بحث

17 فبراير 2014

"حب خارج البرد" لكامل صالح: مشاعر العاشق وشعور الأبوّة

حب خارج البرد - كامل صالح

 د. علي نسر* نشر في جريدة الأنوار

"حب خارج البرد"، رواية للكاتب اللبناني كامل فرحان صالح (دار الحداثة) تسلّط الضوءَ على ضرورة التسليم بالقدر المكتوب للإنسان، والمصير المحدد له، مهما توصّلت يد الإنسان إلى مشاركة الخالق في تحديد بعض المصائر عبر الاكتشافات والنظريات العلمية المتطورة.
هي قصّة شاب يفقد عدداً من الأهل في زلزال يضرب بيروت وبعض الضواحي، لكن الضربة الطبيعية هذه، كانت وطأتها أكثر ثقلاً عليه عبر اختطاف الموت حبيبته هند التي ابتلعها الزلزال كالمئات أو الألوف من الجثث، محتفظاً بشريحة جينية منها، يدفعه حبه الجارف لها إلى وضعها في مخبرٍ بالقاهرة في محاولة لإعادتها إلى الحياة، وبعد طول تفكير وأخذ وردّ، يحصل ما يريد، فتعود هند ابنةً له هذه المرّة، حين يخبره العالم أن الطفلة المستنسخة قد سُجّلت على اسمه وأصبح والدها رسمياً، وإذا به يتخبّط بين مشاعر العاشق وشعور الأبوّة المفروض عليه.
وفي خضمّ هذه الوقائع المتعلّقة بهند وذكراها التي ظلت جاثمة على قلبه، تتنقّل معه أينما ذهب، يضعنا الكاتب أو الراوي أمام أحداث فرعية تتعلّق به وعائلته، أو بهند وزوجها وابنها الباكستانيين، فتتشعّب أحداث الرواية، وتأخذنا عبر بعض مفارقات الاسترجاع، إلى أحداث مرّ عليها الزمن، وتكشف أمامنا بعض الشخصيات المندثرة في طيات زمن مضى، وكان لها أثر في

حركة الشخوص وأحداثهم الحالية.
راوي الأحداث، هو البطل الرئيس المشارك كاف كما سمّته أمُّه تلبية لطلب المنجّمين. فيشكّل شخصية تساوي الشخصيات الأخرى في العلم والمعرفة، فيسرد ما يتعلّق به ويعرض أحداثاً حصلت معه، ثم يعتمد بعض الوسائط فيستقي منها معلوماته الخاصة بغيره.
وكغيرها من الروايات، تتّكئ هذه الرواية على عصا الزمن، ولكن معادلة اللعبة الزمنية المألوفة تنقلب في هذا النص، إذ يعتمد الكاتب الزمن الآتي تقنية لسرد أحداث روايته وليس الماضي، فيحدد زمن الكتابة من خلال التمهيد، وهو العام 2071، في حين يشكّل العام 2032 زمن القص أو السرد الذي يستحضر الراوي أحداثه المتعلقة بالزلزال وما حلّ بالحبيبة، مسترجعاً بعض الأحداث الخارجية، وهي في معظمها تعود إلى النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين، وقد تحوّلت إلى وقائع خارجة على إطار السرد، إذ جعلها الراوي أحداثاً خارجية تندرج ضمن ما يعرف بالاسترجاع الخارجي البعيد.
وإزاء هذا الزمن الاستباقي، والأحداث الدائر معظمها في لبنان ومصر، يرسم الراوي ومن ورائه الكاتب، صورة عمّا سيؤول إليه العالم عموماً والعربي خصوصاً ومنه عالم النسيج اللبناني، فإذا به عالم تحدّد تصرفاته وتحرّكاته الابداعات والاكتشافات العلمية، مشيراً إلى بعض التغيرات السياسية والديموغرافية، مع بقاء بعض الأمور على ما هي عليه اليوم... كما يتطرّق إلى الصراع السرمدي بين العلم والدين، مؤكّداً أن الأخلاق هي أساس الوجود.
وهكذا نرى أن هذه الرواية التي تتخذ من الزمن الحالي مادة لأحداث مسترجعة، قد توافرت فيها تقنيات العمل الروائي عموماً، فقد شيّد الكاتب عالمه من ترابه الفني الخاص، متلاعباً بتقنية الزمن الذي استوطن فيه قالب المكان باتقان ونجاح، وقد تضافرت مجموعة من الشخصيات وعلى رأسها الراوي، لتشكّل مدماكاً مهمّاً من مداميك الرواية لما تتركه من أثر على المكان والزمن، وما تحمله بإيعاز من الكاتب، وعبر حواراتها المتنوعة من رؤية روائية إلى العالم.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews