12 فبراير 2010

عشية 14 شباط ... يا بلادي

عشية 14 شباط أذكر أنه قبل أيام قليلة من 14 شباط/ فبراير 2005 ، أي قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كنت وزوجتي نتحاور حول آلية العودة إلى لبنان بشكل نهائي، وبدأنا نعدد الصعوبات التي من الممكن أن تواجهنا، وكيفية ترتيب العودة بحيث لا يتأثر طارق ونور أولادنا بها (قبل مجيء مروان الذي ولد في عام 2006)، وبحيث يمكننا أن نجد عملا يمكننا أن نعيش من خلاله بالحد الأدنى من الآمان.
كنا نتحاور، نيأس، نتأمل، نتابع الاتصال بالأهل والأصدقاء لمعرفة الأجواء، وتمهيدا للعودة النهائية بمجرد أن ينتهي الأطفال من المدرسة هنا في جدة.
ماذا حدث يوم الاثنين 14 شباط / فبراير:

فيما كنت منهمكا بانهاء متابعة الصفحات في الصحيفة، وبالهدية التي سأقدمها الى زوجتي بـ "يوم الحب"، سمعت من الزملاء أن انفجارا وقع في بيروت.
لم أهتم كثيرا بالخبر حيث اعتدنا كلبنانيين على هكذا أخبار، وعاودت العمل كي أنتهي بالوقت المحدد لإرسال الصفحات إلى الطبع.
تسارعت الأخبار العاجلة. سمعت أن الانفجار استهدف موكب الرئيس رفيق الحريري. تابعت عملي بقلق وتوتر، فالوقت في الصحافة كالسيف ان لم تقطعه قطعك. سمعت أن الحريري ربما مات... ذهبت إلى قسم التنفيذ لرسم الصفحات، والاستعداد لتبييت صفحات الأربعاء.
عدت إلى مكتبي، خبر استشهاد الحريري بات مؤكدا. جلست على مكتبي أواصل عملي... ثم وفي الساعة السادسة والنصف مساء اتصلت بزوجتي وأنا في طريقي إلى البيت لأعتذر لها عن عدم تمكني من شراء الهدية... وبدأت أبكي.
هرعت الى التلفزيون لأعرف ما حدث... لأعود لبنانيا.
هرعت إلى دمعي، وانخرطنا أنا وزوجتي في بكاء يومي استمر لأيام، فكلما انسابت دمعة من أحد ما على الشاشة كان ينساب دمعنا في المقابل.
لا أعرف... لماذا يحصل معنا هكذا؟
لماذا موتنا ممكن دائما؟
في ذاك الوقت أصبح حلم العودة شبه مستحيل بل مشروعا انتحاريا.
بلدي مفتوح على المجهول. كل واحد فينا يعد ضحاياها. ...
باتت الغربة قفصا مطلقا وبات القفص يقتلني في كل لحظة.
روحي مفتوحة على المجهول كبلادي
.وأسأل لماذا كلما شرعت بالكتابة عن بلدي أشعر بعجز تام عن التعامل مع اللغة؟
لماذا كلما حاولت أن أكتب "لبنان" أحس بأني طفل لم يتعلم بعد الكلام؟
فعندما أمشي أراه يخرج من جسدي
يفوح من روحي.
وكلما أراه "تعبان" أفقد توازني وأذهب في البكاء كرجل شجاع...
وأخاف عليه كأني أبوه وأمه.
هو أنا... فنزيفه يلمع على مساماتي.
هو أنا... فوجعه يلم روحي.
هو أنا. وأنا الآن واقف على حد الهواء.
لا نسمة تعبر.. لا ريح تدك هذه الغابة
لا أحد هنا سوى نحيب يبدأ باستمرار
هل بات يفيد الإيمان؟
هل الصلاة تعني شيئا لإنسان نسي الدعاء؟
أفتقدني. أفتقد بلادي وأشتاق إليها أكثر.
وأقول: يا رب... بلادي.
كامل فرحان صالح