بحث

3 نوفمبر 2009

الغجري يرحل كأرستقراطي أخير




محمد الماغوط


رهان الشعر ضد «الهزائم»

قراءة: د. كامل صالح - عكاظ


الأربعاء 07/03/1427هـ - 05/ أبريل/2006 العدد : 1753


لم يكن الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط (72 عاماً) غريباً عن الموت، فهو ومنذ ديوانه الاول «حزن في ضوء القمر» كان يستند على الموت بحثاً عن معنى آخر للحياة، وبالتحديد حياة الانسان العربي.
الماغو ط الذي ظل يأمل بانبعاث هذه الأمة من رمادها، كتب في ديوانه الفرح ليس مهنتي قصيدة «مسافر عربي في محطات الفضاء» جاء فيها:
«كل ما اريده هو الوصول
بأقصى سرعة الى السماء ..»
وبذلك كان يأمل ان تتدخل السماء لتقود الأمة الى الخلاص وتتحقق العدالة على الارض، وهو اذ ذاك راهن على ان فعل التغيير يأتي من الاقوياء. لكن عندما يشعر ان هذا التغيير لن يأتي في قصيدته »كل العيون نحو الافق» يكتب:
«.،،، ولكن اذا لم تأتِ
سأعضّ شراييني كالمراهق
سأمدّ عنقي على مداه
كشحرور في ذروة صداحه
واطلب (...) ان يبيد هذه الأمة».
غير ان هذا المتمرد بالفطرة لا ييأس فيواصل رهانه على لغة شعرية تستمد تمردها من اليأس والهزائم التاريخية الممتدة والمتواصلة في الواقع اليومي العربي، ويغلّف الماغوط كل هذا بتأكيد «تصعلكه»وحريته وعنفوانه وتشرده وتناقضه .. ولعل المعبّر عن ذلك كله ما جاء في قصيدته «الغجري المعلّب»:
«هكذا
خلقني الله.. 
سفينة وعاصفة غابة وحطاباً (..) 
في دمي رقصة الفالس
وفي عظامي عويل كربلاء
وما من قوة في العالم 
ترغمني على محبة ما لا احب
وكراهية ما لا اكره
ما دام هناك تبغ وثقاب وشوارع».
هذا التناقض، القاسي في حدته ومشهديته يختزل وباختصار علاقة الانسان العربي بماضيه وحاضره من جهة وعلاقته بالآخر من جهة ثانية.
وفي قصيدة «بكاء السنونو» يدعو الماغوط شعبه ليحتضنه مشيراً الى انه كان كالطفل الضال غير انه يعود ويصب جام غضبه على عصره و يعلن في قصيدته «الهضبة» انه سيعود الى قريته ولو سيراً على الاقدام، ومع اعترافه بالهزيمة لم يجد مكاناً مرتفعاً لينصب عليه راية استسلامه.
في مستهل ديوانه «الفرح ليس مهنتي» قال:
«احلم بسلم من الغبار من الظهور المحدودبه والراحات المضغوطة
على الركب لأصعد الى اعالي السماء» ..
الماغوط الواقف على حد السكين المحبط الى اقسى الحياة، غاب في تجليات الموت حياً ليلتقط وردة يزرعها في هذا الافق. عاند المرض وعاش الدنيا بمزاج مؤلم، وعندما مات شاء ان يعبر الى الحياة الاخرى جالساً على اريكته كأرستقراطي أخير.
جريدة عكاظ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews