بحث

17 سبتمبر 2010

As-Safir Newspaper - كامل صالح : الملاحقات القانونية لمجزرة «صبرا وشاتيلا»: هل لبنان مستعد؟


كامل صالح

جاءت دموع إحدى الناجيات من مجزرة صبرا وشاتيلا لتوقد جذوة الذكرى الأليمة والقاسية، ليس في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين فحسب، بل في ذاكرة الإنسانية ككل، اللقاء الذي عقد في بيروت أمس لمناقشة مصير الملاحقات القانونية المتعلقة بالمجزرة.
ويوم أمس، حلت الذكرى الثامنة والعشرون للمجزرة (16 أيلول 1982)، ولليوم لم يعرف العدد الحقيقي لضحاياها، غير أن أرقام بعض المتابعين والمنظمات الإنسانية رجحت وصول العدد إلى نحو أربعة آلاف شخص لفظوا أنفاسهم الأخيرة وفق خطة نفذتها إسرائيل وعملاؤها في لبنان في ذاك الوقت.
وإحياءً للذكرى، وبرعاية وحضور وزير الإعلام د. طارق متري، وبدعوة من «منظمة ثابت لحق العودة» عقدت ندوة قانونية ـ إعلامية عنوانها: «أين وصلت الملاحقات القانونية في مجزرة صبرا وشاتيلا؟»، ونوقش خلالها «واقع الملاحقات القانونية لمرتكبي المجزرة»، بالإضافة الى «آليات العمل القانونية العملية لملاحقة مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا».
وافتتح الندوة المدير العام لمنظمة ثابت علي هويدي بسؤال هو «لماذا لا تأتي وفود عربية للمشاركة في إحياء ذكرى المجزرة؟»، مؤكدا أن «إعادة الاعتبار للضحايا لا يكون إلا عبر طريقة واحدة فقط، هي محاكمة المسؤولين عن المجزرة على جميع الصعد تحت سقف محكمة دولية عادلة تنطق بالحق».
وعن وضع اللاجئين في لبنان، دعا الساسة اللبنانيين لإخراج الفلسطينيين من «لعبتهم الداخلية»، «ولا تجعلوا حقوقنا المدنية محل مساومة أو مقايضة أو وفق مصالحكم السياسة»، معتبرا أن حق العمل للفلسطينيين الذي أقره لبنان أخيرا، «غير كاف»، و«لا يلبي طموحاتنا كلاجئين فلسطينيين»...
أما وزير الاعلام د. طارق متري، فقد اعتبر أن الموقف من الجريمة «لا يرتضي التنصل من المسؤولية الأخلاقية والسياسية»، داعيا إلى «ألا تنزلق إلى النسيان أو الرضوخ لتقادم الزمن»، ومؤكدا أنه «من حق الذاكرة المجروحة تأكيد الحقيقة التاريخية، وإحقاق العدالة لردع المجرمين، والاعتراف، وكشف حقائق الماضي من دون الوقوع في حسابات الحاضر وخلافاته، وتجديد المطالبة بعدالة دولية، وصولا إلى الاعتذار».
ورأى أن «الذاكرة في لبنان، ذاكرات خاصة تتغذى من مخيلات خاصة، والذاكرات الخاصة، كما المخيلات الخاصة، لا تضع أنصاف الحقائق والأقاويل والشائعات تحت السؤال، بل تجددها مع انقضاء الزمن. وكما يتلاعب بعض السياسيين في لبنان بمشاعر الناس، يتلاعبون بذاكرتهم أيضا، يطوونها حينا، ويستعيدونها حينا آخر».
وفي الجلسة الأولى التي ترأستها أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية د. إلهام الحاج حسن، استضيفت وضحة السابق وهي احدى الناجيات من المجزرة، التي حكت عبر دموعها تفاصيل يومين حرماها الزوج والأبناء والأقارب، وهي التي بحثت عنهم بين الضحايا ولم تجدهم... وبعد البكاء الغزير، توجهت للحضور لتقول: ذهبت إلى بلجيكا ولم أستفد.. أريد قبرا لأولادي لأقرأ عليهم الفاتحة.
وشارك في الجلسة كل من مدير مكتب بيروت لمنظمة هيومن رايتس ووتش نديم حوري، ود. محمد المجذوب، ومدير مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان محمود الحنفي.
وذكّرت الحاج حسن بأن «الضحية لا تشفى قبل معاقبة الجلاد»، متحدثة عن عوارض ما بعد الصدمة، وأن ترددات المجزرة مستمرة مع الأجيال الجديدة.
أما حوري فخصص ورقته للحديث عن «واقع الآليات القانونية لسوق مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى المحاكم الدولية»، ولاحظ أن الإعلام اللبناني كان غائبا عن المجزرة، وسأل: «لماذا نسعى للتوعية عن المجزرة في الخارج وطلابنا لا يعلمون شيئا عنها؟».
وعرض حوري للمحاكم الدولية التي يمكن أن تساعد في هذه القضية، مؤكدا أن «مجالات الملاحقات القانونية محدودة، والطريق صعب، ويحتاج إلى عمل قانوني جدي، فالعدالة الدولية يمكنها أن تساعد إذا وجد الجهد الجدي على المستوى المحلي». وسأل «هل لبنان مستعد لهذا الموضوع؟».
وتناول مجذوب في ورقته «المجزرة ومبدأ الولاية القضائية العالمية»، مركزاً على التقصير القانوني العربي في هذا المجال، ومؤكدا على ضرورة توثيق الجرائم الاسرائيلية وتعميمها على صناع القرار في العالم، والضغط على الدول العربية، والتذكير الدائم بأن جرائم إسرائيل هي جرائم دولية، والمطالبة، بكل الوسائل الممكنة، بإدخال مبدأ الاختصاص القضائي العالمي في التشريعات الجنائية العربية للسماح بملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم دولية تنص عليها اتفاقيات دولية حول حقوق الإنسان».
من جهته، طرح الحنفي في ورقته الإمكانيات المتاحة لحماية السكان المدنيين في ظل الاحتلال: «اللاجئون الفلسطينيون في مخيمي صبرا وشاتيلا نموذجا»، لافتا إلى أن إسرائيل دولة احتلال، وعليها مسؤولية بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، وبالتالي لا يمكن أن تبرئ نفسها من المجزرة.
أما الجلسة الثانية، فترأسها منسق مركز حقوق اللاجئين في لبنان (عائدون) جابر سليمان، وشارك فيها كل من الباحثة بيان نويهض الحوت التي وضعت كتاب «صبرا وشاتيلا»، والمدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية أحمد كرعود، ومدير مؤسسة صبرا وشاتيلا د. فرانكلين لامب، وأستاذ القانون الدولي د. شفيق المصري.
وأبرزت الحوت «أهمية توثيق المجازر»، مؤكدة أن «الأحاسيس والجدية والعمل ما زالت قائمة، ما يعطينا الأمل بمحاكمة المجرمين». ولاحظت وجود إشكالية في توثيق المجازر، «لأن مرتكبيها لا همَّ لهم إلا إخفاء الحقائق». وأقرت بأنها لم تكن تسعى لتوثيق المجزرة عبر كتابها «صبرا وشاتيلا، أيلول 1982»، بل «كان الهدف مشروعا تاريخيا شفهيا عبر تسجيل شهادات أهالي الضحايا»، مؤكدة وجود وثائق وصور عن المجزرة لم تظهر بعد، داعية إلى البحث عن دولة بديلة لإقامة دعوى ضد إسرائيل.
وسعى الكرعود عبر ورقته، للإجابة عن سؤال: «هل يطوى ملف الجرائم ضد الإنسانية بتقادم الزمن: صبرا وشاتيلا نموذجا؟»، مفيدا أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وأشار إلى غياب تعريف موحد لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية. وقال: «هذه المجزرة وقعت على الأراضي اللبنانية، وتاليا، فإن الاختصاص الأول هو للقضاء اللبناني»، واعتبر أن قانون العفو العام الصادر سنة 1991 مخالف للقانون الدولي لأنه لا يسمح بالعفو ضد من ارتكب جرائم إبادة، داعياً لمعالجة هذه المسألة قضائياً وتشريعياً.
وأبرز لامب في كلمته «دور مؤسسات المجتمع المدني في التعريف بالمجزرة وملاحقة مرتكبيها»، وقال: «قضيتي إحياء وعدم محو ذكرى المجزرة من الذاكرة»، «وأدفع حياتي لأجل الحقوق المدنية للفلسطينيين»، معتبرا أن «البرلمان اللبناني غير قادر على اتخاذ قرارات ترتقي إلى طموح الفلسطينيين».
واستعرض المصري في كلمته «الدروس والعبر المستفادة من ارتكاب المجزرة»، مشيراً إلى صدور قرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل، لم يستفد منها فلسطينياً وعربياً. وسأل: المفاوضات اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين تجرى على أية قاعدة؟ داعياً إلى الالتفات إلى القانون الدولي، لأنه يضمن حقوق الشعب الفلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم

جديد الموقع

الأكثر مشاهدة (كل الوقت)

خذ ساقيك إلى النبعخذ ساقيك إلى النبع by كامل فرحان صالح
My rating: 5 of 5 stars

ديوان «خذ ساقيك إلى النبع» للشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح، صدر لدى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» في القاهرة في العام 2013، ضمن «سلسلة آفاق عربية» الشهرية. وأتى هذا الديوان بعد عشرين سنة من صدور ديوان «كناس الكلام» للشاعر صالح، الصادر لدى دار الحداثة في بيروت في العام 1993.
يضم الديوان الجديد الذي وقع في 139 صفحة، 44 قصيدة، وقد أهداه صالح «إلى أرواح من عبروا». أما الغلاف فهو من تصميم أحمد اللباد. يعدّ «خذ ساقيك إلى النبع» الرابع لصالح، بعد « أحزان مرئية » (1985)، و« شوارع داخل الجسد » (1991). و« كناس الكلام ». كما له في الرواية: جنون الحكاية - قجدع ) (1999)، و« حب خارج البرد » (2010). وفي الدراسة: « الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدس في الشعر العربي » (ط1 ــ 2004، ط2 – 2010). و" حركية الأدب وفاعليته : في الأنواع والمذاهب الأدبية " (ط1: 2017، وط2: 2018)، و" ملامح من الأدب العالمي " ( ط1: 2017، وط2: 2018)، و" في منهجية البحث العلمي " (ط1: 2018 ).
كتبت عدة دراسات وقراءات في الديوان، ويمكن الاطلاع عليها عبر موقع الشاعر، عبر الرابط الآتي:
https://kamelsaleh1969.blogspot.com/s...
ويمكن تحميل ديوان خذ ساقيك الى النبع من هنا :
https://documentcloud.adobe.com/link/...

View all my reviews