كأن لا يكفي اللبنانيين معاقبتهم بمسؤولين قلما يهتمون بشؤون حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية، حتى نزل عليهم عقاب جديد من السماء، حيث بات شحّ هطول الأمطار يهدد قطاعات إنتاجية واسعــة، وينــذر بمزيد من الكوارث زراعيا وســياحيا وبيئيا.
كاد فصل الخريف أن يلملم آخر أيامه قبل بدء فصل الشتاء، تاركا خلفه مساحات شاسعة من الأراضي العطشى، وجفافا في معظم الأنهار، واختفاء الغطاء الأبيض عن كل الجبال، فضلا عن تهديد جدي يطال معظم الأشجار المثمرة، لا سيما تلك التي تحتاج إلى المياه في هذا الوقت من السنة، لا سيما منها الحمــضيات واللــوزيات والتفاح، والخضروات على أنواعها.
كما تواجه منتجعات التزلج تهديدا مناخيا جديا، حيث تتوقع الدراسات في هذا السياق، أن يتقلص الغطاء الثلجي نحو 40 في المئة في حلول العام 2040. وأن يرتفع الحد الأقصى لدرجات الحرارة في لبنان واحدا في المئة على الساحل، واثنين في المئة في الداخل في حلول العام نفسه.
عقاب المطر
يتأمل أحمد (مزارع من الجنوب) أرضه التي كانت تؤمــن له ولعائلته دخلا جيدا يبعد عــنه العوز والحاجة إلى الناس، وما يلبث أن يفرك كمــشة تراب بيده: «الجفاف سيقضــي على كل شيء.. ماذا أفعل؟ من يسأل عنّا؟ ألا يكفينا إهمال الدولة، ليعاقبنا المطر؟».
وبعد صمت، يقول: «هذه أبشع وأقسى من كل الحروب... فعندما تموت الأرض وتتصــحر، يستحيل أن تنبــض الحــياة فيــها مجددا».
أما خليل (مزارع من البقاع) فيشير إلى أن نبع قريتهم الذي كان «يتدفق بالمياه طوال السنة، وكان أهل بيروت يقصدونه لتأمين حاجياتهم من مياه الشفة، تحول إلى خيط رفيع جدا»، متوقعا انقطاع المياه عنه إذا استمر شحّ المطر.
ولا يخفي أحمد تحذيره من «أن بقاء الوضع الســيئ، سيدفــع أبناء القرية إلى منــع اقتــراب أحد من خارجها، إلى ميــاه النبع..».
والوقائع المتشابهة في معظم القرى، خصوصا تلك التي تخرج منها الينابيع، تنذر بوقوع مشاكل وكوارث بين الأهالي، بسبب ندرة المياه.
الحد الفاصل
وأمام التوقعات بعجز مائي في حلول عام 2015، بغض النظر عن التغيرات المناخية، بسبب سوء الإدارة، والزحف العمراني، والنمو السكاني، يرى رئيس جمعية المزارعــين انطــوان الحويك عبر حديثــه لـ«السفير» أن الحل يكمن في إعطاء الأولوية لبناء السدود في المناطق كافة، للزراعة ولغيرها، إضافة إلى الترشيــد في الري، واعتماد «التنقــيط»، مشــيرا إلى «أن 75 في المئة من المشكــلة كانت قد عُولجت لو وجدت السدود».
وفيما يلفت الحويك إلى أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن الخسائر المتوقعة في القطاع، لغياب الإحصاءات الدقيقة في هذا الموضوع، يحذر من «أننا نتجه إلى «الخط الأحمر»، وأصبحنا على الحد الفاصل».
وإذا عاد المطــر، يأمل حويك أن تتعــدل الأمــور ونتــجنب الكارثة.
ويوضح أن «مواصلة الطقس الحار بدأ يؤثر على غالبية الينابيع، حيث بدأت تشحّ، فضلا عن دورة حياة الأشجار كافة، في ظاهرة غير طبيعية، وقد بدأنا نلاحظ أن أشجارا تزهر قبل وقتها، مثل اللوز، وعند بدء الصقيع يتساقط زهرها، وتاليا هناك الكثير من الأشجار لا يتوقع حصاد مواسم منها، ما يعني أننا مقبلون على خسائر فادحة ستتجلى صورتها بدءا من الربيع على المواسم والأسعار».
ويلفت إلى أنه كان من المفترض توقف المزارعين عن الري في منتصف تشــرين الأول، لبدء تساقط الأمطار، إلا أن ما حدث هو العكس تمامــا، ولم تكف «جرعة المطر» ري الأرض، ما دفع المزارعــين إلى معـاودة الري.
وردا على توجه مزارعي الجنوب إلى زراعة الموز بدلا من الحمضيات، وهل لذلك أسباب مناخية؟ قال حويك: «لا علاقة للمناخ في هذا الموضوع، والمسألة تجارية بحتة، حيث زراعة المــوز مربحة أكثر من الحمضيات».
ليمون وموز
أما رئيس تجمع مزارعي جنوب لبنان هاني صفي الدين فينبه إلى أن استــمرار شح المياه قلص مساحات زراعة الليمون على أنواعــه في جنوب لبنان بنسبة 75 في المئة لمصلحة زراعة الموز، ولمصلحة الزراعات الاستــوائية، معتبــرا أن الحــل يكمن بزيادة كمية المياه للمزارعين من مياه الأنهـار والينابيع.
ويؤكد أن الجفاف الذي تعاني منه المواسم الزراعية لهذا العام، لم يسبق أن شهدت البلاد مثيلا له في السابق، مشيرا إلى أن استمرار حالة الجفاف ستضرب المواسم، وستجعلها عرضة للتلف، وستكبد المزارعين المزيد من الخسائر الإضافية.
ويعلن صفي الدين أن التجمع سيدعو إلى اجتماع طارئ لمزارعي الموز والليمون في الجنوب للإعلان عن حالة طوارئ اقتصادية لمواكبــة تدهور هاتين الزراعتين، وللبحث في مشروع إنشاء تعاونية زراعية للمزارعين لمتابعة عملية تصريف الإنتاج الزراعي وضبط الأسعار لمصلحة المزارعين بعيدا عن احتكار التجار.
تعديل السلوك
وفي محاولة لمواكبة التغيرات المناخية، والتخفيف من حجم الخسائر المتوقعة، يدعو مدير مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في العبدة ـ عكار، المهندس ميشال عيسى الخوري المزارعين إلى التعديل في سلوكهم الزراعي، مشددا على «ضرورة ري المزروعات الورقية التي تعتمد عادة على مياه الأمطار، وري الأشجار المثمرة واللوزيات حــتى التي تم قطافها، وذلك إذا استــمر الطقس على ما هو عليه إلى نهاية الــشهر الحالي». أما بالنسبة لمزارعي الزيتون الذين اعتادوا رش الأسمدة في مثل هذه الفترة من السنة، فنصحهم بتأجيل الرش حتى بدء الشتاء، والتركيز حاليا على استخدام الأسمدة العضوية التي تزيد من قدرة التربة على حفظ المياه.
القرعون والأرز
وفي سياق متصل، تطال مؤثرات أزمة الشحّ بحيرة القرعون، حيث تواصل انخفاض منسوب المياه، ينذر بكارثة لا يمكن توقــع نتائجــها على الزراعة والطاقة.
ويعلق الدكتور حسين رمّال، (مهندس زراعي ودكتور في اقتصاد التنمية ورئيس مصلحة سابق في مصلحة الليطاني) عبر حديثه لـ«السفير» على تناقص سقوط الأمطار، «أنه يلحق الضرر بإعادة تغذية خزانات المياه الجوفية والأنهار، ويؤدي ذوبان الثلوج قبل الأوان، إلى تناقص المياه المتوفرة في الصيف، والتي يحتاجها المزارعون للري».
ويحذر من الإفراط في استخراج المياه الجوفية، لا سيما من المناطق الساحلية، «إذ يــؤدي ذلــك إلى اختلاط مياه البحــر المالــحة بها».
كما بدأ الخطر يهدد أشجار الأرز، حيث يتوقع الخبراء اختفاءها إذا تواصلت التغيرات المناخية المدمرة للبيئة والحياة. وفي هذا الإطار، يأتي تــصريح فاهـــاكن كاباكيان المسؤول في وزارة البيــئة والذي يعد التقرير المقبل عن التغير المناخي في لبـــنان للأمم المتحدة، حيث قال أخيرا: «لا أستطيع أن أحدد تاريخا معيـــنا سترى فيه آخر شجرة أرز فــوق جبالــنا.. لكن ربما يحدث ذلك في نهاية المطاف».
وتشير وزارة البيئة إلى ارتفاع مستويات مياه البحر مليمترين سنويا، «ومن الممكن أن يشهد البلد تراجعا في الأمطار، وفصول صيف أكثر حرارة وجفافا، ومزيدا من الظروف المناخية المتطرفة مثل الفيضانات. ومن بين أكثر القطاعات الاقتصادية المعرضة لهذه الظروف السيــاحة والزراعة».
ويطالب معنيون بوجوب أن يحظى تغير المناخ بالأولوية القصوى لدى الحكومة. وكما يقول كاباكيان «انها مسألة حياة أو مــوت.. ورغم ذلك نواجه نقصا في التمويل لتنــفيذ خطــوات ضرورية لاحتواء الآثار».
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1702&articleId=2123&ChannelId=39857&Author=كامل صالح
كاد فصل الخريف أن يلملم آخر أيامه قبل بدء فصل الشتاء، تاركا خلفه مساحات شاسعة من الأراضي العطشى، وجفافا في معظم الأنهار، واختفاء الغطاء الأبيض عن كل الجبال، فضلا عن تهديد جدي يطال معظم الأشجار المثمرة، لا سيما تلك التي تحتاج إلى المياه في هذا الوقت من السنة، لا سيما منها الحمــضيات واللــوزيات والتفاح، والخضروات على أنواعها.
كما تواجه منتجعات التزلج تهديدا مناخيا جديا، حيث تتوقع الدراسات في هذا السياق، أن يتقلص الغطاء الثلجي نحو 40 في المئة في حلول العام 2040. وأن يرتفع الحد الأقصى لدرجات الحرارة في لبنان واحدا في المئة على الساحل، واثنين في المئة في الداخل في حلول العام نفسه.
عقاب المطر
يتأمل أحمد (مزارع من الجنوب) أرضه التي كانت تؤمــن له ولعائلته دخلا جيدا يبعد عــنه العوز والحاجة إلى الناس، وما يلبث أن يفرك كمــشة تراب بيده: «الجفاف سيقضــي على كل شيء.. ماذا أفعل؟ من يسأل عنّا؟ ألا يكفينا إهمال الدولة، ليعاقبنا المطر؟».
وبعد صمت، يقول: «هذه أبشع وأقسى من كل الحروب... فعندما تموت الأرض وتتصــحر، يستحيل أن تنبــض الحــياة فيــها مجددا».
أما خليل (مزارع من البقاع) فيشير إلى أن نبع قريتهم الذي كان «يتدفق بالمياه طوال السنة، وكان أهل بيروت يقصدونه لتأمين حاجياتهم من مياه الشفة، تحول إلى خيط رفيع جدا»، متوقعا انقطاع المياه عنه إذا استمر شحّ المطر.
ولا يخفي أحمد تحذيره من «أن بقاء الوضع الســيئ، سيدفــع أبناء القرية إلى منــع اقتــراب أحد من خارجها، إلى ميــاه النبع..».
والوقائع المتشابهة في معظم القرى، خصوصا تلك التي تخرج منها الينابيع، تنذر بوقوع مشاكل وكوارث بين الأهالي، بسبب ندرة المياه.
الحد الفاصل
وأمام التوقعات بعجز مائي في حلول عام 2015، بغض النظر عن التغيرات المناخية، بسبب سوء الإدارة، والزحف العمراني، والنمو السكاني، يرى رئيس جمعية المزارعــين انطــوان الحويك عبر حديثــه لـ«السفير» أن الحل يكمن في إعطاء الأولوية لبناء السدود في المناطق كافة، للزراعة ولغيرها، إضافة إلى الترشيــد في الري، واعتماد «التنقــيط»، مشــيرا إلى «أن 75 في المئة من المشكــلة كانت قد عُولجت لو وجدت السدود».
وفيما يلفت الحويك إلى أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن الخسائر المتوقعة في القطاع، لغياب الإحصاءات الدقيقة في هذا الموضوع، يحذر من «أننا نتجه إلى «الخط الأحمر»، وأصبحنا على الحد الفاصل».
وإذا عاد المطــر، يأمل حويك أن تتعــدل الأمــور ونتــجنب الكارثة.
ويوضح أن «مواصلة الطقس الحار بدأ يؤثر على غالبية الينابيع، حيث بدأت تشحّ، فضلا عن دورة حياة الأشجار كافة، في ظاهرة غير طبيعية، وقد بدأنا نلاحظ أن أشجارا تزهر قبل وقتها، مثل اللوز، وعند بدء الصقيع يتساقط زهرها، وتاليا هناك الكثير من الأشجار لا يتوقع حصاد مواسم منها، ما يعني أننا مقبلون على خسائر فادحة ستتجلى صورتها بدءا من الربيع على المواسم والأسعار».
ويلفت إلى أنه كان من المفترض توقف المزارعين عن الري في منتصف تشــرين الأول، لبدء تساقط الأمطار، إلا أن ما حدث هو العكس تمامــا، ولم تكف «جرعة المطر» ري الأرض، ما دفع المزارعــين إلى معـاودة الري.
وردا على توجه مزارعي الجنوب إلى زراعة الموز بدلا من الحمضيات، وهل لذلك أسباب مناخية؟ قال حويك: «لا علاقة للمناخ في هذا الموضوع، والمسألة تجارية بحتة، حيث زراعة المــوز مربحة أكثر من الحمضيات».
ليمون وموز
أما رئيس تجمع مزارعي جنوب لبنان هاني صفي الدين فينبه إلى أن استــمرار شح المياه قلص مساحات زراعة الليمون على أنواعــه في جنوب لبنان بنسبة 75 في المئة لمصلحة زراعة الموز، ولمصلحة الزراعات الاستــوائية، معتبــرا أن الحــل يكمن بزيادة كمية المياه للمزارعين من مياه الأنهـار والينابيع.
ويؤكد أن الجفاف الذي تعاني منه المواسم الزراعية لهذا العام، لم يسبق أن شهدت البلاد مثيلا له في السابق، مشيرا إلى أن استمرار حالة الجفاف ستضرب المواسم، وستجعلها عرضة للتلف، وستكبد المزارعين المزيد من الخسائر الإضافية.
ويعلن صفي الدين أن التجمع سيدعو إلى اجتماع طارئ لمزارعي الموز والليمون في الجنوب للإعلان عن حالة طوارئ اقتصادية لمواكبــة تدهور هاتين الزراعتين، وللبحث في مشروع إنشاء تعاونية زراعية للمزارعين لمتابعة عملية تصريف الإنتاج الزراعي وضبط الأسعار لمصلحة المزارعين بعيدا عن احتكار التجار.
تعديل السلوك
وفي محاولة لمواكبة التغيرات المناخية، والتخفيف من حجم الخسائر المتوقعة، يدعو مدير مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في العبدة ـ عكار، المهندس ميشال عيسى الخوري المزارعين إلى التعديل في سلوكهم الزراعي، مشددا على «ضرورة ري المزروعات الورقية التي تعتمد عادة على مياه الأمطار، وري الأشجار المثمرة واللوزيات حــتى التي تم قطافها، وذلك إذا استــمر الطقس على ما هو عليه إلى نهاية الــشهر الحالي». أما بالنسبة لمزارعي الزيتون الذين اعتادوا رش الأسمدة في مثل هذه الفترة من السنة، فنصحهم بتأجيل الرش حتى بدء الشتاء، والتركيز حاليا على استخدام الأسمدة العضوية التي تزيد من قدرة التربة على حفظ المياه.
القرعون والأرز
وفي سياق متصل، تطال مؤثرات أزمة الشحّ بحيرة القرعون، حيث تواصل انخفاض منسوب المياه، ينذر بكارثة لا يمكن توقــع نتائجــها على الزراعة والطاقة.
ويعلق الدكتور حسين رمّال، (مهندس زراعي ودكتور في اقتصاد التنمية ورئيس مصلحة سابق في مصلحة الليطاني) عبر حديثه لـ«السفير» على تناقص سقوط الأمطار، «أنه يلحق الضرر بإعادة تغذية خزانات المياه الجوفية والأنهار، ويؤدي ذوبان الثلوج قبل الأوان، إلى تناقص المياه المتوفرة في الصيف، والتي يحتاجها المزارعون للري».
ويحذر من الإفراط في استخراج المياه الجوفية، لا سيما من المناطق الساحلية، «إذ يــؤدي ذلــك إلى اختلاط مياه البحــر المالــحة بها».
كما بدأ الخطر يهدد أشجار الأرز، حيث يتوقع الخبراء اختفاءها إذا تواصلت التغيرات المناخية المدمرة للبيئة والحياة. وفي هذا الإطار، يأتي تــصريح فاهـــاكن كاباكيان المسؤول في وزارة البيــئة والذي يعد التقرير المقبل عن التغير المناخي في لبـــنان للأمم المتحدة، حيث قال أخيرا: «لا أستطيع أن أحدد تاريخا معيـــنا سترى فيه آخر شجرة أرز فــوق جبالــنا.. لكن ربما يحدث ذلك في نهاية المطاف».
وتشير وزارة البيئة إلى ارتفاع مستويات مياه البحر مليمترين سنويا، «ومن الممكن أن يشهد البلد تراجعا في الأمطار، وفصول صيف أكثر حرارة وجفافا، ومزيدا من الظروف المناخية المتطرفة مثل الفيضانات. ومن بين أكثر القطاعات الاقتصادية المعرضة لهذه الظروف السيــاحة والزراعة».
ويطالب معنيون بوجوب أن يحظى تغير المناخ بالأولوية القصوى لدى الحكومة. وكما يقول كاباكيان «انها مسألة حياة أو مــوت.. ورغم ذلك نواجه نقصا في التمويل لتنــفيذ خطــوات ضرورية لاحتواء الآثار».
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1702&articleId=2123&ChannelId=39857&Author=كامل صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم