As-Safir Newspaper - كامل صالح : آلية من 14 مقترحاً لدعم سياسة بديلة للصادرات الزراعية
يبدو أن «المسلسل التراجيدي» الذي يعيشه القطاع الزراعي، طويل، ولا نافذة أمل تلوح في الأفق القريب، حيث تتقاطع العديد من الإشكاليات لتشكل حاجزا يطبق على نفس القطاع، لعل أبرزها، كما يوضح المعنيون بالزراعة: التغيرات المناخية، الإرباك الحكومي، أو بالأحرى العجز عن تأمين الحلول المقبولة، التوتر الذي تعيشه المنطقة، وما ينتج منه من عراقيل في وجه تصدير المنتوجات، وصولا إلى توقف العمل في برنامج دعم الصادرات الزراعية «اكسبورت بلاس» في نيسان المقبل. من دون نسيان أنه في ٢٠ أيار ٢٠١٠، اتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة وزارية لدرس سبل تفعيل الصادرات الزراعية، غير أنّ هذه اللجنة لم تجتمع لغاية اليوم.
أمام هذا الواقع السوداوي، يطرح السؤال: هل من سياسة بديلة وجدية لدعم الزراعة وصادراتها، لا سيما تلك المتفقة مع «الصندوق الأخضر» لمنظمة التجارة العالمية؟
إذا كانت المقاربة الدقيقة لهموم القطاع بأكمله تحتاج إلى تخصيص العديد من الصفحات، فإن الإشكالية الطارئة الآن، هي توقّف «اكسبورت بلاس» في أوائل نيسان، بناءً على قرار سابق متّخذ في مجلس الوزراء مطلع العام ٢٠٠٦ بوجوب تقليص الدعم بنسبة ٢٠ في المئة سنوياً، تمهيداً لانضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية.
ومما يعني في حال توقف البرنامج من دون طرح الآلية البديلة، دخول آلاف العائلات العاملة في القطاع، في نفق لا أحد يدرك آخره، حيث أبرزت مذكرة نقابية سابقة، الانعكاس الايجابي للبرنامج على نحو «250 ألف عائلة تعمل في تشغيل القطاع الزراعي مع بقية القطاعات. وهي عائلات من أفقر الطبقات في لبنان، وبحاجة إلى عناية وعمل على تحسين الزراعات وتنويعها، واستصلاح الأراضي».
وفيما يسأل رئيس جمعية مستوردي وتجار المستلزمات الزراعية في لبنان ورئيس اللجنة الزراعية في غرفة التجارة الدولية ميشال عقل عبر حديثه لـ«السفير» عن مصير قرار مجلس الوزراء العام الماضي، والمتعلّق بتشكيل لجنة لدرس سبل تفعيل الصادرات، يقول: «رغبة من اللجنة الزراعية في الغرفة في التفاعل الايجابي في ما يختص بالقطاع، رفعتُ وبالتعاون مع وزير الزراعة الأسبق د. عادل قرطاس في تاريخ ٩/٧/٢٠١٠ إلى رئيس مجلس الوزراء مذكّرة تتضمّن مقترحات وأفكارا لسياسة بديلة لبرنامج «اكسبورت بلاس»، بغية دراستها وعرضها في مجلس الوزراء للموافقة»، موضحا أن «المذكرة تنطلق من المسلّمة الأساسية وهي أنّه في نيسان ٢٠١١ سيتوقّف «اكسبورت بلاس»، وقد أتى ثماره المرجوة في تشجيع الصادرات، وعاد بالفائدة على المصدّر والمزارع والمصنّع على السواء، وفتح أسواقاً جديدة أمام الإنتاج الزراعي والغذائي، وساعد على تطوير وتحسين أوضاع القطاع عبر المساهمة في تحسين جودة الانتاج. وتاليا يكون من المؤسف جداً، إذا لم تتوصّل الحكومة إلى إيجاد البديل، ووضع سياسة طموحة تأتي بالفائدة، وتزيد قيمة مضافة على الاقتصاد الزراعي».
أين بنك الإنماء الزراعي؟
أما في ما يتعلق بالمقترحات والأفكار لسياسة بديلة لبرنامج «اكسبورت بلاس»، والتي تأتي متّفقة ومتناسقة مع «الصندوق الأخضر» لمنظمة التجارة العالمية دون أن تتناقض مع أفكار تحرير التجارة للمنتجات الزراعية، فيورد عقل آلية من 14 مقترحا، وهي: (1) اعتماد سياسة التسليف الزراعي، خاصة التسليف البعيد الأمد، لمساعدة المزارعين لإعادة تجديد بساتينهم، مثل التفاح والحمضيات، وتأمين التسليف الموسمي القصير الأمد. وفي هذه الحالة، يجب عدم الاتكال على التسليف، ضمن المصارف التجارية، التي لا تؤمن أكثر من 1,26 في المئة من التسليفات للقطاع، بل يجب إعادة إحياء مشروع بنك الإنماء الزراعي، الذي صدر قانون إنشائه سنة 1994، أيام الحكومة الأولى للرئيس الشهيد رفيق الحريري، والعمل على تأمين تمويله، إذ لا يجوز أن يبقى لبنان، البلد الوحيد في العالم، دون تسليف زراعي مؤسّسي، غير تجاري، ترعاه الدولة. (2) تحسين ودعم البنية التحتية للزراعة (مشاريع استصلاح الأراضي، مشاريع الري الصغيرة عن طريق المشروع الأخضر)، (مشاريع الري الكبيرة، عن طريق وزارة الطاقة والمياه، ومصلحة الليطاني)، لما لهذه البنية التحتية من تأثير إيجابي على خفض كلفة الانتاج، وتحسين القدرة التنافسية للمنتج الزراعي اللبناني. (3) اعتماد الارشاد ودعم الأبحاث العلمية الزراعية، والمنتجين في اعتماد منظومة الانتاج السليم للغذاء (طازج ومصنّع) GAP مثل GLOBALGAP, EUREPGAP, HACCP. (4) تحسين عمليات ما بعد الحصاد (عمليات القطاف، والنقل، والتبريد والتخزين، والتسويق) عبر إعطاء الدعم لتحسين وسائل القطاف، والتخزين والنقل المبردين، بالتوازي مع برنامج إرشادي لمواكبة عملية التحسين، وتشجيع المصدرين على إنشاء مراكز توضيب حديثة ومتطوّرة، وربطهم ببرنامج التسليف الزراعي.
سلّم متحرك وأسواق حديثة
ويدعو عقل عبر المقترح (5)، إلى اعتماد سلّم متحرك للدعم، بعد دراسة الأسواق الخارجية والأسواق الداخلية، مع تشجيع دعم الجودة والانتاج السليم الممكن تصديره إلى أوروبا، ودعم إزالة الحواجز التجارية التقنيةTechnical trade barriers، مما يساعد على الولوج إلى أسواق جديدة. (6) تحسين عمليات البيع بالجملة والمفرق، وإنشاء أسواق للفاكهة والخضار بالجملة حديثة، وتنظيم هذه العملية باستصدار القوانين والأنظمة الخاصة، واعتماد كل التوصيات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، في المشروعين اللذين هما قيد التنفيذ، في الوقت الحاضر. (7) تعزيز عمل الرقابة على الحدود البرية وفي المرافئ والمطار، وتحديث المختبرات ذات الصلة، كتلك التابعة لوزارة الزراعة، ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، في تل عمارة وكفرشيما والفنار والعبدة. (8) اعتماد المواصفات العصرية بالاتفاق مع مؤسّسة ليبنور: للإنتاج الطازج والإنتاج الزراعي والغذائي المصنّع. (9) استصدار قانون لتنظيم مهنة تسويق المنتجات الزراعية وتصديرها.
ويبرز في المقترحات 10 و11 و12، أهمية التفاهم مع جمعية المصدّرين للفاكهة والخضار، ونقابة النقل البري والبحري، وغيرهما من ذوي العلاقة، على تنظيم التصدير. والتفاهم مع باقي الدول المستوردة من لبنان، وهي في أكثريتها، بلدان المشرق العربي على عمليات تسهٌل التصدير، والنقل، والتبادل التجاري الزراعي، وتقلل المعاملات الإدارية التي تخفض في معظم الأحيان من جودة الإنتاج ضمن المنافسة الحرّة والشريفة، مشيرا إلى أنه «لا بأس من اعتماد روزنامة زراعية مدروسة لتبادل هذه المنتجات، بصورة متكافئة، تكون في صالح المنتج الزراعي والمستهلك على السواء».
إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية
ويؤكد أن «هذا يستلزم من وزارتي الخارجية والاقتصاد والتجارة، العمل على إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي عقدها لبنان مع دول صديقة، كذلك الطلب إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، تحت رعاية الجامعة العربية، إعادة النظر في اتفاقية تسهيل التبادل التجاري والترانزيت، وإنشاء منطقة تجارة حرّة عربية كبرى، على ضوء الاقتراحات الواردة أعلاه.
وانطلاقا إلى المقترح (13)، يشدد على أهمية «أن تضع وزارات الاقتصاد والتجارة، الزراعة، الصناعة، بالتعاون مع الخارجية، ومؤسسة ايدال لتشجيع الاستثمار، وبالاتفاق مع اللجنة الزراعية في كل من غرفة التجارة الدولية فرع لبنان، واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، استراتيجية تسويقية للتصدير طموحة، تتضمن من بين ما تتضمنه، الاشتراك سنوياً بالمعارض الدولية والإقليمية التي تفيد تنفيذ الاستراتيجية، ولعرض الإنتاج الزراعي اللبناني، والترويج له في الأسواق العالمية، وعدم الاكتفاء فقط في التسويق والتصدير إلى الأسواق العربية التقليدية، وتحسين سلسلة التصديرExport supply chain وإدارتها.
خمس سنوات من دون جدوى
ويخلص عقل للتأكيد في المقترح (14) على ضرورة الإسراع في الموافقة، واستصدار القانون الخاص بجودة وسلامة الغذاء في لبنان، «الذي ما زال بأخذٍ وردّ، بين الوزارات المختصة والمجلس النيابي، منذ ما يزيد عن خمس سنوات، دون جدوى»، معتبرا أن «هذا لا يجوز أمام استفحال مشاكل الحماية للمستهلك اللبناني، ضمن الجودة والسلامة المتوخاة للغذاء».
يشار إلى أن «اكسبورت بلاس» أطلقته المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات «ايدال» العام ٢٠٠١، بغية دعم كلفة شحن المنتجات الزراعية اللبنانية المصدّرة عبر تسديد ردّيات مالية شهرياً. وهدف أساسا للمساهمة في زيادة نسبة الصادرات عبر استعادة ثقة المستهلك بالإنتاج اللبناني، وفتح أسواق جديدة للتصدير عبر تشجيع المستورد على شراء الإنتاج اللبناني الزراعي، وتطوير القطاع عبر تحسين جودة الإنتاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم