آغا القلعة متحدثاً لـ «السفير» (مصطفى جمال الدين) |
كامل صالح
بعد ابتسامة هادئة، يقول: «لن نتحدث في السياسة أو في نشاطي الثقافي، وليكن تركيزنا على السياحة».
هكذا يشاء وزير السياحة السوري سعد الله آغا القلعة أن يستهل حديثه لـ»السفير»، التي التقته بعد مشاركته أخيرا في اجتماع «مجلس رفيع المستوى للتعاون الاستراتيجي بين لبنان وسوريا وتركيا والأردن»، واصفا تجربته في قيادة الحراك السياحي في بلده منذ عشر سنوات بـ «الممتعة»، لكنها «دقيقة».
ويشرح: «من الأشياء الممتعة أن تعمل لإبراز الصورة الحضارية لبلدك، وتسعى لأن يعرفها ملايين الناس على حقيقتها، وأن يعودوا وينشروا انطباعاتها بين أهلهم ومحيطهم».
ويستدرك «لكن في الوقت نفسه، من المهم جدا أن نعلم أن المقومات السياحية الغنية لا تكفي لبناء صناعة سياحية، هناك الكثير من التوازنات التي عليك أن تعمل عليها، وتضمن استدامتها، كالتوازن بين الغرف الفندقية المتاحة وعدد سياح المبيت في الفنادق، فان زاد العدد عن المتوفر، أصبح لديك ضائقة، وقد تنخفض الجودة في الفنادق نتيجة الطلب الزائد. أما إذا كان عدد الغرف أكثر من عدد السياح بشكل واضح، فهذا يؤثر على الجدوى الاقتصادية للاستثمارات، ولا يأتيك مستثمرون جدد».
ولا بد أيضا من التوازن بين المنشآت السياحية الجديدة، وإعداد الأطر البشرية المدربة، فمن المستحيل ـ برأي الوزيرـ «أن تفتتح منشأة سياحية لا يوجد فيها عمّال مدربون، وعليك أن توفر عدد الأدلاء السياحيين المطلوب، ولكل لغة حسب نمو السياح من كل دولة».
إذن، وحسب الوزير، «هذه عينة من التوازنات التي عليك العمل عليها لتشكل منظومة منسجمة بين عناصر متنوعة ومتداخلة، وتاليا العمل ممتع لكنه دقيق، ويعتمد أيضا على اقناع المستثمر أن يأتي.. واقناع السائح أن يأتي، واقناع الشباب بالدخول في هذا القطاع، والإيمان به والتعلم فيه، وهذه أيضا جملة من القناعات التي عليك أن تعمل على توفيرها. ودائما هناك مقياس للعمل: ما هو عدد السياح؟ ما هي نسبة النمو؟ ما هي المنشآت التي تدخل في الخدمة؟ وبالتالي أنت ترى النتائج بشكل دائم، ولا تترك لك مجالا إلا للمتابعة لتحسين هذه النتائج».
لبنان وسوريا.. وفضاء
يستفيض القلعة بالحديث عن التوقيع أخيرا على «البرنامج التنفيذي لاتفاق التعاون السياحي بين لبنان وسوريا للأعوام 2011-2015»، وذلك بعد توقيع الاتفاقية في العام الماضي، وهي تشتمل على محاور عديدة، منها تحفيز الحركة السياحية البينية بين البلدين، وتحويل البلدين إلى فضاء سياحي مشترك تجاه الأسواق السياحية الدولية. وهناك محاور أخرى، ـ كما يفيد ـ كتنسيق وتشجيع الاستثمارات السياحية المشتركة، والتدريب والتأهيل وتبادل الخبرات في مجالات عديدة.
ويحدد البرنامج التنفيذي الإجراءات التنفيذية العملية للاتفاقية مدته خمس سنوات من 2011 إلى 2015. وضمن هذا البرنامج، لكل محور هناك إجراءات محددة وواضحة بالنسبة للحركة البينية، وأهم النقاط كانت موضوع التسهيلات الحدودية، وتوفير الخدمات اللازمة، مثلا العبور وتوفير الاستراحات والخدمات، وهذه الخدمات موجودة إنما المطلوب تحسينها مع زيادة الحركة.
وفيما تشكل السياحة لسوريا 13 في المئة من الناتج المحلي العام، يوضح الوزير أنه في العام 2010 زار سوريا من لبنان مليونان و200 ألف، وأقام ليلة واحدة على الأقل حوالى مليون و467 ألفا، هذه الحركة الكبيرة يقابلها حركة كبيرة مماثلة في زيادة الخدمات.
أما التشكيل الفضائي السياحي المشترك، فهو الذي يتطلب إجراءات سريعة، سواء من حيث تصميم ورسم المسارات السياحية المشتركة التي تعبر عن تنوع وتكامل مقومات السياحة بين البلدين، «فان استطعنا أن نشكل هذه المسارات السياحية بشكل جاذب ومتنوع، فهذا يزيد من قدراتنا التنافسية أمام المقاصد المنافسة الأخرى، وذلك عبر تجميع كل عناصر القوة في المنتج السياحي السوري واللبناني»، مؤكدا «أن سوريا ولبنان كإقليم سياحي مشترك، قادر على جذب عشرات الملايين من السياح في العالم نتيجة المقوّمات السياحية الغنية جدا في البلدين».
تسهيلات وتأشيرة.. ومرونة
لكن الفضاء السياحي الواحد يستلزم تسهيلات، ويضرب الوزير مثلا «الحصول على تأشيرة الدخول، وخصوصا للمجموعات السياحية، بحيث يحصلون على هذه التسهيلات فيدخلون من سوريا إلى لبنان وبالعكس. وأن يكون هناك تسهيلات، بحيث ان الحصول على تأشيرة لمجموعة سياحية من إحدى الدولتين تؤدي للحصول على التأشيرة الأخرى في المعابر الحدودية أو المطارات».
ويتطلب هذا الموضوع أيضا، «من شركتي الطيران السورية واللبنانية إفساح المجال كي يأتي السائح من أي بلد ثالث فيصل مطار بيروت، وبعد أن ينفذ جولته السياحية بين لبنان وسوريا، يغادر من حلب على الطائرة السورية إلى بلده.
هذه المرونة ضرورية جدا، وهناك اتفاق قديم في هذا الاتجاه ومن الضروري أن يطبق، وان كان مطبقا فضروري أن تعلم به الشركات السياحية لتعمل عليه، مع ضرورة أن يكون السعر للبطاقة وكأنه سعر لبطاقة على شركة واحدة».
كما «يتطلب الفضاء السياحي المشترك أيضا، التنسيق في المواصفات السياحية المعتمدة، بحيث تكون متقاربة لكي لا يشعر السائح بأي فرق ضمن عناصر الجولة السياحية في البلدين. وهناك عناصر أخرى يتضمنها البرنامج التنفيذي، لكن الإجراءات المطلوبة هنا هي التي تستلزم الجهد الأكبر».
ويلقي الوزير المزيد من الضوء على الاتفاقية، ليؤكد أنه «يهمنا جدا ليس وضع اجراءات تنفيذية فقط، لكن أن نحدد لكل إجراء الجهات المعنية بهذا الإجراء، فمثلا موضوع الطيران ننسق مع وزارات النقل حول المتطلبات، وننسق مع وزارتي الداخلية والمالية للتسهيلات الحدودية والمباني في حال أي مستلزمات. وننسق مع وزارة النقل حول عبور الباصات السياحية، وهناك أشياء تبحث مع وزارات أخرى، ودور وزارة السياحة مسح المقومات السياحية في البلدين، وتبادلها بين وزارتي السياحة وتوفيرها للقطاع الخاص مع اقتراح مسارات ومنتجات سياحية محددة على الأقل كمسارات رائدة نبدأ بالتركيز عليها، وتكون متنوعة وجاذبة ونعرضها للقطاع الخاص كي يعتمدها ويرسم لها إجراءاتها وحجوزاتها وتسعيرها، ثم نضع البرنامج التنفيذي لكل مسار كيف يتم الترويج له بشكل مشترك في المعارض الدولية، وفي المطبوعات السياحية والحملات الإعلانية، كما المفروض أن نحدد دولا معنية نروج فيها لهذه المنتوجات السياحية المشتركة حسب قابلية كل دولة، واهتمام سياحها بنوعية من المنتوجات مختلفة عن الدولة الأخرى».
هذه الأمور كلها، وضع لها الأسس البرنامج التنفيذي، وشكلت لجان فرعية متخصصة من الوزارات المعنية، والقطاع السياحي الخاص في البلدين. وستجتمع اللجان في آذار المقبل في بيروت لاعتماد المسارات والدول المستهدفة بالترويج السياحي، كذلك للتأكد من أن التدابير المقترحة على الوزارات الأخرى، بدأت تجد طريقها إلى المعالجة.
أما عن الموازنة المرصودة للترويج السياحي في سوريا للسنوات الخمس المقبلة، فهي كما يقول الوزير القلعة: «مئة مليون دولار، وما يقع عليها من اجراءات للترويج تقوم بها وفق عناصر البرنامج التنفيذي الخاص باجراءات الترويج المشترك للمسارات السياحية المعتمدة».
وفيما لا توقع للميزانية المرصودة للبرنامج التنفيذي بين البلدين، يشير إلى «أن عدد السياح في سوريا بلغ في العام الماضي، 8 ملايين و478 ألفا، وتجاوز الإنفاق السياحي الذي ضخ في الاقتصاد السوري 8 مليارات دولار، وبلغ معدل النمو عن العام 2009، 40 في المئة».
ويتوقع الوزير ضمن الخطة الخمسية «أن يصل عدد السياح إلى سوريا 14 مليونا. ويأتي هذا التوقع من المنتجات السياحية السورية وأيضا من جميع التدابير التي نعمل عليها بالتنسيق الثنائي، مثلا بين سوريا ولبنان والعمل السياحي المشترك الذي انطلق الآن في إطار أعمال المجلس عالي المستوى للتعاون الاستراتيجي بين سوريا ولبنان وتركيا والأردن، والذي أيضا له إجراءاته وله أيضا نتائجه المتوقعة».
توازن استراتيجي.. ومقومات
وعن كيفية إجراء توازن استراتيجي في أعمال المجلس ضمن وجود تفاوت كبير في إقبال السياح بين الدول الأربع، حيث بلغ العدد في تركيا 28 مليونا، وفي سوريا نحو 8 ملايين ونصف، وفي لبنان والأردن مجتمعين بلغ نحو 6 ملايين ونصف مليون؟، يوضح القلعة «أن الأساس في الموضوع هو المقومات السياحية في الدول الأربع، وهي مقومات غنية جدا ومتنوعة وغنية ومتكافئة على الأقل، ولكل دولة عناصرها الساحرة التي تجذب السياح. وغايتنا هي تجميع نقاط القوة في كل دولة في منتجات جديدة. هذا لن يمنع كل دولة أن تعمل على الترويج لنفسها ومنتجاتها الخاصة، لكن لنأخذ مثلا الدول الأربع والحركة السياحية فيما بينها، فكل دولة منها هي مستقبلة للسياح ومصدرة للسياح أيضا، ولنأخذ تركيا عدد مواطنيها 80 مليونا، هؤلاء كلهم سيّاح محتملون لسوريا ولبنان والأردن ضمن هذا التعاون، وبالتالي صحيح أن عدد السياح إلى تركيا أكبر من الدول الأخرى، ولكن عدد السياح منها إلى البلدان الثلاثة الأخرى كبير جدا.
في المقابل، عندما تفكر بالسياح من دول أخرى، وعددهم 28 مليونا بالنسبة لتركيا، هؤلاء كلهم سياح محتملون للدول الأخرى لبرامج جديدة تضم تركيا والدول الثلاث الأخرى، أو احدى هذه الدول.
إذن، هذا التفاوت لا تأثير سلبيا له، وتاليا هذا التعاون الاستراتيجي تعاون في كل الاتجاهات السياحية، ودائما تأثيره ايجابي.
باعتبار أن سوريا وتركيا سبق أن وقعتا تشكيل الفضاء السياحي المشترك بينهما منذ سنة، وألغيت التأشيرات، يلفت إلى أنه «زار تركيا حوالى مليون سوري بين سائح وزائر ليوم واحد، وزار سوريا مليون ونصف مليون تركي منهم 865 ألف سائح والباقون لزيارة يوم واحد، محققا معدل نمو بلغ 136 في المئة زيادة عن عام 2009، وبالتالي التوازن موجود بين سوريا وتركيا، وفي شكل جيد».
علما، أن هذا التعاون الاستراتيجي يكتسب أهميته في السياحة من كونها تؤثر في نشاطات عديدة اقتصادية تنجم عنها كالتسوق والاستشفاء وحضور المعارض، وتشغيل أو زيادة الطلب على الاستثمارات السياحية وعلى مفروشات الفنادق والمنتوجات الغذائية، عدا الفنادق والمطاعم والشقق المفروشة.
إذن، وكما يؤكد القلعة، «الفائدة تنعكس على قطاعات واسعة في الاقتصاد في هذه الدول، وهذا التعاون مفتوح للآخرين من دول الجوار التي تريد أن تنضم في المستقبل، والعالم اليوم عالم التجمعات وتشبيك المصالح الاقتصادية».
طريق الحرير.. والقديس بولس
أول المسارات المشتركة التي يمكن تخطيطها بين الدول الأربع هي المسارات الثقافية والدينية، بحسب القلعة، و»مثلا على ذلك، مسارات: طريق الحرير، القديس بولس، مواقع التراث العالمي، الفتح الإسلامي..، بالتالي هذه المسارات تكمل عبر الدول الأربع المشهد السياحي عبر المقومات المعبرة عن المسار نفسه في هذه الدول».
ولكن أيضا، «من الممكن أن لا نركز على مسارات لعناصر متماثلة، وإنما متكاملة تشكل مزيجا سياحيا من عدة عناصر دينية وثقافية وطبيعية، حسب ما يتوفر في البلدان الأربعة بغاية تقديم منتج منافس وفريد لا يتوفر لدى مقاصد سياحية أخرى».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم