اعداد وتقديم: د. كامل صالح - مجلة الحداثة
(25 شاعرا وشاعرة من عشر دول عربية)
عندما أخرج أفلاطون الشعراء من
جمهوريته المثالية، لأنهم يحاكون محاكاة العالم الواقعي للعالم المثالي عبر مرآتهم،
كان لا يرى الروح المتغلغلة في العالمين معاً. أراد عبر محاوراته الفلسفية أن يقصي
الشعر عن الحياة بحجج وتعليلات، كانت الأيام تسقطها كل يوم، بل كل لحظة.
هل يمكن
العيش بلا شعر؛ بلا ذاك التعبير الذي يجهد ليفسّر حركة الدورة الدموية عندما نرى
وجه المحبوب؟ أو تلك الكلمات التي تسقط عاجزة أمام حضن أمهاتنا؟
ليركد أفلاطون
في قلق. لقد عاش الشعر من بعده إلى اليوم، وسيظل يتنفس إلى يوم القيامة.
في
عددها الجديد، تحتفي مجلة الحداثة بالشعر مجددا، عبر نصوص لخمسة وعشرين شاعرا وشاعرة
من عشر دول عربية، تأتي نصوصهم متكئة على عوالم من دهشة الأسطورة، وعبق السحر
اليومي لتفاصيل تبدو كأنها لن تتكرر، أو لغة مبللة بالحنين والحب والعشق.. ولعل
أجمل ما كتب هو ما يحلّ فجأة، برغم ما نراه في الأفق من مشاهد وصور وأطياف مدن تصحو
على همّها ودمعتها، وأخرى ترقص كدجاجة مذبوحة عبر دورتها اليومية الروتينية
المملة.
الاحتفاء بالشعر حالة راسخة للحضور الإنساني طوال بروز وعيه على الأرض،
فمن خلاله واجه الإنسان الخوف من الموت ومن الحياة أيضا، ومن خلاله عبّر عن حزنه
وعشقه وفرحه وقلقه ووطنيته وحقده.
عبر هذه النصوص، يجوز استعادة الأسئلة كأنها
لم تطرح من قبل: ما مصير الشعر في ظل ما تشهده البشرية من قفزات هائلة في المجالات
العلمية والتقنية؟ كأن هذا التقاطع الحاد المفترض في السؤال، يرى حتمية موت الشعر
في مواجهة الحديد، ولا يرى إمكانية التعايش والاستمرارية بين الطرفين: الشعر أو
الحديد.
هذه الفرضية أثبتت فشلها وسقوطها المدوي، فما حدث جرى عكس المتوقع، فبرز
الشعر في الشبكة العنكبوتية شاسعا، وباتت له البيوت الالكترونية والمواقع الخاصة
والمنتديات، فضلا عن اتجاه كثير من الشعراء إلى بناء مواقع شخصية لهم في
الانترنت.
لكن هل هذا يكفي لتأكيد عدم التصادم بين الجانبين؟
المتابعون
يعتبرون أن المسألة لا تقف عند هذا الحيز البسيط والساذج، إنما تتداخل في مسارات
أشد تعقيدا وفلسفة، فالمسألة هي أزمة الإنسان الكلي في عصر الحديد، ولا تقتصر على
الجانب العاطفي أو الابداعي فيه. من هنا يتفرع الإشكال، ويصعب تالياً، تأخيره في
سؤال عابر أو مسألة يمكن معالجتها بسهولة.
الشعر لا زال يتوهج هنا وهناك،
فالإنسان الذي هزم الخرافات، وتمكن عبر اختراعاته أن يمدّ جسورا للتواصل، ولجعل
الحياة أسهل، هو نفسه لا زال يتفنن ويتباهى في بناء قدراته العسكرية التدميرية،
وكأن امتلاك المقدرة على قتل الآخرين، أصبح مدعاة للفخر والاعتزاز والكرامة، وليس
مدعاة للعار والقرف والاشمئزاز.
الشعر سيظل النور في وجه سواد الحروب، ولا يموت
إلا بموت الإنسان نفسه. فهل من أحد يتحدث عن ذلك؟