علا البوش ـ بيروت
المصدر: الجزيرة
ساهمت الحرب الأهلية في لبنان بظروفها السياسية والطائفية المعقّدة -إضافة إلى العوامل الاقتصادية والنفسية- في بروز الكائن الفرد، وتمثيله الحصري لمصالح طائفته، وانعكست على المثقفين اللبنانيين بشكل واضح، إذ ساعدت في بروز اتجاهات تحاول مأسسة نفسها وإيجاد هيمنة متماسكة ومتسلطة بشكل متزايد، رهناً للتطوّرات تحت شعار الديمقراطية.
وكما قال المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في "دفاتر السجن"، "بإمكان المرء القول إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع". والمثقفون بالنسبة لـغرامشي صنفان، الصنف الأول: مثقفون تقليديون مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل.
أما الصنف الثاني فهم: المثقفون العُضْويّون، وهم المرتبطون على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة.
وهو ما أكده الراحل إدوارد سعيد في كتابه "صورة المثقف"، بقوله إن المثقف المثالي يمثل التحرر والتنور، على ألا يكونا أبداً كفكرتين تجريديتين أو كإلهين جامديْ القلب ومتباعدين ينتظران من يخدمهما. فتمثيلات المثقف –أي ما يمثله من آراء وكيف يصورها لجمهوره– مرتبطة دائماً بتجربة دائمة في المجتمع، ويجب أن تظل جزءًا عضوياً.
سؤال المثقف
وفي لبنان يثار السؤال عن المثقف ودوره كلما تأزم الوضع السياسي، فقد شهدت الساحة اللبنانية مؤخرا جدلا حول البيان الذي نسب إلى الشاعر والإعلامي زاهي وهبي، وتداولته بعض المواقع الإلكترونية، وقيل إنه أعلن فيه استقالته من تلفزيون المستقبل المملوك للحريري، وتوقّف برنامجه الناجح الذي استمر 15 عاما "خليك بالبيت", وانتقاله إلى المعسكر الداعم للمقاومة.
هذا الجدل أثار بقوة قضية الانحياز السياسي للمثقفين، خصوصا في بلد يعج بالسياسة والثقافة معا.
الإعلامي وهبي نفى للجزيرة نت صحة الخبر ونسبة البيان إليه، وقال "شخصياً -وبعد تجربة طويلة في العمل الثقافي تمتد على مساحة عمر بأكمله- أعتبر نفسي شاعراً ينتمي لقصيدته قبل أي أمر آخر, لكن الانتماء إلى الشعر أو إلى أي إبداع حقيقي يعني تلقائياً الانتماء إلى قيم الحق والخير والجمال، والانتصار للحرية والعدل والمساواة، والنأي عن التعصب والانغلاق, والقبول بحق الاختلاف"، انطلاقاً من مقولة الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأضاف "هذه قاعدتي في النظر إلى آرائي و آراء الآخرين، مع تأكيد انحيازي المطلق لصف المُضطهَدين والمظلومين والمقاومين لأجل تحرير أرضهم من نير الاحتلال والاستبداد، سواء أكانوا في فلسطين, أو العراق, أو لبنان, أو في أي مكان".
وكان زاهي قد كتب في صفحته على "فيسبوك" بالإنترنت أن أي أمر يتعلّق ببرنامجه يصدر عنه مباشرة، وأن محبة الناس تزيده إصراراً على تقديم كل ما يمكنه أن يسهم في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور.
صنّاع الضمير
أمّا عن دور المثقّف اللبناني في الحياة العامة, فيقول وهبي "المثقف مصطلح واسع ومطاط يشمل شرائح كبيرة من الناس, والمثقف مواطن وإنسان من حقه الانتماء أو عدم الانتماء لما أو لمن يشاء, ولكن إذا كان المقصود بالمثقف الأديب أو الفنان, فإنه يغدو في هذه الحالة من صنّاع الضمير والوعي والوجدان".
ويتابع "لذا الأجدى والأصح أن يظل حراً مستقلاً وعلى مسافة من الجميع, ويحرص على حقه النقدي للجميع وبالأخص لمن يؤيد قبل مَن يخاصم, لأن نقده في هذه الحالة يغدو أكثر نزاهة وموضوعية".
ويرى وهبي أنه يجب "على المثقف الذي يعمل هنا أو هناك أن يسعى ويجهد لرفع سقف الحرية وتوسيع هامش حق الاختلاف، وعدم التحوّل بوقاً لأي كان، لأن صفته ودوره الإبداعييْن أرقى وأسمى من ذلك بكثير".
ضمائر "إنشائية"
ومن جهته يرى الكاتب الصحافي والشاعر اللبناني د. كامل صالح أن الانحياز السياسي هو موقف ثقافي، فضلا عن كونه موقفا أيديولوجياً, وأن العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة تكاملية. ويقول في حديثه للجزيرة نت إنه لا يمكن بناء "سياسة" ما من دون أسس ثقافية تربطها بالتاريخ والحاضر والمستقبل.
ويلاحظ في هذا السياق، أن كل الأحزاب تهتم بالمراكز الثقافية، والندوات التثقيفية، وسعيها إلى امتلاك وسيلة تعبير؛ جريدة، إذاعة، تلفزيون، موقع إلكتروني.. و"ما هذه الوسائل إلا وجه من وجوه الثقافة أيضا". مضيفاً أن "الانحياز أو التطرف أو الاعتدال هو ثقافة، وتاليا من يروجون لذلك هم بالضرورة مثقفون، وليس بالضرورة أن ترتبط المسألة بالمال، وقد أثبتت التجارب أن الكثير من المثقفين فعلوا ذلك إيمانا منهم بهذه السياسة".
ويبرهن صالح على نظرته تلك بقوله "في حالتنا اللبنانية، كل الأطراف تمتلك المال، وأمام المثقف خيار الانتماء إلى أي طرف في المعادلة والدفاع عنه، والتنظير لأهدافه وتطلعاته، وصوابية توجهه". أما عن مسألة ضمائر الأمة فيؤكد أنها بلا شك، "إنشائية جميلة جدا"، وطوباوية لم تكن -حسب رأيه- موجودة يوما من الأيام، وهذا "الضمير" كان دائما موضع سؤال، حسب قوله.
عبء ثقيل
أما الكاتب والصحافي اللبناني حسين حسون فيرى أنه ليس من الضروري أن يكون جميع المثقفين اللبنانيين منحازين سياسيا لهذا الطرف أو ذاك، ويقول "إذا حصرنا كلامنا في المثقفين المنحازين سياسيا أو لنقل المسيسين، فلهذا الأمر أكثر من سبب، ومن بينها أن هناك مثقفين مؤدلجين سياسيا، أي أنهم يعتنقون أيديولوجية ما تجعلهم يتوزعون على الأحزاب، كل حسب قناعته السياسية، وكل مثقف في هذه الحالة سيسخّر مخزونه الثقافي في خدمة مبدئه أو مفهومه السياسي".
ويشير حسون إلى أن هناك فئة من المثقفين تعتاش من خلال ما تقدمه من خدمات لصالح أطراف سياسية، حيث "هناك مثقفون يعملون في دوائر إعلامية أو ثقافية أو حتى سياسية تابعة لأطراف حزبية أو سياسية، ويفرض عليها عملها أن تستخدم حرفتها الثقافية -إذا صح التعبير- في الإطار الوظيفي، أي في ما أسندت إليهم من وظائف يعملون فيها".
ويصف حسون تلك الحالة بأنها "تسخير الثقافة في خدمة الوظيفة"، ويضيف "مع أن العكس يجب أن يكون في الأوضاع الطبيعية. وهناك فئة أخرى من المثقفين الذين كانت العصبيات الطائفية والمذهبية أقوى منهم، فسحبتهم طوائفهم ومذاهبهم إليها بدلا من أن يكون أساسهم الثقافي عاملا موحدا لا فئويا ولا طائفيا"، موضّحاً أن هذه الفئة تحاول تطويع الثقافة في خدمة المشاريع الطائفية أو المذهبية.
ويؤكد حسون أن الثقافة تشظت في لبنان بسبب الانفجارات السياسية والانتفاخ الطائفي والمذهبي، وأصبحت هناك فئات من المثقفين تعمل وفق ما تقتضيه السياسة، وليس وفق ما يقتضيه المفهوم الوطني بشموليته.
ويلفت إلى أن البلاد تفتقر إلى نموذج السياسي المثقف، حيث إن معظم القيادات السياسية "تعمل لترسيخ مكانتها الطائفية أو المذهبية، وهذا لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال منطلقا من ذهنية ثقافية واعية لخطورة ما يتعرض له البلد من تدمير منهجي للبنية الثقافية، منذ بدء الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا".
طعم آخر
من جهتها تذهب الكاتبة والصحفية اللبنانية روعة قاسم إلى أنه لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة، فهما مرتبطان بالشأن اليومي الحياتي لأي فرد سواء كان مثقفا فاعلا في مجتمعه أم مهمشا محدود الفكر والعلم.
وتقول في حديثها للجزيرة نت "السياسة اليوم وفي كل بلدان العالم هي التي تدير الشأن العام، وحتى قرارات السلم والحرب التي تغير وجه المعمورة مرتبطة بالعصا السحرية للسياسة، فبالتالي لا يمكن أن يكون هناك مثقف لا يعنى بالشأن السياسي فحينها يكون بعيدا عن هموم واقعه وقضاياه".
وتضيف "إذا نظرنا مثلا إلى فرنسا فسنجد أن أحد أكبر سياسييها ومثقفيها وهو الأديب ورئيس الحكومة الأسبق دومينيك دوفيلبان مثال للمثقف الواعي، وهو الذي يسخر طاقاته الفكرية وعلومه وآفاقه الثقافية في عجينة السياسة. وهنالك الكثير من الساسة المثقفين في العالم، من أمثال رئيس الوزراء البريطاني الراحل تشرشل الذي كان أديبا ورساما، وكان له تأثير كبير على حركية التاريخ".
أما بالنسبة للبنان فالثقافة على حد قولها لها "طعم آخر"، إذ باتت ملتصقة التصاقا تاما بالطائفية والفئوية والمناطقية، وشتى أصناف التمييز الديني والفكري وحتى الإثني. وتؤكد أن عدم الانخراط في هذه اللعبة يجعل المثقف منعزلا عن محيطه في غربة فكرية قسرية، لافتة إلى أن غيابه سيترك الميدان للجهلة والطائفيين ليرتعوا في الحقل السياسي فرادى، وهو ما ينعكس حروبا أهلية ولعنات على لبنان.
وأوضحت أن "المثقف الواعي يسعى ليجابه طواحين الجهل، ويرفع من مستوى التحصيل العلمي بدل أن تكون هناك مدن بأكملها في بلد الإشعاع لبنان تتحكم فيها أرقام فضائحية عن تفشي ظاهرة الأميين".
وشددت الكاتبة اللبنانية على أن المثقف اللبناني قد "همّش نفسه ورهنها لسياسييه لعدم مبادرته في القرار السياسي، وأصبح يلهث وراء سياسييه أو طائفته ليجد له موقعا أو سندا، سعيا وراء لقمة العيش".
الثلاثاء 29/1/1432 هـ - الموافق 4/1/2011 م
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7EFE8722-9388-4FA7-8449-54D3F0F02F8D.htm
الكاتب الصحافي والشاعر كامل صالح: العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة تكاملية (الجزيرة نت) |
ساهمت الحرب الأهلية في لبنان بظروفها السياسية والطائفية المعقّدة -إضافة إلى العوامل الاقتصادية والنفسية- في بروز الكائن الفرد، وتمثيله الحصري لمصالح طائفته، وانعكست على المثقفين اللبنانيين بشكل واضح، إذ ساعدت في بروز اتجاهات تحاول مأسسة نفسها وإيجاد هيمنة متماسكة ومتسلطة بشكل متزايد، رهناً للتطوّرات تحت شعار الديمقراطية.
وكما قال المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في "دفاتر السجن"، "بإمكان المرء القول إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع". والمثقفون بالنسبة لـغرامشي صنفان، الصنف الأول: مثقفون تقليديون مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل.
أما الصنف الثاني فهم: المثقفون العُضْويّون، وهم المرتبطون على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة.
وهو ما أكده الراحل إدوارد سعيد في كتابه "صورة المثقف"، بقوله إن المثقف المثالي يمثل التحرر والتنور، على ألا يكونا أبداً كفكرتين تجريديتين أو كإلهين جامديْ القلب ومتباعدين ينتظران من يخدمهما. فتمثيلات المثقف –أي ما يمثله من آراء وكيف يصورها لجمهوره– مرتبطة دائماً بتجربة دائمة في المجتمع، ويجب أن تظل جزءًا عضوياً.
سؤال المثقف
وفي لبنان يثار السؤال عن المثقف ودوره كلما تأزم الوضع السياسي، فقد شهدت الساحة اللبنانية مؤخرا جدلا حول البيان الذي نسب إلى الشاعر والإعلامي زاهي وهبي، وتداولته بعض المواقع الإلكترونية، وقيل إنه أعلن فيه استقالته من تلفزيون المستقبل المملوك للحريري، وتوقّف برنامجه الناجح الذي استمر 15 عاما "خليك بالبيت", وانتقاله إلى المعسكر الداعم للمقاومة.
هذا الجدل أثار بقوة قضية الانحياز السياسي للمثقفين، خصوصا في بلد يعج بالسياسة والثقافة معا.
الإعلامي وهبي نفى للجزيرة نت صحة الخبر ونسبة البيان إليه، وقال "شخصياً -وبعد تجربة طويلة في العمل الثقافي تمتد على مساحة عمر بأكمله- أعتبر نفسي شاعراً ينتمي لقصيدته قبل أي أمر آخر, لكن الانتماء إلى الشعر أو إلى أي إبداع حقيقي يعني تلقائياً الانتماء إلى قيم الحق والخير والجمال، والانتصار للحرية والعدل والمساواة، والنأي عن التعصب والانغلاق, والقبول بحق الاختلاف"، انطلاقاً من مقولة الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأضاف "هذه قاعدتي في النظر إلى آرائي و آراء الآخرين، مع تأكيد انحيازي المطلق لصف المُضطهَدين والمظلومين والمقاومين لأجل تحرير أرضهم من نير الاحتلال والاستبداد، سواء أكانوا في فلسطين, أو العراق, أو لبنان, أو في أي مكان".
وكان زاهي قد كتب في صفحته على "فيسبوك" بالإنترنت أن أي أمر يتعلّق ببرنامجه يصدر عنه مباشرة، وأن محبة الناس تزيده إصراراً على تقديم كل ما يمكنه أن يسهم في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور.
صنّاع الضمير
أمّا عن دور المثقّف اللبناني في الحياة العامة, فيقول وهبي "المثقف مصطلح واسع ومطاط يشمل شرائح كبيرة من الناس, والمثقف مواطن وإنسان من حقه الانتماء أو عدم الانتماء لما أو لمن يشاء, ولكن إذا كان المقصود بالمثقف الأديب أو الفنان, فإنه يغدو في هذه الحالة من صنّاع الضمير والوعي والوجدان".
ويتابع "لذا الأجدى والأصح أن يظل حراً مستقلاً وعلى مسافة من الجميع, ويحرص على حقه النقدي للجميع وبالأخص لمن يؤيد قبل مَن يخاصم, لأن نقده في هذه الحالة يغدو أكثر نزاهة وموضوعية".
ويرى وهبي أنه يجب "على المثقف الذي يعمل هنا أو هناك أن يسعى ويجهد لرفع سقف الحرية وتوسيع هامش حق الاختلاف، وعدم التحوّل بوقاً لأي كان، لأن صفته ودوره الإبداعييْن أرقى وأسمى من ذلك بكثير".
ضمائر "إنشائية"
ومن جهته يرى الكاتب الصحافي والشاعر اللبناني د. كامل صالح أن الانحياز السياسي هو موقف ثقافي، فضلا عن كونه موقفا أيديولوجياً, وأن العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة تكاملية. ويقول في حديثه للجزيرة نت إنه لا يمكن بناء "سياسة" ما من دون أسس ثقافية تربطها بالتاريخ والحاضر والمستقبل.
ويلاحظ في هذا السياق، أن كل الأحزاب تهتم بالمراكز الثقافية، والندوات التثقيفية، وسعيها إلى امتلاك وسيلة تعبير؛ جريدة، إذاعة، تلفزيون، موقع إلكتروني.. و"ما هذه الوسائل إلا وجه من وجوه الثقافة أيضا". مضيفاً أن "الانحياز أو التطرف أو الاعتدال هو ثقافة، وتاليا من يروجون لذلك هم بالضرورة مثقفون، وليس بالضرورة أن ترتبط المسألة بالمال، وقد أثبتت التجارب أن الكثير من المثقفين فعلوا ذلك إيمانا منهم بهذه السياسة".
ويبرهن صالح على نظرته تلك بقوله "في حالتنا اللبنانية، كل الأطراف تمتلك المال، وأمام المثقف خيار الانتماء إلى أي طرف في المعادلة والدفاع عنه، والتنظير لأهدافه وتطلعاته، وصوابية توجهه". أما عن مسألة ضمائر الأمة فيؤكد أنها بلا شك، "إنشائية جميلة جدا"، وطوباوية لم تكن -حسب رأيه- موجودة يوما من الأيام، وهذا "الضمير" كان دائما موضع سؤال، حسب قوله.
عبء ثقيل
أما الكاتب والصحافي اللبناني حسين حسون فيرى أنه ليس من الضروري أن يكون جميع المثقفين اللبنانيين منحازين سياسيا لهذا الطرف أو ذاك، ويقول "إذا حصرنا كلامنا في المثقفين المنحازين سياسيا أو لنقل المسيسين، فلهذا الأمر أكثر من سبب، ومن بينها أن هناك مثقفين مؤدلجين سياسيا، أي أنهم يعتنقون أيديولوجية ما تجعلهم يتوزعون على الأحزاب، كل حسب قناعته السياسية، وكل مثقف في هذه الحالة سيسخّر مخزونه الثقافي في خدمة مبدئه أو مفهومه السياسي".
ويشير حسون إلى أن هناك فئة من المثقفين تعتاش من خلال ما تقدمه من خدمات لصالح أطراف سياسية، حيث "هناك مثقفون يعملون في دوائر إعلامية أو ثقافية أو حتى سياسية تابعة لأطراف حزبية أو سياسية، ويفرض عليها عملها أن تستخدم حرفتها الثقافية -إذا صح التعبير- في الإطار الوظيفي، أي في ما أسندت إليهم من وظائف يعملون فيها".
ويصف حسون تلك الحالة بأنها "تسخير الثقافة في خدمة الوظيفة"، ويضيف "مع أن العكس يجب أن يكون في الأوضاع الطبيعية. وهناك فئة أخرى من المثقفين الذين كانت العصبيات الطائفية والمذهبية أقوى منهم، فسحبتهم طوائفهم ومذاهبهم إليها بدلا من أن يكون أساسهم الثقافي عاملا موحدا لا فئويا ولا طائفيا"، موضّحاً أن هذه الفئة تحاول تطويع الثقافة في خدمة المشاريع الطائفية أو المذهبية.
ويؤكد حسون أن الثقافة تشظت في لبنان بسبب الانفجارات السياسية والانتفاخ الطائفي والمذهبي، وأصبحت هناك فئات من المثقفين تعمل وفق ما تقتضيه السياسة، وليس وفق ما يقتضيه المفهوم الوطني بشموليته.
ويلفت إلى أن البلاد تفتقر إلى نموذج السياسي المثقف، حيث إن معظم القيادات السياسية "تعمل لترسيخ مكانتها الطائفية أو المذهبية، وهذا لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال منطلقا من ذهنية ثقافية واعية لخطورة ما يتعرض له البلد من تدمير منهجي للبنية الثقافية، منذ بدء الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا".
طعم آخر
من جهتها تذهب الكاتبة والصحفية اللبنانية روعة قاسم إلى أنه لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة، فهما مرتبطان بالشأن اليومي الحياتي لأي فرد سواء كان مثقفا فاعلا في مجتمعه أم مهمشا محدود الفكر والعلم.
وتقول في حديثها للجزيرة نت "السياسة اليوم وفي كل بلدان العالم هي التي تدير الشأن العام، وحتى قرارات السلم والحرب التي تغير وجه المعمورة مرتبطة بالعصا السحرية للسياسة، فبالتالي لا يمكن أن يكون هناك مثقف لا يعنى بالشأن السياسي فحينها يكون بعيدا عن هموم واقعه وقضاياه".
وتضيف "إذا نظرنا مثلا إلى فرنسا فسنجد أن أحد أكبر سياسييها ومثقفيها وهو الأديب ورئيس الحكومة الأسبق دومينيك دوفيلبان مثال للمثقف الواعي، وهو الذي يسخر طاقاته الفكرية وعلومه وآفاقه الثقافية في عجينة السياسة. وهنالك الكثير من الساسة المثقفين في العالم، من أمثال رئيس الوزراء البريطاني الراحل تشرشل الذي كان أديبا ورساما، وكان له تأثير كبير على حركية التاريخ".
أما بالنسبة للبنان فالثقافة على حد قولها لها "طعم آخر"، إذ باتت ملتصقة التصاقا تاما بالطائفية والفئوية والمناطقية، وشتى أصناف التمييز الديني والفكري وحتى الإثني. وتؤكد أن عدم الانخراط في هذه اللعبة يجعل المثقف منعزلا عن محيطه في غربة فكرية قسرية، لافتة إلى أن غيابه سيترك الميدان للجهلة والطائفيين ليرتعوا في الحقل السياسي فرادى، وهو ما ينعكس حروبا أهلية ولعنات على لبنان.
وأوضحت أن "المثقف الواعي يسعى ليجابه طواحين الجهل، ويرفع من مستوى التحصيل العلمي بدل أن تكون هناك مدن بأكملها في بلد الإشعاع لبنان تتحكم فيها أرقام فضائحية عن تفشي ظاهرة الأميين".
وشددت الكاتبة اللبنانية على أن المثقف اللبناني قد "همّش نفسه ورهنها لسياسييه لعدم مبادرته في القرار السياسي، وأصبح يلهث وراء سياسييه أو طائفته ليجد له موقعا أو سندا، سعيا وراء لقمة العيش".
الثلاثاء 29/1/1432 هـ - الموافق 4/1/2011 م
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7EFE8722-9388-4FA7-8449-54D3F0F02F8D.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني أن أسمع رأيكم