5 مارس 2011

As-Safir Newspaper - كامل صالح : خوجة و«المحتسبون»... و«الكأس الذي طفح»

كامل فرحان صالح - جريدة السفير



ليس مفاجئا على المشهد الثقافي السعودي، أن يدخل «محتسبون» معرض الكتاب في العاصمة السعودية الرياض قبل يومين، ويشرعون بإطلاق صرخاتهم في وجه الناشرين وبعض الكتّاب، واصفين بعض الإصدارات المعروضة بـ»الكفر»، ومطالبين بسحب بعض الكتب من أجنحة دور نشر لبنانية ومصرية، زاعمين «أنها تخالف الشرع»، و»تتطاول على الإسلام». كما تعرضوا لنساء غير منقبّات واتهموهن بـ»الفسوق»، ومنعوا صحافية سعودية من مواصلة عملها في تغطية فاعليات المعرض، وطالبوها بالتوقف عن التصوير لأنه «حرام». ولم يكتفوا بذلك، بل واصلوا هجومهم على
عضو في اللجنة الإعلامية للمعرض، وهددوه بكسر يده.
وإذا كان تسلسل الأحداث للآن متوقعا من قبل «هؤلاء»، إلا أن صراخهم في وجه الدبلوماسي العريق والشاعر وزير الثقافة السعودي د. عبد العزيز خوجة، والقول له: «اتق الله في ما يعرضه المعرض من كتب»، يشكل منحى خطيرا في المواجهة مع رجل دولة، يعتبر من الوزراء المقربين والمدعومين من الملك عبد الله شخصيا، خصوصا بعد تعيينه، قبل تسلمه ملف الثقافة في السعودية، سفيرا وفق العادة في لبنان بتفـــويض شخصي من الملك، لرعايته الـــيومية تفاصيل الملف اللبناني المتشــعب.
لا شك في أن الحادثة ليست الأولى من نوعها في السعودية، وهي تكررت في مشاهد مأسوية، منها في دورات سابقة للمعرض نفسه، ومنها إقدام بعضهم على احراق ناد ثقافي في احدى المدن، بحجة أنه يبث أفكارا «علمانية» و»ليبرالية»، فضلا عن منعهم، لأكثر من مـــرة، إقامة أمســيات أدبية لـ«نساء» شــاعرات أو نـــاقدات في أكثــر من ناد أدبي.
وبرغم أن «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، تنفي أن يكون «هؤلاء» من رجالها، أو لهم صفة رسمية، في كل مرة تقع المشكلة، يبدو أن مسار المواجهة العلنية بين السلطة والمحتسبين، وصل إلى أوجه، ولم يعد ممكنا، بل من المستحيل المساواة فيه، حيث يلتزم خوجة، كعادته، بالهدوء والتزام الحوار العقلاني، مشيرا في تصريح له إلى «أن الحوار مهم في إيـــصال الرسالة»، وأنـــه «لا ضير أن نختلف مع شخـــص، لكن المهم كيف نوصل الرأي إلى الآخر بالطريقــة المناسبة».
ويستند في دعوته ذلك، الى «أن القرآن أمرنا بالحوار، وخادم الحرمين الشريفين وجه بإنشاء قاعدة له».
لكن خوجة يعرف في قرارة نفسه، أن «الكأس طفح»، وهو من واجه السنة الماضية، إثر تأكيده أن كتب الروائي السعودي عبده خال موجودة في المعرض، خبر منع كتبه، ليتدخل شخصيا مع الجهات المعنية، ليعاود فسح كتبه، وذلك بعد إعلان فوز خال بجائزة بوكر العربية عن روايته «ترمي بشرر».
وها هو اليوم، يتعرض خوجة شخصيا للاتهام، ومواجهة النبرة الحادة للمحتسبين، وهم بحجة استنادهم إلى حديث للنبي محمد: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده..»، يعتبرون أنفسهم أوصياء على الناس، ويحــق لهم «تقــويـم اعوجاجهم» بحــسب اعتـقادهم.
فمــاذا يـمكن لخوجة أن يفعل؟
معالجة «عقلية هؤلاء»، وإفهامهم أن «الدين معاملة»، وأن «الإسلام جاء رحمة للعالمين»، و»من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، من دون أدنى شك، تحتاج إلى قرارات حاسمة، غير أن تشابك التداخل مع جهات رسمــية أخرى في الدولة، يعرقل السير في صيغة مقبولة للحلّ، وتاليا، سيكــون مقدرا على خوجة الذي تمكن من السير برشاقة على «خطوط التماس اللبنانية»، أن يشــرب كــأس «هذه العقلية» المرّ، مرارا وتكــرارا من دون أن يقـول «آخ».

كامل صالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني أن أسمع رأيكم