة الجامعة اللبنانية لا علاقة للمجلس بهما، فهما مؤسستان مستقلتان. ويضيف «أنا أخذت المبادرة في الإدارة العامة بضرورة صدور مرسوم زيادة الرواتب بما لا يشكل تضخما يؤثر على القيمة الشرائية، وصدرت توصية بلجنة الإدارة بوضع مشروع قانون مع وزارة المالية.. فموظف الإدارة مظلوم، ورواتب الموظفين من المدير العام حتى الحاجب لا تتناسب مع كلفة غلاء المعيشية».
ويؤكد أن من أسباب فساد الإدارة، إضافة إلى «الرواتب غير المناسبة»، «تولي المناصب من غير أصحاب الكفاءة، إذ هؤلاء يسخّرون الإدارة لمصالحهم الخاصة، لكن عندما تأتي بموظف يناسب مركزه، لا يستسلم للإغراءات»، و«المناخ السياسي العام الفاسد وغير الصحي، الذي ينعكس سلباً على أجواء الإدارة والبلد عامةً، إذ يقترن هذا المناخ بسلوكيات غير سليمة، منها غياب عنصري المحاسبة والمساءلة، ومن هنا يصبح الموظف غير مهتم بتحسين أدائه».
المعهد الوطني للإدارة
ولا ينسى الإشارة إلى أن «توقف العمل في المعهد الوطني للإدارة لعشر سنوات، من أسباب تردي العمل في الإدارة العامة، إذ خلال توقفه حدث شغور كبير في الفئة الثالثة، ولتلافي ذلك كلّف وزراء موظفين من الفئة الرابعة لملء الشواغر، وكانوا يختارونهم على مبدأ حزبي، وليس نتيجة الكفاءة، ما أدى إلى ضرب هذه القاعدة».
وفيما يعمل على إعادة إطلاق عمل «المعهد الوطني للادارة»، لا يخفي وجود مراكز شاغرة أخرى، في «مجلس الخدمة المدنية»، لكن «مع الكفاءات العالية التي لديه، يستطيع العمل في إطار القانون، وضمن وتيرة دائمة ومستمرة، وهذا الكم من الانتاجية أدى إلى احترام دوره».
وعن موظفي الفئة الأولى، يكشف أن «آليات التعيين أنجزت، وعلى الرغم من التأخير في تطبيقها، عملت اللجنة المعنية على إعداد كل اللوائح للترفيع من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، وقد أجريت المقابلات أمام لجنة مؤلفة من الوزير المختص، وممثل عن التنمية الادارية، ورئيس المجلس، واخترنا لكل وظيفة ثلاثة مرشحين، ورفعنا أسماءهم إلى مجلس الوزراء الذي عين عددا لا بأس به منهم في الإدارة، منهم مدراء عامون للصناعة والتعليم المهني والمناقصات». ويؤكد أن «المجلس لم يخرج عن الأسماء التي رفعناها له، لكن المشكلة تكمن أن هناك وزارات لا نعرف النقص فيها حتى الآن».
يضع قباني مسارا يجب سلوكه لـ«خلاص الإدارة»، وذلك «بالاعتماد على مبدأ الكفاءة والجدارة، بعيدا من المحاصصة»، مؤكدا أنه «عبر اعتماد هذا المبدأ، نستطيع الحفاظ على الادارة وتحصينها»، مشيرا إلى أن «مجلس الخدمة عبر المباريات التي يجريها، يقوم بعمل تأسيسي في هذا المجال، إذ يعين الموظفين تراتبيا، بصرف النظر عن طوائفهم»، كاشفا عن «إقبال كبير جدا من اللبنانيين للاشتراك في المباريات التي يجريها المجلس، نظرا للثقة التي يوليها هؤلاء لأدائه، والضمانات التي يقدمها لهم، ومن أبرزها استبعاد الوساطات».
965 فرصة عمل في العام 2011
ويعلن أن «المجلس وفّر في العام 2011، أكثر من 965 فرصة عمل في مختلف مجالات الاختصاص التي يحتاجها سوق العمل، وقد أجرى في الفترة نفسها، 30 مباراة، أما هذه السنة فقد أجرى 33 مباراة».
ويبرز «أهمية توعية المواطن والموظف على السواء، بأن الوظيفة هي خدمة عامة، ويجب إبعادها عن كل ما يشوبها من تأثيرات، فعلى الموظف إن كان رئيسا أو وزيرا أو موظفا عاديا ألا يميز بين المواطنين، ويترسخ في ذهنه أنه يعمل لخدمة الناس لا لخدمة السياسيين ومنطقته وطائفته وعائلته.. وإلا لن يستقيم أمر الإدارة»، مؤكدا في هذا السياق أن «الوزراء يؤدون دورا أساسيا في هذا المجال، فمن خلال تعاطيهم مع الموظفين والمواطنين، وسلوكياتهم، يبثون روح الخدمة العامة».
ويكشف أن «هناك كفاءات عالية جدا في الإدارة العامة، لكن هؤلاء إمّا مهمشون أو مغيبون بسبب التصرف السياسي داخل الوزارات».
ويلحظ أنه «عندما لا تراعى شروط التعيين، نقع في مشاكل كثيرة، ومن هذه الحالات: المياومون وعمال غب الطلب واستخدام بالفاتورة والساعة.. فكل هذه التعيينات التي لا نعرف عددها، أوجدت مشاكل مالية واجتماعية، وشكلت مشكلة أساسية لدى الحكومة ولا تجد مخرجا منها.. فبعض العاملين لهم أكثر من 15 سنة وليس لديهم ضمانات، لأن وضعهم غير قانوني»، معلنا أن «مجلس الخدمة المدنية وضع مشروع قانون في سياق سعيه لحل مشكلة هؤلاء العمال، وبما يضع حدّا للتعيينات التي تحدث في الإدارة بعيدا عن المجلس من جهة، وبما يضمن ويكفل لهؤلاء العاملين حقوقهم من جهة ثانية، على ألا يصار في ما بعد، إلى التعيين خلافا للقوانين».
عناصر النهوض بالإدارة العامة
قباني لا يفقد الأمل باستنهاض الإدارة من جديد، لكن «إذا أولينا المؤسسات دورها كاملا، وإذا أطلقنا العمل في معهد الإدارة، وإذا عاد الإيمان بدور الإدارة بعد إبعاد السياسة عنها، وإذا تحسّن المناخ السياسي العام الذي يؤثر بصورة سلبية على كل القطاعات، وإذا اعتمدنا سلّما للرواتب يستند إلى زيادة طبيعية ودورية وفق كلفة المعيشة، وإذا احترمنا حقوق الموظف بالترفيع حسب أدائه وكفاءته... فإذا قمنا بكل هذه العناصر، تستطيع الإدارة أن تنهض من جديد، وتلبي حاجيات الناس»، مؤكدا أنه «متفائل في حدود هذه الشروط». لكن «في ظل هذا الجو السياسي الموجود، لست مرتاحا أن تطبق هذه الشروط».. ويحذر من «أننا ذاهبون إلى الخراب والاستنزاف».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم