As-Safir Newspaper - كامل صالح : في اليوم العالمي: من يراجع الخطط وينقـذ اللبنانييـن مـن العطـش؟
تتوقع دراسات وأبحاث متعلقة بالماء، أن يخضع اللبنانيون، في السنوات القليلة المقبلة، إلى أزمة شح حادة في مصادر المياه، نتيجة تقاطع عوامل عدة، منها ما يتعلق بتغير المناخ، ومنها نتيجة الفوضى والهدر، وغياب العمل الحكومي الجدي لمواجهة الأزمة، فضلا عن زيادة الطلب مع النمو السكاني في المناطق كافة.
وإذا كان «اللبناني» يشتهر بدفعه «فاتورتين» في ما له علاقة بالخدمات، فإن القلق الجدي مستقبلا، ألا يجد القيمة الموازية لحصوله على المياه التي تكشف الدراسات أن نصفها تقريبا، يذهب هدرا من دون الاستفادة منها، فالمواكبون لموضوع المياه، يؤكدون أن «50 في المئة، من الشبكات تعدى عمرها ربع قرن، مما يتسبب بهدر كمية تزيد عن 48 في المئة من المياه، وهي من بين النسب الأعلى في المنطقة، كذلك الأمر بالنسبة إلى مشاريع الري، حيث أن 6 في المئة من المشاريع تستخدم الوسائل الحديثة، والباقي يستخدم الوسائل ذات الكفاءة المنخفضة، كالأقنية وغيرها».
ويتزامن الحديث عن المياه، بمناسبة اليوم العالمي للمياه، حيث تنظم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربى آسيا (الأسكوا)، اليوم، ندوة حول المياه، بالتعاون مع المعهد الاتحادي الألمانى لعلوم الأرض والموارد الطبيعية، برعاية وحضور وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل. ويشارك في الندوة التي تعقد في بيت الأمم المتحدة، تحت عنوان «المياه للمدن استجابة للتحدي العمراني»، مجموعة من كبار المسؤولين والخبراء من الدول العربية المعنيين بشؤون المياه وحشد من الدبلوماسيين العرب والأجانب.
70 ليتراً للفرد يومياً!
ويوضح الدكتور حسين رمّال (مهندس زراعي ودكتور في اقتصاد التنمية ورئيس مصلحة سابق في مصلحة الليطاني)، لـ»السفير»، أن الأزمة الحالية، خصوصا في بيروت، تتمثل بشح المصادر التي لا تؤمن إلا حوالى 70 ليترا في اليوم للفرد الواحد، بينما تصل الحاجات الفعلية إلى الضعف. علما، أن مصطلح «ندرة المياه» يعني ألا يتاح للفرد سوى ألف متر مكعب أو أقل من المياه سنويا.
وأمام هذا الواقع، نشطت شركات بيع المياه المعبأة، والتعديات على الشبكات، وانقـــطاع المياه دوريا، كما نشطت، عملية توزيع المياه بواسطة الصهاريج (ستيرن)، التي اعتاد معـــظم اللبنانيين على اعتمادها لسد حاجاتهم من المياه.
وإذ يؤكد المواكبون لموضوع المياه الحاجة إلى مصادر جديدة، يرى البعض، أن المشاريع التي أطلقت في هذا الإطار، خصوصا تلك التي تضمنتها الخطة العشرية، (من 2000 إلى 2010، ومدد لها إلى عام 2018)، لا تعالج المشكلة جذريا، «كون هذه الخطة، وان حملت اسم «الادارة المتكاملة»، الا أنها لم تقتصر فعليا، سوى على إنشاء سدود سطحية تتحفظ عليها العديد من الدراسات الحديثة، والتي تبرز أولا ضرورة وقف الهدر، وترشيد الاستخدام، وضبط الطلب، واصلاح الشبكات، واستبدال «العيارات» بالعدادات وتركيبها على الآبار. ثانيا ضبط تجارة المياه المعبأة. ثالثا وقف سرقة المياه الجوفية، ورابعا معالجة الصرف الصحي لاعادة استخدامه في الزراعة». كما تواجه الخطة كغيرها من الخطط الإنمائية، عقبات وعوائق، سببها في الغالب، شدّ الحبال بين أهل السياسة، الذين يتصارعون على تأمين مصالحهم الخاصة، والآنية، من دون السعي الجدي والحثيث، لتأمين مصالح الناس، المفترض أنهم مؤتمنون على مصالحهم، وتوفير سبل العيش الكريم والآمن لهم، وللأجيال القادمة.
وفيما تسعى الخطة لإدارة متكاملة للمياه، وترشيد الري، واعادة استعمال المياه المبتذلة، يبدو مثيرا للاهتمام أن أقدم المصادر المائية لتأمين حاجة بيروت من المياه، تعود لعام 1875، وهي محطة ضبية، حيث نقلت المياه من نهر الكلب بالجاذبية، ونفذت المشروع آنذاك بلدية بيروت بواسطة شركة بريطانية. ويشير رمّال، إلى أن المياه وصلت إلى تلة الخيّاط، وزودت بعض المؤسسات العامة، وبعض النقاط التي ركبت فيها حنفيات على شكل سبيل. إلا أن المياه لم تصل إلى المنازل إلا في حدود عام 1900م.
ومن المصادر الأخرى، المياه الجوفية التي تسحب من آبار قديمة، ويقل عمق معظمها عن 100 متر. وأخرى في عهدي الانتداب الفرنسي وبدايات الاستقلال، حيث تعددت مصادر المياه التي تغذي العاصمة، فحفرت بعض الآبار الجوفية في الدامور والحدث إلى جانب مصادر المياه السطحية الأخرى، واعتبارا من أوائل الستينيات، ازداد البحث عن مصادر إضافية، وتركز اهتمام الجميع على المياه الجوفية.
الحفر العشوائي وغياب القوانين
وفي ظل غياب القوانين الرادعة، بدأت أعمال الحفر عشوائيا، حتى أصبح شعار «البناية مجهّزة ببئر ارتوازي»، في كل الأحياء. ويضيف رمّال: أنه نتيجة الاستثمار العـــشوائي الذي بلغ حد الاستنزاف، ونتيجة الشح المتتالي في كمية الأمطار والمتساقطات، تعرضت المـــياه الجوفية في بعض الخزانات الجوفية إلى عملية تلوث واختلاط بالمياه المالحة، أي ما يعـــرف بـ «تداخل مياه البحـــر»، ولم يـــتم وضع ضوابــط قانونية وإدارية كافية لوقف هذا «الهجوم».
ولعل القانون الذي وضع عام 1926، وينصّ على أن البئر الذي لا يزيد عمقه عن 150 مترا، ولا يتجاوز مردوده اليومي 100 متر مكعب، هو الذي أتاح للفلتان أن يمتد ويتـفاقم، حـيث تمكن البعض خلال الحرب الأهلية من الحصــول علــى إفادة من متعهدي الحفر «أن البئر الـــذي حفر لا يتجاوز هذين الحدين (العمق والمردود)».
وانتقالا إلى المشاريع الجديدة، هناك مشروعان جديدان لنقل المياه إلى بيروت، ويلحظ رمّال، أنهما أشبعا درسا قبل وخلال السنوات الأولى للحرب الأهلية، وهما: المشروع الأول: جر مياه الليطاني من نقطة مأخذ جون على منسوب 132 ومن على مقربة من معمل انتاج الطاقة (معمل جون). ومن سلبيات هذا المشروع: عدم انتظامه خلال أشهر الشحاح، حيث ينخفض مستوى المياه في القرعون، فضلا عن عدم صلاحية مياه البحيرة للشرب، وهي بحاجة إلى عمليات تنقية مكلفة.
أما المشروع الثاني، فهو جرّ المياه بالجاذبية من سد بسري على علو 320 م، ويحتاج هذا المشروع إلى بناء سد بسعة 127 مليون متر مكعب، ومد خطوط جر بطول نحو 42 كلم. ويرى معظم الخبراء، أن هذا المشروع هو الأنسب، برغم أن أكلافه تعتبر أغلى من المشروع الأول، نظرا للحاجة إلى بناء سد، إلا أن مياهه تكفي لتأمين الحاجات حتى حدود عام 2050، إضافة إلى أن المياه صافية، ونقية.
حسن استعمال المياه الجوفية
لكن، ومع بروز الحاجة لإنشاء السدود، ثمة حاجة ضرورية لحسن استعمال المياه الجوفية من دون هدرها كثروة وطنية، «لأن المخزون الاستراتيجي الأساسي لمياهنا هو من المياه الجوفية»، حيث يبلغ المعدل السنوي للموارد المائية المتجددة (أمطار وثلوج) نحو مليارين ومئة مليون متر مكعب، من دون احتساب الموارد التي تخرج عبر الحدود والينابيع تحت البحر. ويستخدم لبنان مليار متر مكعب كحد أقصى، وما تبقى يذهب إلى البحر.
وتتقاطع المخاوف المحلية، من ندرة المياه، مع تحذير أطلقه أخيرا، المنتدى العربي للبيئة والتنمية، في تقريره السنوي الإقليمي العربي الثاني حول التقدم في تنفيذ مبادرة التنمية المستدامة للمنطقة العربية، مشيرا إلى أن العرب «سيواجهون ندرة المياه في حلول عام 2015، حيث تنخفض الحصة السنوية للمياه للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب، وهو أقل 10 مرات عن المعدل العالمي الذي يتجاوز 6 ألاف متر مكعب».
وتتوقع دراسات أخرى، للأمم المتحدة أن تعاني 30 دولة من «ندرة المياه» في 2025 ارتفاعا من 20 في 1990. و18 من هذه الدول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وأعلنت وزارة الطاقة والمياه في لبنان، أخيرا، اكتمال إعداد الاستراتيجية الوطنية الشاملة لقطاع المياه في لبنان، مشيرة إلى أن الخطوات المقبلة تتمثل بتأمين الموافقات الحكومية، ووضع الخطة التنفيذية.
لكن تطبيق الاستراتيجية، بحسب الخبراء، يواجه عقبات مختلفة، وكما تؤكد الوزارة نفسها على لسان وزيرها جبران باسيل، أن اشكالية التطبيق شائكة، «وأكبر من أي مشكلة أخرى، كونها مناطقية موزعة، وليست مركزية، وتطال الشفة، والصرف الصحي، والري والاستخدامات السياحية والصناعية، وتطال أيضا باطن الأرض وسطحها»، وهي تحتاج إلى إنشاءات وأعمال كبيرة، ولكن البديل عن عدم تنفيذ الخطة، «هو مخيف ومخيف جدا، فلبنان ليس لديه محطات للتكرير، أو لتحلية مياه البحر، وهو حتى اليوم لا يملك محطات لمعالجة الصرف الصحي، إذا البديل هو الملح والوســخ مقابـــل المياه الصالحة التي اعتدنا الحصول عليها في حال نفذت الخطة، والكلفة ليست كبيرة»، كما يؤكد باسيل.
وتصل القدرة الإنتاجية المنخفضة لمصادر المياه في لبنان، إلى 1.6 مليار متر مكعب في السنة، بينما بإمكانها أن تزيد عن 2.2 مليار متر مكعب في السنة، أضف إلى ذلك النسبة المتدنية للتخزين السطحي الذي لا يتعدى 6 في المئة من كمية الموارد المتجددة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم